لطالما شكلت جزيرة قبرص المهرب الرئيسي لرجال الاعمال واصحاب الرساميل اللبنانيين على مدار عشرات السنوات السابقة، إلا أنها باتت اليوم بعد اربع سنوات على الازمة المالية المتنفس الاول للعائلات اللبنانية الباحثة عن استقرار مالي واجتماعي في بلد يبعد دقائق عن لبنان.
على مدار السنوات الاربع السابقة هرب اللبنانيون باموالهم ورساميلهم الى قبرص حيث اقاموا المشاريع واشتروا العقارات واندمج الكثيرون منهم في المجتمع، فاستقروا وعائلاتهم في الجزيرة حتى ان العديد من العائلات ادخلت اولادها مدارس قبرصية.
فالقبارصة يقدّمون التسهيلات للإستثمار والتملك ويتعاملون مع اللبنانيين على أنهم من بين الجنسيات المساهمة في تنشيط الإقتصاد القبرصي، على ما يقول أحد كبار المستثمرين في قبرص رئيس مجلس الاعمال اللبناني القبرصي جورج شهوان.
اللبنانيون في قبرص
انطلاقاً من تجربة شهوان وانخراطه في السوق القبرصي يشرح لـ”المدن” فئات اللبنانيين القادمين الى الجزيرة ويقول: تتنوع فئات اللبنانيين القاصدين قبرص أولها الفئة التي لجأت إلى الجزيرة المتوسطية لتملّك شقة صغيرة للاستثمار من خلال تأجيرها او الاستقرار من خلال تأمين مسكن في بلد آمن قريب من لبنان كخطة بديلة في حال تصاعد الأزمة او وقوع حدث امني في لبنان.
الفئة الثانية هم المستثمرون الذين اشتروا شقة او شقتين لتأجيرهم في قبرص وبالتالي لتحقيق هدفين الأول ادخار أموالهم في عقار آمن والثاني لتأمين مدخول ثابت، لاسيما ان اسعار الشقق في قبرص تقل عن باقي الدول الاوروبية كفرنسا وبريطانيا واسبانيا وغيرها فالأسعار تبدأ من نحو 150 الف دولار او 200 الفاً للشقة الصغيرة لذلك هناك من يستثمر بالشقق.
وتبدو أسعار الشقق في قبرص ملفتة بالمقارنة مع الأسعار في العاصمة بيروت حيث لا تقل اسعار الشقق الصغيرة عن 150 الف دولار على الرغم من الإزدحام والتلوث الذي تعاني منه المدينة واهتراء البنى التحتية.
أما الفئة الثالثة بحسب شهوان فهم اولئك الذين يستثمرون في مشاريع تجارية وزراعية وصناعية وعقارية ومنهم من يشتري أرضاً ويقيم مشروعاً ومنهم من يشتري فنادق ومنتجعات سياحية جاهزة ويشغلها او يبني معملاً لشركته في قبرص. ومن بين كبار المستثمرين حالياً في قبرص شركة قساطلي التي تقيم راهناً معملاً وهناك شركات لبنانية نقلت مكاتبها الرئيسية الى قبرص حيث البنى التحتية متوفرة كالانترنت والكهرباء والأمان والاستقرار مثل شركة موريكس وشركة فتال وغيرها. ولا ننسى انتقال الكثير من شركات تأجير السيارات الى قبرص وشركات اخرى.
ويقدّر شهوان الذي شيّدت شركته 77 مشروعاً في قبرص، بلوغ عدد الشقق التي اشتراها اللبنانيون في الجزيرة منذ 20 عاماً وحتى اليوم بـ 30 الف شقة منها ما يقارب 10 آلاف شقة في السنوات الأربعة الماضية فقط أي بعد الأزمة اللبنانية.
ويبلغ عدد اللبنانيين المستقرين في قبرص حالياً نحو 10 الاف مواطن يتوزعون بحسب الأولوية بين مدن لارنكا وليماسول ونيقوسيا.
عوامل جذب اللبنانيين
من بداية الازمة المالية في لبنان عام 2019 ارتفعت الحركة الاستثمارية للبنانيين في قبرص لأسباب عديدها منها ما تتمتع به الجزيرة المتوسطية من أمان وقرب جغرافي من لبنان ويقول شهوان وهو رئيس مجلس إدارة Plus Properties التي تعد من أكبر شركات التطوير العقاري في قبرص بين كل الجنسيات وليس فقط اللبنانية، أن لقبرص ميزات تنافسية للإستثمار لجهة الضرائب أيضاً “فالضريبة على ارباح الشركات فيها منخفضة كثيراً وتبلغ 12.5 في المئة بالمقارنة مع 40 في المئة في فرنسا والمانيا وغيرها.
ويصف رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى السوق القبرصي بالسوق الجاذب للبنانيين ليس لقرب المسافة فحسب إنما أيضاً لتأمين وجهات آمنة للهروب من لبنان في حال أي طارئ أو ربما للترفيه لاسيما أن تكلفة المعيشة في قبرص مقبولة وتكلفة السفر إليها زهيدة، وهناك أسباب اخرى ايضاً اهمها إخراج اللبنانيين أموالهم من لبنان بعد اندلاع الأزمة المالية.
ويلفت موسى في حديثه إلى “المدن” إلى عامل الإقامة وما يشكّل من عملية جذب للبنانيين الطامحين للإستقرار في قبرص او اليونان. فالإستثمار في قبرص يؤمن الإقامة الدائمة.
وتشير تقديرات قبرصية غير رسمية بأن حجم المبالغ المالية المودعة في المصارف القبرصية والآتية من لبنان أو من دول أخرى الى حسابات لبنانيين تقدّر بمئات ملايين الدولارات، أضف الى أن ترتيب اللبنانيين في قبرص يأتي من بين أول خمس جنسيات مستثمرة إلى جانب البريطانيين والروس.
ومنذ اندلاع الأزمة في لبنان نشطت عمليات شراء العقارات في قبرص بموجب شيكات مصرفية لبنانية أما اليوم فعمليات الشراء تتم بموجب تحويلات مصرفية تعود لأموال أودعت نقداً، وهو ما يضع عوائق جديدة في وجه تملك اللبنانيين في قبرص في الوقت الراهن. وبحسب شهوان فإن المصارف القبرصية تقوم حديثاً بالتشدد بقبول حوالات مالية من حسابات لبنانيين تخوّفاً من تجاوزات على مستوى تبييض الأموال لاسيما بعد ان تحوّل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد “كاش”.
ويلفت شهوان الى مساعي بين مجلس الاعمال اللبناني القبرصي والسفارة اللبنانية في قبرص والجهات المختصة لتدارك الأمر وتسهيل امور اللبنانيين لقبول تحويلاتهم المالية الى الجزيرة.