بعدما كشف مشروع موازنة 2024 الكمّ الهائل من الرسوم المستحدثة على المواطن والارتفاع العشوائي والجنوني لنسب الضرائب الواردة في متنها، ظهرت في خلال مناقشة الاعتمادات المرصودة لموازنات الإدارات العامة الارقام الفضفاضة في بند الكهرباء، والتي تتخطّى بأشواط قيمتها الفعلية. ما يجعل الموازنة مجدداً امام امتحان الأرقام، بحيث انّها تكارمت على نفسها بالصرف في مقابل شدّ الخناق على المواطن بأعباء ومتوجبات لن يقوى على تحمّلها.
شارفت لجنة المال والموازنة على الانتهاء من درس مشروع قانون موازنة 2024، بعدما انهت مناقشة الفصلين الاول والثاني، وأنهت البحث في الرسوم والضرائب الواردة في الفصل الثالث، لتباشر بدرس اعتمادات وموازنات بعض الوزارات والإدارات العامة. ورغم الفضائح التي تكشفت في هذا السياق، يبقى السؤال، إلى اي مدى ستنجح لجنة المال والموازنة في إيصال التعديلات الاصلاحية التي ادخلتها على مشروع الموازنة، أكان في الشق الضرائبي او الرسوم المستحدثة او الاموال المرصودة للكهرباء، إلى مصفاها الأخير اي الهيئة العامة؟ وكيف ستحلّ الحكومة مسألة العجز بعد إسقاط لجنة المال العديد من البنود التي كان يفترض ان تؤمّن مدخولاً للخزينة؟
في السياق، قال رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ»الجمهورية»، إنّ العجز المقدّر في مشروع الحكومة بـ 17,1 ترليون ليرة، هو نظري أو دفتري، لأنّه يرتبط بالواقع الإقتصادي وبإمكانية تحصيل الإيرادات من الضرائب والرسوم المقدّرة في مشروع الحكومة من المواطنين أفراداً ومؤسسات، كما بقدرة الإقتصاد اللبناني على الانتاج في ظلّ إستمرار الإنهيار السياسي والمالي والنقدي، فكيف الحال بعد الزيادات العشوائية التي وردت في مشروع الحكومة، إذا ما قدّر لها أن تُقرّ أو أن تصدر بمرسوم حكومي في حال تخلّف مجلس النواب عن الإنتهاء من درسها وبتّها سلباً أم إيجاباً بعد تعديلات لجنة المال والموازنة.
وعمّا اذا كان لدى اللجنة التوجّه لطرح إجراءات جديدة لتحسين الايرادات، قال كنعان: «أصلاً، وكما أسلفت، لا إيرادات من دون إنتاج، والّا فعلى ماذا ستُحتسب الضريبة أو الرسم إذا كان معدل النمو لامس الصفر. فمعالجة الايرادات تبدأ بمعالجة الوضع الاقتصادي والنقدي وليس العكس، أي من خلال زيادة الضرائب! وسياسة النعامة التي تنتهجها الحكومة بالنسبة الى الوضع الاقتصادي لا تساعد في تحقيق النمو وزيادة الانتاج فالإيرادات». وشدّد كنعان، على أنّ التشريعات على أهميتها تبقى نظرية إذا لم تقترن بمسار تطبيقي يؤدي الى استعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني، وهذا لا يمكن تحقيقه من دون العمل على الاعتراف بالحقوق والمحاسبة. فحتى الآن تعتمد الحكومة الحالية والتي سبقتها على الهروب الى الأمام من معضلتين بنيويتين هما: توزيع الخسائر الناتجة من انهيار الوضعين المالي والنقدي ومعالجة مسؤولة وعادلة لمسألة الودائع، لا من خلال صيغ تؤدي بالنهاية الى شطبها وتبرئة المصارف والدولة من «دم ضحاياهم». وهنا لا بدّ من سؤال الحكومة ومصرف لبنان عن مصير التدقيق بموجودات وحسابات المصارف والدولة الذي لم يرَ النور حتى بعد 5 سنوات على الانهيار؟! من هنا تبدأ الثقة ويبدأ الإصلاح.
واعتبر كنعان انّ الطريقة الوحيدة لسدّ العجز تكمن في استعادة الثقة وتفعيل الانتاجية.
تعديلات الموازنة
ورداً على سؤال عن أبرز التعديلات والإلغاءات التي طرأت على الرسوم والضرائب الواردة في مشروع الحكومة لموازنة 2024، قال كنعان: «التعديلات ثلاثة أنواع: الأول بنيوي، الثاني ضرائبي والثالث إنفاقي.
في البنيوي قامت اللجنة بتعديل عدد من المواد على علاقة بالاقتراض من دون سقف ومن دون رقابة المجلس النيابي بمخالفة للدستور، وفي قبول الهبات والتصرف بها أيضاً من دون رقابة ديوان المحاسبة المسبقة والالتزام بإيداع كل الأموال العامة في حساب الخزينة وليس في حسابات خاصة في مصرف لبنان، كما حصل بأموال السحب من صندوق النقد الدولي بمخالفة واضحة للمادة 242 من قانون المحاسبة العمومية التي نصّت على ما يلي: «يجب إيداع جميع الأموال العمومية المحدّدة في المادة 2 من هذا القانون في الحساب المفتوح لدى مصرف لبنان باسم الخزينة العامة».
في الضرائب، أُلغيت الضرائب والرسوم المستحدثة على الرواتب والاجور وورثة المتوفي والجمعيات الشبابية والكشفية والنوادي الخ في الموازنة، وليس الضرائب والرسوم النافذة لانّها وبشكل عام يشكّل إيرادها بالموازنة مخالفة دستورية. كما تمّ تعديل الزيادات العشوائية على النافذ من الرسوم والضرائب والتي تمحورت من 10 اضعاف لغرامات قانون السير الى آلاف الأضعاف في رسوم السجل التجاري و180 ضعفاً للنبيذ والعرق والبيرة بصناعة محلية الخ…
في الاعتمادات، خُفّض بعضها كبند الكهرباء في موازنة رئاسة الحكومة من 750 ملياراً الى 20 مليار ليرة، بعدما تبين أنّ الحاجة الفعلية هي 13 ملياراً فقط ! واشار كنعان الى انّ كل التعديلات سيتمّ الاعلان عنها عند الانتهاء من دراسة المشروع بكامله.
سقوف الاقتراض
وعن إصرار المجلس النيابي على وضع سقف للاقتراض للدولة علماً انّ ابواب الاقتراض مغلقة اصلاً امامها، أوضح كنعان انّ الدستور يمنع الاقتراض من دون العودة بكل قرض الى المجلس النيابي بموجب قانون خاص. أما سقف الاقتراض في الموازنة فلا يجب أن يتجاوز سقف العجز المقدّر فيها، وهذه قاعدة عالمية وعلمية، والاّ ندخل مجدداً بفوضى الاستدانة التي أوصلتنا الى 100 مليار دولار من الدين العام من التسعينات حتى اليوم وأدّت الى افلاس لبنان. أما كل ما يتجاوز هذا السقف فيحتّم العودة الى المجلس النيابي وهو إذا، لم يحظر انما أُخضع للأصول.
زيادة رواتب العام
وتعليقاً على إقرار اللجنة الوزارية المكلّفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام أمس الاول زيادة رواتب للقطاع العام والعسكر والمتقاعدين، وما اذا كانت هذه الزيادات مرصودة في الموازنة، قال كنعان: «لم نطلع بعد على الزيادات، لكن لا شك انّه يجب أن ترصد بالموازنة والّا نعود الى منطق المزرعة».
اعتمادات عشوائية
وبعدما تبين خلال دراسة الموازنة انّ هناك مبالغ كبيرة رُصدت لتغطية تكاليف الكهرباء في المقرات العامة، لا سيما منها مقرّ رئاسة الحكومة والقصر الجمهوري، كشف كنعان انّه جرى خفض موازنة الكهرباء لرئاسة الحكومة من 750 ملياراً الى 20 ملياراً، داعياً الى البدء بالاعتماد على الطاقة البديلة والتنسيق بين الادارات لتحديد الحاجات الفعلية بعيداً من الاعتمادات العشوائية.