في المبدأ، تمّ تعليق النقاش في مشروع قانون “الكابيتال كونترول” إلى أجلّ غير مسمى. انتهت المسودات التي تمّ تنقيحها مرة واثنتين وثلاثاً، بوضعها في “الأدراج”. بدا الخلاف السياسي حول مهمة هذا القانون والدور المرجو منه، أكبر من معالجته بواسطة الأخذ والردّ والتعديلات التي ألحقت به في جلسات “العصف القانوني” التي شهدها السراي الحكومي، قبل عرضه على طاولة مجلس الوزراء.
أما البديل، فقد يكون تعاميم صادرة عن حاكم مصرف لبنان تستهدف تنظيم العلاقة بين المصارف والزبائن، حيث يبدو أنّ صيغة “القانون” لم تعد “مستحبة”، وثمة خشية من تحمّل تبعاتها السياسية. ولذا جوبه في اللحظات الأخيرة بالرفض.
يوم الثلثاء الماضي، في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، بدا مشهد النقاشات مختلفاً، حامياً، “زيادة عن اللزوم”. لم يسبق لطاولة حسّان دياب المستطيلة أن شهدته. وكأنّ الوزراء خلعوا عباءات الخجل وانطلقوا في مداخلاتهم. بدا الارتباك مخيماً على سلوك الحكومة في ما خصّ الشأن المالي، ليطيح بلحظة، بكل جدول أعمال جلسة الأمس، مع أنّ عنوانه كان مالياً بامتياز، فتحول الموعد الأسبوعي إلى جلسة نقاش من دون أي قرارات جدية في هذا الشأن.
أما السبب فمشروع “الكابيتال كونترول”، وخلفياته. مما لا شكّ فيه، أنّ التطورات التي شهدتها الأيام الأخيرة من دخول المصارف على خطّ التقديمات والتبرعات المالية لمواجهة تفشي فيروس “كورونا”، ومن ثمّ التسريبات التي طاولت الترشيحات للمواقع المالية الشاغرة وتلك المرشّحة للشغور (نواب حاكم مصرف لبنان، هيئة الرقابة على المصارف، مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية)، حيث بدا أنّ للمصارف الحصّة الكبيرة من الأسماء المرفوعة إلى مجلس الوزراء… هذه التطورات طرحت علامات الاستفهام حول وظيفة مشروع “الكابيتال كونترول”، وقد تحول من قانون ضابط للعلاقة بين المصارف والزبائن، إلى منصة قانونية تحمي المصارف من الملاحقة القانونية.
وما رفع من منسوب الالتباس، مسارعة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الاعلان صراحة، يوم الأحد الماضي، بأنّ مشروع الكابيتال “غير وارد عندي لأنه مخالف للدستور ويسيء للمودعين”.
عملياً، تولى وزير المال غازي وزني مهمة اعداد المسودة الأولى للقانون، بعدما كان التوجه يميل لمصلحة اصدار تعميم من جانب حاكم مصرف لبنان تتمّ تغطيته من وزير المال، وقام برفعها إلى “المطبخ الاستشاري” الذي يساعد رئيس الحكومة في متابعة الملف المالي.
أكثر من عشر جلسات من النقاش شهدها المشروع، بعضها لم يخل أبداً من الحدية في التعاطي، قبل وضعه بالصيغة النهائية وتدعيمه بالتعديلات التي تجيب على المواصفات الثلاث المطلوب من القانون احترامها: أولاً حماية المودعين، ثانياً تنظيم العلاقة بين المصارف والزبائن، ثالثاً الحؤول دون انهيار القطاع المصرفي. اذ كان موقف رئيس الحكومة واضحاً وصريحاً في هذا الشأن لجهة الحرص على وضع نسخة تحاكي المعايير الواردة أعلاه. من دونها لن يخرج المشروع إلى الضوء.
وحين بدا أنّ المشروع اقترب من حافة الاستجابة لهذه المتطلبات جرى توزيعه على كل الوزراء لوضع ملاحظاتهم عليه، بمن فيهم الوزراء المحسوبون على الثنائي الشيعي.
ولذا تفاجأ رئيس الحكومة يوم الأحد الماضي بموقف الرئيس بري الرافض للمشروع، مع أنّ الوزير الذي تقدم به هو وزير المال الذي سبق أن أكد قبل ساعات قليلة عبر اطلالة اعلامية، أنّه حريص على التنسيق بالشاردة والواردة في الشأن المالي مع رئيس المجلس.
وبينما كان يتمّ تبويب الملاحظات لإلحاقها بالمشروع، حصل تطوران متناقضان، فرملا المشروع:
أولاً، وقبيل اجتماع اللجنة المكلفة دراسة الاقتراح في السراي، قصد وزير المال رئيس الحكومة وأبلغه رسمياً أن الثنائي الشيعي يسحبان يديهما من المشروع وأنهما يرفضانه جملة وتفصيلاً.
ثانياً، وقبيل انعقاد مجلس الوزراء يوم الثلثاء، تقدم الوزيران عماد حب الله ورمزي مشرفية بمشروع جديد بشكل بدا وكأنهما غير مطلعين أبداً على حقيقة موقف بري و”حزب الله”.
هكذا انعقدت جلسة مجلس الوزراء يوم الثلثاء فيما كان القرار متخذاً بتجميد المشروع. ولهذا بادر وزير المال الى الإشارة الى أن التعديلات التي ألحقت بالمشروع تجعله غير قابل للتنفيذ وطلب سحبه من جديد، فرد عليه رئيس الحكومة: لو أعيد المشروع الى صيغته الأولى هل تبقيه قيد التداول؟ طبعاً لم يكن الجواب سلبياً.
وزير المال لا يتردد في الإشارة، وفق المطلعين على موقفه، إلى أنّ المشروع الذي رفِع إلى مجلس الوزراء لا يشبه النسخة التي اشتغل عليها بعد الاطلاع على سلسلة تجارب خاضتها دول في ظروف مماثلة، وقام “بلبننة” تلك الأفكار لتكون مناسبة للوضع اللبناني، ولذا هو مقتنع بالصيغة الأولى التي قدمها قبل تعريضها لتعديلات موسعة. أما بالنسبة للترشيحات للمواقع المالية، فيكتفون بالتأكيد أنه في حوزة وزير المال عشرات السير الذاتية، مشيرين إلى أنّه يتعرض لحملة سياسية تستهدفه ولذا تمّ التصويب على أسماء محددة لا أكثر.