انطلاقاً من الأزمة النظامية التي تشغل البلاد بأسرها، والمتراقصة على حبال التجاذب السياسي المستعر بنار الفراغ الرئاسي الذي تم مَحوه من ذاكرة اللبنانيين، وإلهائهم بالملفات الحياتية اليومية الساخنة اقتصادياً ونقدياً ومالياً ثم أمنياً فاجتماعياً، والمشوبة بالقلق والخوف من أن يكون الآتي أعظم!
فالطامة الكبرى التي أربكت حاضر اللبنانيين ومستقبلهم، لا تزال على طاولة الجدل والتكهّنات، من دون أي حل جذري أو طارئ يزيل قباحة المشكلة. وهنا الحديث عن أموال المودِعين العالقة في المصارف والتي يَئِس أصحابها من خرق أي فرَج جدار سوداويّة الأزمة… إنما يبقى أصحاب الشأن من القيّمين على أموال المودِعين يُعلون الصوت بضرورة إقرار قانون الـ”كابيتال كونترول” ويعلّقون الآمال عليه، لا لشيء سوى لتنظيم تسيير الأمور في حدّها الأدنى والحفاظ على ما تبقى من أموال المودِعين في المصارف، أفضل من فقدانها كلها.. وعندها لا يعود ينفع أي ندم.
“خيرٌ أن يأتي متأخراً من ألا يأتي أبداً”
مصدر مالي لـ”الديار” يشدد على ضرورة إقرار قانون الـ”كابيتال كونترول” لحماية ما تبقى من الأموال انطلاقاً من مبدأ “خيرٌ أن يأتي متأخراً من ألا يأتي أبداً”. فهو خطوة ملحّة من الضروري القيام بها من أجل تنظيم العلاقة بين المودِع والمصرف أولاً، إذ على سبيل المثال لا الحصر في حال طرأت مشكلة صحيّة على المودِع تكون هناك لجنة مختصّة تعالج هذه الحالة وتصرف له الأموال المطلوبة… كذلك بالنسبة إلى طالب جامعي أراد سحب مبلغ من وديعته أو وديعة ذويه لتسديد قسطه الجامعي في الخارج… إذاً كل ما من شأنه تنظيم العلاقة بين الجانبين.
تجميد الدعاوى القضائية…!
… “فبقانون الـ”كابيتال كونترول” يعرف المودِع ما هي حقوقه وواجباته في آن” يقول المصدر.
ويُضيف: كذلك يساعد هذا القانون على تجميد الدعاوى القضائية ضد المصارف وخصوصاً الدعاوى المقدَّمة من قِبَل أطراف في الخارج، بهدف منع “السمك الكبير من أكل السمك الصغير” بحسب المصدر.
ويشير إلى أن “خطورة الموضوع هنا، تكمن في أن صاحب الشكوى لا ينتظر صدور الحكم لتحصيل المال، بل يطلب تجميد الأرصدة التي توازي قيمة المبلغ الذي يطالب به، إلى حين البتّ بالدعوى.. فيصدر حكم فوري بذلك من المحكمة المختصّة قبل البتّ بمضمون الدعوى! وهذا أمر خطير جداً”.
وينبّه إلى أنه “في حال كان صاحب الدعوى كناية عن كونسورتيوم مودِعين أو مودِعين كبار كـ”مجموعة خلف الحبتور” على سبيل المثال لا الحصر، عندها يتم تجميد ما يقارب مليارين أو ثلاثة مليارات دولار إلى حين البت بالدعوى، وهنا تقع الكارثة على المصارف التي لا يعود في مقدورها عندئذٍ تسيير عمليات السحب النقدية المنصوص عنها وفق تعاميم مصرف لبنان، كما لا يعود في إمكانها القيام بواجباتها ضمن الحدّ الأدنى المطلوب”.
من هنا، يشدد المصدر على أن “قانون الـ”كابيتال كونترول” ممرّ إلزامي إلى صندوق النقد الدولي كما إلى خطة التعافي أو غيرهما، أي لا يمكن القيام بأي شيء من دونه. علماً أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم ومنصوري ونواب الحاكم الثلاثة الآخرين أمهلوا الحكومة ومجلس النواب شهرين لإقرار قانون الـ”كابيتال كونترول”، لكن الطبقة السياسية رأت أن فترة الشهرين طويلة جداً، في حين يجب إقراره خلال ساعات أو أيام معدودة على أبعد تقدير، نظراً إلى أهميّة الموضوع وضرورته في المرحلة الراهنة. إذ لم يُطلب يوماً ولا في أي دولة في العالم أن يتم إقرار الـ”كابيتال كونترول” خلال أشهر في حمأة الأزمات المالية، بل في غضون ساعات وأيام على أبعد تقدير… أما في لبنان فلا يزال يخضع للدرس بما يقارب السنتين!
ويتابع المصدر المالي في السياق: إذا وافقت المكوّنات السياسية كافة على عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب قريباً، فيجب أن يكون قانون الـ”كابيتال كونترول” على رأس جدول أعمالها وإعطاؤه أولوية المناقشة والبتّ.
ويُضيف: استناداً إلى تبرير “الضرورات تُبيح المحظورات” يجب أن يكون قانون الـ”كابيتال كونترول” هو الأساس لتشريعه وبالتالي وضعه على رأس جدول أعمال الجلسة التشريعية وليس في بنده الأخير، وأن تكون الأولوية لإقراره وليس لبند الصندوق السيادي لعائدات النفط، على أهميّته، لكنه يمكن وضعه في الأدراج إلى حين تظهير نتائج الحفر والاستكشاف والتنقيب، بينما قانون الـ”كابيتال كونترول” ملحّ وضروري وأساسي في هذه المرحلة الدقيقة!
يتم قراءة الآن