قانون الفجوة المالية: مُخالَفات تُعدِم تعويضات نهاية الخدمة

“​قانون الفجوة المالية​” الذي أُقر يوم الجمعة الماضي، في مجلس الوزراء، “جاء ليُكحلها، فعَماها”. فالقرار المذكور تلقى جرعة دعم من فرنسا التي رحبت به على لسان وزير أوروبا والشؤون الخارجية ​Jean​-Noël Barrot.

فبين العيدين مررت الحُكومة المشروع بشق النفَس وبأكثرية ضئيلة أَقرت المشروع الذي أيده 13 وزيرا فقط، واعترض عليه 9 آخَرون، أبرزهم وزراء “​حركة أمل​” و”​حزب الله​”.

تعويضات المُعلمين

ناهيك عن المُخالفات الكثيرة في “قانون الفجوة المالية” والتي سنُفصلها في متن المقالة، ثمة تداعيات كارثية للقانون على صعيد ​تعويضات نهاية الخدمة​، عبَّرت عنها نقابة المُعلمين في لبنان. هي مُخالَفات تُعدِم العُمال تعويضات نهاية خدمتهم.

فقد أشارت النقابة في بيان، إلى “تسجيلها مُلاحظة جوهرية وأساسية، تتعلق بعدم تضمين مشروع قانون (الفجوة الماليّة) أي إشارة أو معالجة واضحة لأموال النقابات وصناديق التعاضُد والتعويضات، وفي طليعتها صندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة”.

وذكّرت النقابة بأن هذه الأموال “ليست أموالا تجارية ولا استثمارية، بل هي أموال مُخصصة حصرا لضمان شيخوخة المُعلمين وتقاعُدهم، وتُعتبر من الصناديق غير الربحية التي تقوم، بالنيابة عن الدولة، بواجب اجتماعي من صلب مسؤوليات الدولة نفسها، وهو تأمين التعويضات والتقاعد الكريم لعشرات الآلاف من أفراد الهيئة التعليمية في القطاع الخاص”.

ولفتت إلى أن “هذه الصناديق، ومنها ​صندوق تعويضات المُعلمين​ وتقاعدهم، كانت تُؤمن للمُعلمين المُتقاعدين حُقوقهم التقاعدية في انتظام، حتى جاءت ​الأزمة المالية والاقتصادية​ لتحرمهم من قيمة تعويضاتهم، عبر إفراغها من قيمتها بالليرة اللبنانية”.

وطالبت نقابة المُعلمين المجلس النيابي بـ”إدخال تعديلات جوهرية على المشروع المطروح، بما يحفظ أموال صناديق التعويضات والتقاعد والتعاضُد، ويُعيد لها قيمتها الفعلية، سواء بالليرة أو بالدولار، لضمان استمرارها في خدمة آلاف العاملين والمُتقاعدين، وللتعويض عمن تقاضوا تعويضات فقدت قيمتها بالكامل خلال الأزمة”.

وأعلنت النقابة أنها “في صدد التنسيق مع باقي نقابات المهن الحُرة، لعقد اجتماع طارئ واتخاذ خُطوات مُوحَّدة للدفاع عن حُقوق المُنتسبين، وتثبيت مبدإ عدم المس بأموالهم وتعويضاتهم”…

​قبلان قبلان​

بالتوازي، سأل عُضو “كتلة التنمية والتحرير”، النائب قبلان قبلان، هل مُعالجة الفجوة المالية من الأُمور الأساسية أم الثانوية؟ فإذا كانت مسألة ثانوية فإنها تفضح النيات تجاه ملايين اللبنانيين الذين ضاعت حقوقهم. وإذا كانت أولوية وطنية أساسية فإن إقرارها في مجلس الوزراء يتطلب الثُلثين.

وإذ أشار إلى مُخالفة للدُستور في هذا الشأن، أكد قبلان أن على المجلس النيابي رفض استقبال المشروع وإعادته إلى الحُكومة من دون إبطاء.

كما وأن الجو المحلي في لُبنان ضد مشروع القانون، لعُيوب وثغرات كثيرة فيه لم تُعالج في النقاشات الوزارية. فالسرعة في انجازه أدت الى التسرُّع، بل وإلى التهوّر.

وأما القوانين النافذة في هذا المجال، والمعمول بها في لُبنان فتُؤكد بالمُخالفات القانونية هذا “التهور”.

​كميل معلوف​

إن المصارف، بصفتها مؤتمنة على أموال المودعين، تتحمل المسؤولية الكاملة والحصرية عن ردّ هذه الودائع من أصولها وأموال مساهميها، من دون أي تحميل للمودع أي خسارة أو اقتطاع.

وفي هذا الإطار، يُذكّر المحامي الدكتور كميل معلوف، في مقالة قانونية له، بأن المادة 307 من قانون التجارة البرية اللبناني، تنص صراحة على أن “المصرف مسؤول تجاه المودع عن ردّ الوديعة عند الطلب”، من دون قيد أو شرط، ومن دون أن يُشترط توفر السيولة أو انتظار خطط إعادة هيكلة أو توزيع خسائر.

كما وأن المادة 123 من قانون النقد والتسليف، تُحمّل المصرف مسؤولية الحفاظ على أموال الغير المودعة لديه، وتمنع استخدام هذه الأموال في عمليات استثمارية محفوفة بالمخاطر، من دون موافقة صريحة من المودع.

وأما المادة 221 من قانون الموجبات والعقود، فتُؤكد أن “العقد شريعة المتعاقدين”، وبالتالي فإن عقد فتح الحساب ووديعة الأموال يُلزم المصرف بردّ المبلغ كاملاً عند الطلب، وأي امتناع عن الدفع يُشكل خرقا فاضحا للعقد، ويُرتب مسؤولية مدنية كاملة.

ويذهب معلوف أبعد من ذلك، فيكشف أن المادة 670 من قانون العقوبات تُجرّم “سوء الأمانة” إذا استُبقيَت الأموال من دون وجه حق.

وبما أن المصارف قد استخدمت أموال المودعين في تمويل الدولة ومصرف لبنان، فهي وحدها من تتحمل نتائج هذا التوظيف، ولا يجوز تحميل المودع تبعات قرارات لم يكن طرفا فيها.

وأما مُساهمو المصارف، فهم قانونا الضامنون الأخيرون، ويجب تحميلهم الخسائر قبل المساس بأي حق للمودع، تطبيقا لمبدأ “تحمُّل الخطر مقابل الربح”.

لا رقم دقيقا للودائع

إضافة إلى كُل المُخالَفات الواردة آنفا… لا رقم دقيقا ونهائيا في القانون المذكور، لقيمة الودائع، تحت المئة ألف دولار. غير أن التقديرات تُشير إلى أن مجموع المبلغ يتراوح بين الـ16 والـ20 مليار دولار، بعد ما احتسب القانون إعطاء كُل المودعين، وفي شكل متساو، المئة ألف دولار الأولى من حساباتهم، على مدى أربع سنوات.

قبل هذا الإحتساب، لا رقم مُحددا لقيمة مُساهمة كُل طرف، أي المصارف ومصرف لُبنان والدولة، والأمر في حاجة إلى المزيد من الدراسات…

تعاميم وصمت ومصالح

إذا كانت المصارف امتنعت عن رد الودائع، فإنها لم تفعل ذلك من فراغ، بل استندت إلى تعاميم صادرة عن مصرف لُبنان، وإلى صمت تشريعي مُريب، وإلى شبكة مصالح مُتشابكة تشمل شركات تأمين، وشركات عقارية، واستثمارات خارجية، كلها مملوكة مباشرة أو عبر واجهات قانونية للمصارف ومجالس إدارتها.

ويوضح معلوف: “هنا، لا بُد من التأكيد أن كُل تعميم أو قرار إداري يصدر خلافا للقانون أو يتجاوز نصا تشريعيا نافذا، هو باطل بُطلانا مُطلقا، وفقا للمادة 60 من قانون أُصول المحاكمات الإدارية، التي تُجيز الطعن بأي قرار إداري مُخالف للقانون أو يتجاوز حد السلطة.

كما وأن المادة 13 من الدُستور اللُبناني تُكرس حق التقاضي كحق مُقدس، لا يجوز تقييده بتعاميم أو إجراءات استثنائية.

وأما المادة 2 من قانون أُصول المُحاكمات المدنية، فتُلزم القاضي بتطبيق القانون ولو لم يطلبه الخصم، ما يعني أن القضاء مُلزَم بالتحرك تلقائيا عند توافر عناصر الجريمة، بخاصة وأن ما ارتكبته المصارف يُشكل جريمة وجاهية مُستمرة، قائمة الأركان، من إساءة أمانة (المادة 670 عقوبات)، إلى الاحتيال (المادة 641)، إلى الإثراء غير المشروع (قانون 154/1999).

كما وأن المادة 18 من قانون العُقوبات الاقتصادية (المرسوم الاشتراعي 73/83) تُجيز مُلاحقة كُل من يُسيء استعمال أموال الغير في المُؤسسات المالية، وتُجيز الحجز على أموالهم ومُصادرتها. وبما أن المصارف تملك أُصولا عقارية وتجارية وشركات تأمين واستثمارات خارجية، فإن هذه الأصول تُشكل الضمانة القانونية الأولى لرد الودائع، ولا يجوز حصر المسؤولية في “السُيولة” أو “الاحتياطي الإلزامي”، لأن الذمة المالية للمصرف تشمل كُل موجوداته، وفقا للمادة 249 من قانون التجارة البرية.

وعليه، فإن أيّ مُحاولة لحماية هذه الأُصول من التنفيذ القضائي تُعد تواطؤا قانونيا، ويجب أن يُقابَل بتحرُك قضائي عاجل، يشمل الحجز الاحتياطي على أُصول المصارف وشركاتها التابعة، ومُلاحقة مجالس إدارتها جزائيا ومدنيا، وتحريك النيابات العامة المالية تلقائيا، استنادا إلى مبدإ “التحرُك العفوي” في الجرائم الاقتصادية ذات الطابع العام.

وبالتالي فإن السُكوت القضائي عن هذه الجريمة هو مُشاركة ضمنية فيها، وإن أي قاض يمتنع عن تطبيق القانون بحجة غياب النص، يُخالف المادة 759 من قانون أُصول المُحاكمات المدنية التي تُلزمه بالحكم وفق المبادئ العامة للعدالة عند غياب النص.

معركة إسقاط القانون

بحسب المعلومات الصحافيّة، فإن القوى السياسية والنيابيّة المُعارضة لمشروع “قانون الفجوة الماليّة”، بدأت تستعد لخوض معركة إسقاط المشروع في مجلس النواب بالتصويت، وهو أمر واقعي، انطلاقا من التوازنات القائمة في مجلس النُواب.

وبحسب ما هو ظاهر إلى الآن: ثمة غياب للشفافيّة على مستوى الحُكومة، في مقابل لعبة سياسية محلية تقليدية يتقنها أفرقاؤها.

فهل الذين صوتوا شعبويا ضد قانون الفجوة الماليّة في مجلس الوزراء، يستعدون الآن لإمرار القانون مُعدّلا في بعض التفاصيل الشكليّة في مجلس النواب؟

أم هل تُصلح القوى المُعارضة الاعوجاج المُميت في القانون المذكور؟

أم أن خيبة أمل جديدة في انتظار الشعب اللُبناني؟.

مصدرالنشرة - رزق الله الحلو
المادة السابقةبين “الإنصاف” و”الاستنزاف”: قانون الفجوة المالية أمام اختبار العدالة وقابلية التطبيق