فجأة ومن دون أي اشعار، استفاقت “الدولة” على سياسة “العصر والتقشف” انقاذاً للخزينة العامة.. الدولة نفسها التي تفتح مزاريب الهدر والفساد على مصراعيها لمؤسسات ومشاريع بالجملة تكلفنا “ما فتح ورزق”، لا تستطيع أن توحد قرارها وتبدأ جديا بسياسة “عصر النفقات” وحتى لو كانت الانطلاقة من بعض التقديمات السخية الى جمعيات وجدت في الاساس للمنفعة الحزبية والطائفية لبعض القوى التي أنتجتها الحرب الاهلية وباتت أمرا واقعا علينا التأقلم معه.
يؤكد مصدر وزاري أن كلام الوزير جبران باسيل كان الاقرب الى الواقع ولم يكن الرجل “يناور” في مسألة تخفيض الرواتب للموظفين من الدرجة الرابعة وصعودا الى المدراء العامين، وهذا الموقف جاء بعد اجتماعات مكثفة عقدت في بيت الوسط مع الرئيس سعد الحريري وبحضور الوزير علي حسن خليل والحاج وفيق صفا.
أراد باسيل بحسب المصدر أن يقول للرأي العام “اللهم اشهد أني بلغت”، ليضع قاعدته الشعبية أولا في صورة ما يحصل والمسار الذي ستسلكه الموازنة الجديدة، ويرمي في المقابل “قنبلته الصوتية” ليصل صداها الى أروقة الاطراف، ويجس نبضها في حال حصل أي شيء طارئ.
تحرك الشارع رفضا للخطوة، سارع باسيل عبر مستشار التيار الاقتصادي الى “تجميل” التصريح والقول ان المستهدف من الكلام هم الموظفون الذين ينالون رواتب عالية ومن الفئة الاولى. لكن دراسة وزارة المال تُبين أن الحسم من رواتب هؤلاء لا يكفي بل ما نحتاجه شمولية في الهيكلية الوظيفية للإدارة العامة، وبالتالي فان الافكار التي كانت تناقش في بيت الوسط كانت “الحسم الشامل” للموظفين اضافة الى السلك العسكري الذي حُسمت التخفيضات التي ستطاله ويجري اخراج الاتفاق بطريقة لا تثير نقمة في الشارع، من هنا جاء ارجاء جلسة مجلس الوزراء هذا الاسبوع لدراسة الارقام وجدولتها لان الموازنة بلا حسومات فعلية لن تمر امام الدول الراعية لمؤتمر سيدر.
في المقابل ووسط الضغوط الدولية على الداخل يؤكد النائب فادي علامة أن الاجراءات أكثر من ضرورية لتحقيق الاصلاحات المطلوبة من “سيدر”، رغم أنّ انتفاضة الشارع ليست في مكانها مشددا في حديثه لـ “ليبانون ديبايت” أنّ ايّ قرار جدّي لم يتخذ بعد، والموازنة لم تقر من قبل الحكومة ولم تحوّل بعد الى المجلس النيابي ولجنة المال لدراستها”.
علامة الذي وصف التصريحات “التي تخرج من هنا وهناك بالعشوائية”، كشف أنّ الجميع بات مدركا بأنّ الموازنة ستكون “تقشفية”، وذلك بهدف ترشيد الهدر والانفاق المطلوبين في “سيدر”.
وعن الموازنة أيضا، قال علامة “انّ المطلوب التعمق بدراستها منعاً لأي دعسة ناقصة”، لافنا الى ان أي خطوة لا توحي بالجدية وتعكس الاصلاحات الجذرية سترتد سلبا على لبنان، مشيرا الى أنّ التأخير وتحقيق الهدف أفضل من الاسراع و”تطيير” سيدر.
نائب كتلة التنمية والتحرير يدعو الى التركيز على مزاريب الهدر واقفالها قبل المس بأبسط حقوق المواطنين، كاشفا عن لوائح أُعدت من قبل الأطراف السياسية تكشف الهدر وتطرح الاصلاحات.
لا بد أن المرحلة المقبلة صعبة بقدر القرارات الواجب على السلطة السياسية اتخاذها، للبدء جديا بورشة الاصلاحات البنيوية التي يمكن أن تبعد لبنان عن الانهيار الذي باتت الكتل مقتنعة به وترفض مصالحة الرأي العام.