غالباً ما كان المودعون الكبار «ضميراً مستتراً» تقديره «هم» حين يجري الحديث عن حقوق المودعين منذ بداية الأزمة المالية والنقدية في تشرين الأول 2019، إذ لم نرَ وجوههم في الإعلام والمنابر المطالبة باستعادة الحقوق. لم يهاجموا مصرفاً أو يشتموا سياسيّاً على غرار ما يفعل صغار المودعين. هم عبارة عن «أشباح» يذكرهم المدافعون عن حقوق المودعين من جمعيات أو مواطنين عاديين أو سياسيين ومحللين اقتصاديين. ويتّهم قسم منهم بأنهم شركاء المنظومة السياسية التي تسبّبت في الانهيار، وبأنّ بعضهم عمد الى تهريب أمواله الى الخارج بالتواطؤ مع المنظومة وعلى حساب باقي المودعين، علماً أن الأرقام تشير الى أنهم يملكون أكثر من ثلث الودائع في المصارف اللبنانية والتي يقدّر الباقي منها حالياً (دفترياً) 92 ملياراً. عدد قليل جداً جداً منهم ممّن يحمل جنسيات أجنبية لجأ الى القضاء الأوروبي لاسترداد حقوقه من المصارف اللبنانية. وقسم آخر لجأ الى القضاء اللبناني فلم يحصد إلّا تواطؤ القضاة مع المصارف على حقوقه.
وقبل الذهاب بعيداً في التحليل، يجدر التنويه بأن بين كبار المودعين من هم أصحاب كفّ نظيف وجنوا ثرواتهم بأعمال مشروعة في الداخل والخارج، ولهؤلاء كل الحق في المطالبة بحقوقهم كاملة.
عددهم وما يملكون
ويذكر عن كبار المودعين كما في حزيران الماضي ما يلي:
– هناك 10790 حساباً في الواحد منها بين مليون و10 ملايين دولار (1% من إجمالي حسابات الودائع) فيها 24.4 مليار دولار تشكل 26% من إجمالي الودائع.
– وهناك 443 حساباً في الواحد منها أكثر من 10 ملايين دولار (0.03% من إجمالي الحسابات) فيها 10.2 مليارات دولار تشكّل11% من إجمالي الودائع.
– أي أن 11233 حساباً مصرفياً (1.03% من إجمالي الحسابات) فيها 34.6 مليار دولار تشكل 37% من إجمالي الودائع.
كبار المودعين لا يشبهون بعضهم البعض
مصادر تؤكد أن بين كبار المودعين من هو شريك للمنظومة السياسية و»بدو السترة»، لذلك لا يحرك ساكناً بل ينسّق مع رعاته من الطبقة السياسية والمصرفية من تحت الطاولة إما لتهريب أمواله الى الخارج أو لضمان عدم فضح مصدر أمواله. مع الإشارة الى أن حركة بعض النواب لتخصيص أصول الدولة أو الإيرادات منها لردّ الودائع ليست بعيدة عن تواطؤ ما مع بعض كبار المودعين. فبالنسبة والتناسب، إذا أقرّ صندوق ردّ الودائع مرتبطاً بأصول الدولة، سيحصل كبار المودعين على حصة الأسد. الى ذلك، يذكر أن بين كبار المودعين من تراكمت ثروته بفعل الفوائد الباهظة التي تقاضاها، وهناك من هرّب أمواله من الخارج ليودعها في لبنان هرباً من الضرائب حيث يقيم في الاغتراب، وهناك عدد لا بأس به من الودائع الكبيرة تعود لمن في الداخل ولا يستطيعون تبرير مصادر ثرواتهم التي حصلوا عليها من وظيفة عامة أو من صفقات معينة لا سيما مع الدولة.
ويذكر أن قسماً من كبار المودعين جنى أمواله من أعماله النظيفة وتمّ استدراجه من قبل أصحاب المصارف لوضعها في المصارف مقابل فوائد عالية. وفي عالم المال، عندما نحصل على عوائد مرتفعة يفترض معرفة أن هناك مخاطر، وأن للمخاطر ثمناً بطبيعة الحال. لكن السؤال الذي يطرح هنا، لماذا لم يتحرّك المودعون الكبار (أصحاب الأموال المشروعة) للضغط ومحاولة استعادة ودائعهم على غرار ما يحصل مع مودعين صغار؟
رياشي: ليسوا أغبياء… يعرفون أن رد الودائع شبه مستحيل
من وجهة نظر المصرفيين، يشير رئيس مجلس إدارة I&C Bank، جان رياشي لـ»نداء الوطن» أن «المودعين بشكل عام لم يتحركوا بشكل كبير ربما لأنهم فقدوا الأمل ويرون أن إعادة الودائع شبه مستحيلة»، موضحاً أن «المودعين الكبار المقيمين في الخارج، ويحملون جنسيات أجنبية، رفعوا دعاوى على المصرف الذي توجد فيه وديعتهم وربحوا الدعوى ووصلوا الى نتيجة، في حين أن المودعين الكبار الذين رفعوا دعاوى على المصارف في لبنان لم يصلوا الى نتيجة، هؤلاء لن يهاجموا المصارف بالقنابل والرشاشات مثلاً».
يضيف: «من أعرفه من المودعين الكبار يعلمون أن الوضع صعب جداً وأن إمكانية استرجاع ودائعهم ليست كبيرة جداً وهم ليسوا أغبياء. هناك كلام شعبوي أن الودائع ستعود الى أصحابها، لكن رأيي الشخصي بأن على المودعين عدم تصديق هذا الكلام»، سائلاً «من هي الجهة التي ستعوّض على المودعين؟ هناك 90 مليار دولار ودائع. والخطط التي توضع هي لإعادة ودائع لحدود 100 ألف دولار، أي أن الودائع التي ستستعاد قيمتها 22 مليار دولار مع احتساب الودائع غير المؤهلة، وحتى هذا الرقم ليس هناك ضمانات بالالتزام به، لأن الأمر سيكون على عاتق المصارف وهي تعلن أنها لا تملك المال لردّها».
ويختم: «هناك خطة للحكومة وصندوق لإعادة الودائع أتمنى أن يعود ذلك بالفائدة. ولكن الأكيد انه لن يتم إعادة إلا قسمٍ من هذه الودائع. وأعتقد أن المودع الكبير يعرف هذه الحقيقة وليس غبياً».
فرعون: مغتربون وكبار سن يأملون في تحقيق العدالة
يوضح ممثل المودعين ريشار فرعون لـ»نداء الوطن» أن «هناك قسماً كبيراً من كبار المودعين خارج لبنان، وهو على تواصل مع عدد كبير منهم كونهم غير قادرين على المجيء الى لبنان. فبعد «سرقة أموالهم» من قبل المصارف اللبنانية يحاولون ترتيب أوضاعهم المعيشية مجدداً والعودة الى العمل لتأمين عيشة كريمة لهم ولأقربائهم، وهناك قسم منهم (من كبار السن) عاد الى العمل مجدداً لأن لا خيار لهم سوى ذلك بعد احتجاز ودائعهم».
يلفت فرعون الى أن «هناك قسماً من كبار المودعين لا يزالون في لبنان ويأملون أن تأخذ العدالة مجراها بالرغم من كل ما يحصل، فهؤلاء الأشخاص عملوا لعقود طويلة وجمعوا أموالهم بعرق جبينهم»، مستدركاً أنه «لا يتكلم عن كبار المودعين الذين جمعوا أموالهم بطريقة غير شرعية (تبييض واختلاس…). وهؤلاء لا يعنيني أمرهم ولا أتواصل معهم، وهناك مودعون كبار يؤمنون بالعدالة وأن من تعب بتحصيل أمواله يجب أن يحصل عليها مجدداً وهؤلاء على اتّصال معي للمساعدة».
ويقول: «حالياً الوضع مجمّد بسبب الأحداث السياسية والأمنية الحاصلة وفي ظل الوضع العجيب للبنان. للأسف لا أحد يقف الى جانب المودعين سواء سياسيين أم قوى أمنية أم القضاء، فهناك قسم كبير من المحامين يقبضون معاشاتهم من المصارف ولا يريدون رفع الصوت ضدهم». ويؤكد فرعون أن «جميع المودعين (الكبار منهم والصغار) يشعرون باليأس كما هو حال كل اللبنانيين، لكن لن يتنازلوا عن حقهم خصوصاً أنهم متروكون لمصيرهم. والجميع يقف ضدهم وليس هناك قضاء أو دولة مؤسسات تضمن حقوقهم».
ويختم: «اليأس هو بسبب المنظومة السياسية والمصرفية والقضائية والدينية التي تقف ضدنا وكأننا المجرمون، علماً أن أموال المودعين هي التي أبقت الدولة على قيد الحياة طوال 40 عاماً ومن حقهم التعويض عليهم».
مغنية: جزء كبير منهم جنى ثروات بطرق غير مشروعة
من جهته يشرح رئيس جمعية المودعين حسن مغنية لـ»نداء الوطن» أن «كبار المودعين يملكون نسبة كبيرة من الودائع. لكنهم كأشخاص عددهم قليل مقارنة بأعداد صغار المودعين (نحو 20 ألف مودع بحسب إحصاء صدر في بداية الأزمة يملكون مليون دولار وما فوق). ولا شك أن هذا العدد انخفض نتيجة التطوّرات التي حصلت كبيع الوديعة أو تهريبها»، مشدداً على أن «جزءاً كبيراً من كبار المودعين هم أشخاص جنوا ثرواتهم عبر سمسرات وطرق غير شرعية وتبييض أموال، ولا يمكنهم الكشف عن حجم أموالهم وهم «مرعوبون» من فكرة رفع السرية المصرفية عن حساباتهم خوفاً من انكشاف أمرهم».
يضيف: «لدي معلومات مفادها أنه حين تم طرح رفع السرية المصرفية، هناك عدد من كبار المودعين فاوضوا مصرف لبنان لشطب وديعتهم كي لا ينكشف أمرهم، ويقال لهم «من أين لكم هذا». وهذه الفئة هي جزء من المنظومة السياسية الحاكمة». مشدداً على أن «هناك جزءاً من كبار المودعين جنوا أموالهم بعرق جبينهم وقسم كبير منهم من المغتربين ويتفاوضون مع المصارف ولكنهم لا يرفعون الصوت حالياً، لأن المصرفيين يبتزّونهم، بأنهم إذا اعترضوا فسيحصلون على وديعتهم عبر شيك مصرفي لا يمكن صرفه ويوضع لدى كاتب عدل. ولذلك فالأغلبية لا ترفع الصوت، ومن يعترض هم صغار المودعين فقط».