في “جمهورية البنزين والمازوت”: “مرّقلي لمرّقلك” والتفويلة بمئة ألف “برّاني”

تنشط سرقة “ديبّو” البيئة من السيارات، هذه المرّة ليست عند الميكانيكي، ولا البنشرجي، بل من أشخاص إمتهنوا حديثاً مهنة تعبئة السيارات بالوقود عن الناس. وفق أحمد، فإنه كان يستعين بأحد الشبان لتعبئة سيارته بالبنزين لقاء بدل مادي، كونه ملزماً بالعمل، وغير قادر على الوقوف بالطابور، غير أنه تفاجأ بفقدان “ديبو” البيئة من سيارته الـBM E60 والذي يتخطى سعره الـ1600 دولار أميركي ” فريش”. يؤكد أحمد أن الشاب المعني اعترف بسرقة “الديبو”، وأن السيارة ليست السيارة الوحيدة التي ينزع منها “ديبو” البيئة، بل سيارات عدة، حتى انه يرفض اخذ أي سيارة لتعبئتها وقود ما لم تتوفر “الرزقة” كما وصفها، جازماً بأن قلة تكتشف الأمر، سيما وانه يتعامل مع “أشكمنجي” شاطر، يلحمه بالليرز.

في جمهورية البنزين والمازوت، وحدها لغة المال تتحدث، ووحده قانون المحسوبيات و”مرقلي تمرقلك” يسري في داخل جمهورية فرضتها سياسات لبنان المالية المهترئة طيلة عقود. لا حدود للفساد داخلها، فـ”التفويلة” تتطلب دفع 100 الف “برّاني”، والوصول الى المحطة خارج الطابور يفرض عليك دفع بين الـ 50 والـ 100 الف ليرة، هذا عدا عن التلاعب بالعدادات، مستفيدين من حاجة المواطن لبضع ليترات من بنزين تتبخر بسرعة.

وعلى مرأى من القوى الامنية ومسمعها، تنشط السوق السوداء على المحطات، الاولوية هنا لمن يدفع أكثر. باتت المحطات تشرّع خراطيمها لتعبئة البنزين بالسعر الاسود الذي يحّول يوميات المواطن جحيماً يومياً، من دون ان ينبس ببنت شفة، على تخوم تلك الجمهورية تشرّع السرقة والنهب والفساد، سرقة “ديبو” البيئة من السيارات، ونهب ما تبقّى من مال لدى الناس على قاعدة “بدك تمرق بسرعة بتدفع 100 الف” حيث خصصت محطات كثيرة مساحة واسعة للأمر، وفرزت لها شبانا يستقطبون الزبائن، ومعظمهم من المغتربين، الذين زادوا من فعالية هذا السوق سواء للبنزين أو المازوت، ويدفعون أثماناً باهظة، حتى لو تخطت التنكة الـ 300 الف فهي على الدولار تساوي 16 دولاراً.

دفعت المحسوبيات والتمريقات وغيرها الى اشتداد حدة الاشكالات اليومية التي تتطور وتُستخدم خلالها السكاكين، لا يخفي مصدر متابع خطورة المرحلة الحالية والمقبلة، فالازمة مرجحة للتفاقم أكثر، خاصة وأن كل المحطات تعتمد نظام التخزين، والسوق السوداء، وتتبع نظام الفتح ساعة كحد أقصى مع وضع عدّاد سري يوقف عمل كل العدّادات فجأة ، كذريعة للهروب من تعبئة السيارات المتوقفة بالطابور. ووفق المعطيات فإن غالبية المحطات باتت تفتح كرمى لعيون المحسوبيات والميسورين، وما إن تنتهي من تعبئة سياراتهم حتى تقفل بوجه طابور المنتظرين، ضاربة بعرض الحائط انتظارهم الطويل تحت اشعة الشمس.

مصدرنداء الوطن - رمال جوني
المادة السابقةكيف يمكن لهذا البلد الصغير تجاوز أزمته الكبيرة؟
المقالة القادمةعلاجات “مرحلية” خجولة لرواتب القطاع الخاص