كابوس سياسي اقتصادي: لبنان يخسر ثقة الدول الخليجية

يتخبط لبنان منذ سنوات بمشكلاته الكثيرة. فالتناقضات السياسية الحادة كفيلة بتفجير الوضع في أي وقت، وخير دليلٍ على ذلك أزمة قبرشمون، التي كادت تهدد بانفراط عقد الحكومة. وتسببت بتأجيل معالجة ملفات ملحة أهمها إقرار ميزانية العام 2019. كل هذا يحدث مع أوضاع اقتصادية صعبة، تنهال التقارير الدولية في التحذير منها، وما يزيد الطين بلة، تآكل ثقة الدول التي دعمت لبنان بعد الحرب الأهلية.

انقلاب الصورة
عندما كان لبنان يتأرجح على حافة الهاوية المالية في التسعينيات، استقل رئيس الوزراء آنذاك، رفيق الحريري، طائرته الخاصة من طراز بوينغ، وتوجه إلى الرياض طالباً المساعدة، ليأتي الرد بترتيب المملكة العربية السعودية المساعدة الطارئة، لمعالجة الضغوط الاقتصادية التي مر بها لبنان.

انقلبت الصورة اليوم في الخليج بشكل دراماتيكي. وتعكس هذه النظرة السلبية للبنان مجلة “ذا ناشيونال” الإماراتية، الناطقة بالإنكليزية، التي ترى أن بيروت تواجه حالياً ضغوطاً مالية عميقة، لكن صمام الأمان الذي كان موجوداً في البلد قد رحل. فقد حظي رفيق الحريري بمكانة أكبر وثقة عميقة في الرياض والإمارات العربية المتحدة، لكن الوضع اليوم مختلف تماماً مع رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري.

قلق السعودية والإمارات
استخدم حزب الله في السنوات الأخيرة، حسب المجلة، مكانته بشكل متزايد باعتباره اللاعب المسلح الأكثر أهمية في لبنان، لتقويض الاستقرار الإقليمي، والتدخل في سوريا وتحدي الدول في أماكن أخرى من الشرق الأوسط. وهو يعرض لبنان لخطر فقدان المساعدة الإقليمية خلال الأزمات. إذ تنقل المجلة عن مصادر معنية بالجهود الدولية لدعم لبنان اقتصادياً، بأن بعض الدول، ولا سيما السعودية والإمارات، مترددة في المساعدة الآن، فهي تشعر بالقلق من أن أموالها قد ينتهي بها الأمر في أيدي حزب الله.

تعهد مؤتمر “سيدر” للمانحين في عام 2018 بمبلغ 11 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد اللبناني. وكانت التعهدات في تمويل تأهيل بنية تحتية ومشاريع أخرى، مشروطة بالإصلاحات التي يعتبرها بعض الممولين شبه مستحيل تنفيذها في ظل النظام السياسي المختل وظيفياً في لبنان. وقد وعدت السعودية بتقديم مليار دولار منها. ولكن بما أن التعهدات قد لا تُدفع من دون إصلاحات، من المحتمل، وفق المجلة، أن تكون تقديمات المملكة أقل من المُعلن.

نفاذ صبر واستياء فرنسي
يوجد في لبنان، حسب المجلة، فريق مخضرم لدى البنك المركزي واحتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية ، لكن الدين العام ارتفع إلى 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسط ضعف تدفقات رأس المال وتباطؤ نمو الودائع المصرفية في لبنان. حتى أن فرنسا، الدولة الداعمة بقوة لسعد الحريري، لم تخفِ خيبة أملها من الفساد والتشرذم في لبنان. الأمر الذي سيجعل صناع القرار في مجلس التعاون الخليجي أقل استعداداً للانخراط في المساعدة.

وتنقل المجلة في الختام، الاستياء الفرنسي الذي عبر عنه جاك دي لاجوجي، المسؤول عن الشؤون الاقتصادية في السفارة الفرنسية في بيروت، بقوله لصحيفة “لوريان لو جور” بأن الجهات المانحة من جميع الجهات أصبحت أقل صبراً وأن لبنان لم يعد يتمتع برفاهية الوقت.

صفقة القرن
وعن صفقة القرن وانعكاساتها على لبنان، عرض موقع “مونيتور” الأميركي أسباب رفض لبنان للصفقة، مشيراً بأن المسؤولين الحكوميين يؤكدون أن الصفقة تتجاهل عدة عوامل أساسية، تتعلق بالسياسة الداخلية في لبنان، وتفشل في النظر في علاقتها بالمنطقة المحيطة بها. بالإضافة إلى ذلك فهي لا تقدم تنازلات كافية في مقابل التغييرات الديموغرافية المكلفة، التي يخشى السياسيون منها.

سيتلقى لبنان بموجب الصفقة  6 مليارات دولار، وهو أقل مبلغ مقارنةً مع ما ستحصل عليه الدول الأخرى، وبموجب هذه الخطة يتم ربط لبنان بغزة والضفة الغربية وأجزاء أخرى من المنطقة، ويُزعم أنها ستعزّز البنية التحتية والمواصلات والتجارة وقطاع السياحة في لبنان. ومع ذلك، أعرب القادة اللبنانيون عن مخاوفهم من أن صفقة جاريد كوشنر ستلزم لبنان بتجنيس 450 ألف لاجئ فلسطيني- وهو أمر أشار إليه كوشنر نفسه خلال مؤتمر في 3 تموز الجاري مع وسائل الإعلام العربية ولاقى امتعاضاً كبيراً في المخيمات الفلسطينية الموجودة في لبنان.

ديون جديدة؟!
يبدو واضحاً، كما يرى الموقع الأميركي، أن الحوافز النقدية التي عرضها كوشنر وترامب لم تكن كافية حتى الآن لتهدئة مثل هذه المخاوف في لبنان. ووفقاً لتفاصيل الخطة، فمن بين ستة مليارات دولار سيحصل عليها لبنان كجزء من صفقة كوشنر، سيأتي أكثر من 4.6 مليار دولار على شكل قروض، في حين أن 1.25 مليار دولار أخرى ستأتي من القطاع الخاص. هذا يعني أن الصفقة ستزيد ديون لبنان المتضخمة، كما أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال سيأتي من مجتمع الأعمال في العالم العربي، وليس من الولايات المتحدة نفسها. بالإضافة إلى ذلك، من بين 179 مشروعاً تمولها التنمية الاقتصادية في الصفقة، سيكون هناك خمسة مشاريع فقط في لبنان.

وتعليقاً على حاجة لبنان لهذه الخطة، قال سامي نادر، مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، للموقع، أن خطة كوشنر تبدو زائدة عن الحاجة لأن مؤتمر “سيدر” يتضمن استثمارات في البنية التحتية وحوافز ضمنية لمساعدة لبنان على تحمل سكانه اللاجئين، كون “سيدر” ذات صلة بشكل أساسي بالتأثير الاقتصادي للاجئين السوريين البالغ عددهم 1.5 مليون لاجئ. وعلى عكس الخطة الأميركية، ستصل قروض “سيدر” بسرعة أكبر، ولن تتطلب من لبنان أن يقدم تضحيات ديموغرافية وجيوسياسية.

بواسطةسامي خليفة
مصدرالمدن
المادة السابقةكيف تتعامل مع زميلك اللئيم في الشركة؟
المقالة القادمة6 أغذية تسرع ظهور “حب الشباب”.. انتبهوا منها!