يواجه قطاع “الفرنشايز” على صعيد العالم، تحديات كثيرة في ظل التراجع الاقتصادي المترتب على جائحة “كورونا”. أما في لبنان الذي يعيش أزمة خانقة “متشعبة الجوانب”، أسهمت في انهيار العملة الوطنية، وغلاء المعيشة، وتدني القدرة الشرائية، فيعاني قطاع التجزئة والتجار بشكل عام، كبقية القطاعات، من مشاكل جمّة، بسبب سلسلة الضغوط التي تعرض لها، وأدّت الى تراجع مداخيله، وانخفاض حركة مبيعاته الى حد كبير.
اذ يرزح قطاع تجارة التجزئة، الذي يعدّ من أهم دعائم التنمية الاقتصادية في لبنان وأكثر القطاعات قدرة على خلق فرص عمل للشباب، تحت وطأة التراجع الحاصل على الساحة الداخلية، منذ سنوات. وتفاقمت معاناته أكثر فأكثر مع إنهيار العملة الوطنية وتضاؤل حجم الاقتصاد اللبناني وأزمة “كورونا”، فكان عام 2020 الأسوأ!
فقد بلغ انسحاب الشركات العالمية من السوق اللبناني مستويات خطيرة، مع إعلان مجموعة كبيرة من أشهر العلامات التجارية، إقفال فروعها في لبنان. كما قامت بعض المحال التجارية التي تسوق لماركات أجنبية شهيرة، بتصفية البضائع، وعرضها بأسعار مخفضة جداً، في حين فضل القسم الآخر، تقليص عدد الفروع، وإقفالها مؤقتاً، حتى اتّضاح الصورة أكثر. ومن هنا، فإن “الأزمة النقدية اللبنانية المتشعبة”، دفعت بالعديد من الشركات الأجنبية إلى إعادة وحساباتها، وتموضعها في السوق المحلي.
فكيف كانت حصيلة 2020؟ ماذا الذي ينتظر قطاع التجزئة و”الفرانشايز” في 2021؟ وهل سيتأثر بقرار رفع الدعم؟
تساؤلات كثيرة أجاب عليها رئيس جمعية تراخيص الامتياز (الفرانشايز)، يحيى قصعة، في مقابلة خاصة مع موقع “الاقتصاد”:
– ما هي حصيلة عام 2020 بالنسبة الى قطاع التجزئة و”الفرانشايز”؟ كيف تلخّص وضعه خلال هذه السنة؟
لقد مرت سنة صعبة للغاية على لبنان، لكن مشكلتنا الداخلية مقسمة الى شقين:
أولا، شق عالمي متعلق بجائحة “كوفيد-19″، التي بدّلت المفاهيم، وأدت الى تغيرات كثيرة في طرق عمل التجزئة و”الفرانشايز” في قطاعات مختلفة.
وثانيا، شق لبنان داخلي يتمثل في أبعاد مختلفة تماما، بسبب الأزمة المالية السياسية الاقتصادية التي نعاني منها.
وبالتالي فإن 2020 يعتبر من السنوات الأصعب على قطاع “الفرانشايز”، والمشكلة تكمن في انعدام الرؤية حول العام المقبل. فنحن نعلم أننا لم نصل بعد الى القعر والحضيض، وهذا ما يجعلنا متخوفين للغاية من المستقبل.
ولكن يجب أن لا نفقد الروح الإيجابية، وعلينا أن نحاول تخطي ما يحصل.
– ماذا ينتظر القطاع خلال الأشهر القادمة، في ظل الضبابية التي تخيم على التوقعات لعام 2021؟
التوقعات المحلية ضبابية جدا. ولكن على صعيد العالم، هناك بوادر إيجابية ومطمئنة حول جائحة “كورونا”، بعد طرح اللقاحات وبدء حملات التقليح في عدد من البلدان. وقد توقع الاتحاد العالمي لـ”الفرانشايز”، أن نعود الى الظروف الطبيعية في نهاية الربع الثاني وبداية الربع الثالث من عام 2021.
أما في لبنان، فنحن للأسف لا نشهد على أي مبادرة أو رؤية إيجابية، تدل على أننا سنعاود نشاطنا الاعتياد، مثل بقية دول العالم. وبالتالي، فإن تحدياتنا مختلفة، وبعد أن ننتهي من أزمة “كورونا”، سنستمر بمواجهة المشاكل المالية والاقتصادية، الصعبة والمعقدة.
– هل سنشهد في المرحلة المقبلة على مغادرة المزيد من الماركات العالمية للأسواق اللبنانية؟
اللبناني إيجابي بطبعه، فصحيح أننا خسرنا بعض الماركات، لكننا شهدنا في الوقت ذاته، على عودة بعضها الآخر الى لبنان.
فعلى سبيل المثال، تسبب انسحاب شركة “أديداس” من لبنان، ببلبلة كبيرة، ولكن فعليا، تفاوض معها مؤخرا شخص تابع لمجموعة لبنانية، واتفقا مبدئيا على أسس العودة.
“الجنون” اللبناني في المثابرة والمحاولة والاستثمار، مستمر، لكن المشكلة أننا نفتقد لأي قرار أو مبادرة رسمية من قبل السياسيين، تهدف الى إعادة هذه الماركات الى الأسواق اللبنانية، أو حتى تشجيعها على اتخاذ قرار العودة.
– وصفت العديد من القطاعات الإنتاجية عام 2020 بـ”الأسوأ على الإطلاق”. هل ينطبق ذلك أيضا على قطاع التجزئة؟
عام 2020 هو أسوأ عام مر على لبنان منذ 2012، بالنسبة الى قطاع “الفرانشايز”. حيث كانت هذه السنة كارثية من النواحي كافة.
فكل معاملة تجارية في مجال التجزئة، تحتاج بالعادة الى “نظام دفع” معين، يحدد كيفية الدفع من أجل الحصول على بضائع معينة، لتنتهي بعد ذلك المعاملة بكل بساطة. ولكن في لبنان، نفتقد في الوقت الحاضر الى هذا النظام، حيث أن دورته باتت مبعثرة وغير منظمة؛ اذ يدخل الشخص الى المتجر، ومن ثم يبدأ بالمفاوضة حول طريقة الدفع (نقدا، شيك، بطاقة ائتمانية)، وبحسب أي سعر صرف سيدفع (الدولار، اللولار، الليرة، “البيرة”،…).
لقد فقدنا للأسف القاعدة الأساسية لأي معاملة تجارية، أكان في قطاع “الفرانشايز” أم في أي قطاع آخر. وبالتالي، لن نشهد على أي بوادر تدل على البدء برحلة رجوع الماركات والشركات العالمية، الا من خلال استرجاع هذه القاعدة الأساسية الموجودة في كل بلدان العالم.
– بالأرقام، الى أي مدى تضرر قطاع التجزئة في عام 2020؟
شهدنا على “شبه نهاية” قطاعات عدة. فعندما يتبقى من حجم قطاع معين نسبة 20% فقط، خلال ثماني سنوات، أي منذ عام 2012 وحتى عام 2020، فهذا لا يدل على أنه يعاني فحسب، بل يظهر جليا أنه يقبع في أزمة لا مثيل لها.
فمنذ عام 2012 حتى 2019، خسر قطاع الموضة والألبسة 55% من حجمه. وفي 2020، خسر السوق 60%، وبالتالي تبقى نحو 20% فقط من حجم أعماله.
التحديات كثيرة، فمن كان يبيع بـ100 دولار في 2012، بات يبيع بـ20 دولار في 2020، إضافة طبعا الى تكاليف التشغيل، التي تكون مرتفعة بالعادة في قطاع “الفرانشايز” (أنظمة، موظفين، مكتب إداري، جولات تدريبية،…).
أما قطاع المطاعم، فهو في المركز الثاني بعد الموضة والأزياء، بالنسبة الى المعاناة. ومن هنا، لا بد من القول أن النتائج كارثية ودراماتيكية، حيث جاءت جائحة “كوفيد-19” لتغير مفهوم المطعم بشكل كامل، وباتت المطاعم تفتح أبوابها بقدرة استيعابية 50% فقط، لأسباب صحية، ما أدى الى تراجع الحركة والمداخيل والمردود، خاصة لأن هذه المؤسسات تبيع بالليرة اللبنانية التي تدنت قيمتها بنسب قياسية.
وبالنسبة الى عدد كبير من المطاعم التي دفعت مئات آلاف الدولارات، وأحيانا الملايين، على الديكور، فهي لم تعد قادرة على تحصيل عائدات استثماراتها (return on investment).
– الى أي مدى سيتأثر قطاع التجزئة بقرار رفع الدعم؟
رفع الدعم هو سيف ذو حدين. وأعتقد شخصيا أن الدعم هو سياسة خاطئة للغاية، وغير مناسبة لبلد مثل لبنان، الذي اشتهر وتميز في المنطقة، بنظامه الاقتصادي الليبرالي الحر.
من ناحية أخرى، فإن رفع الدعم اليوم سيؤدي بنا الى كارثة كبيرة. واذا اتخذ هذا القرار، سنواجه مصيبة متعلقة بالأمن الاجتماعي للبنانيين. فالمواطن الذي يقبض راتبه على الـ1500 ليرة، سوف يضطر الى شراء كل احتياجاته على سعر الـ8000 ليرة أو أكثر.
وهنا الخوف موجود من عدم قدرة البنية في لبنان، على تحمل هذا النوع من القرارات. وبالتالي، أعتقد أن المسؤولين السياسيين يعون خطورة هذا الأمر وأهميته، ولهذا السبب، نشهد على بعض المماطلة قبل اتخاذ القرار النهائي. ولكن للأسف، أعتقد أن الهيكل اللبناني بأكمله، بات اليوم مهددا بالخطر…