هدأ السجال بين وزير الطاقة وليد فيّاض ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بلا أي تقدّم نحو زيادة ساعات التغذية الكهربائية. علماً أن ميقاتي أكّد امكانية توفير الكهرباء 24/24 “شرط عدم التعطيل”. وبرغم التزام فيّاض بالتهدئة نظرياً، إلاّ أنه رفع سقف المواجهة ضمنياً ليؤمّن 26 ساعة بدل 24! لكنه نسي تداعيات أفكاره السخيّة.
سلفة خزينة وفواتير المولّدات
حاول فيّاض إلزام أصحاب المولّدات الخاصة بتأمين تغذية بما لا يقل عن 16 ساعة يومياً. فمع رفع تسعيرة المولّدات، طلب فيّاض أن “لا تتدنّى ساعات التّغذية عن 16 ساعة يومياً”. وتمنّى على وزارة الاقتصاد والتجارة “متابعة وتشديد الرقابة على هذا القطاع لتأمين الحماية للمواطنين”.
لاحقاً، رَفَعَ فيّاض مستوى التحدّي، ليطلب من وزارة المالية ومصرف لبنان تأمين كلفة شراء الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، لضمان الكهرباء بمعدّل 10 ساعات. ويأتي هذا الاقتراح بعد تأخّر تمويل البنك الدولي لاستجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري. على أن تأمين التمويل وزيادة التغذية سيتزامن مع رفع التعرفة على المواطنين. واعتبر فيّاض أن اقتراحه هو “خطة طوارىء للكهرباء”.
نسي فيّاض، أولاً، أن اليوم 24 ساعة، وتأمين 16 ساعة من المولّدات و10 ساعات من كهرباء لبنان، يفيض عن حدود الزمن. ما يستدعي التراجع عن ساعتيّ تغذية من المولّدات أو المؤسسة.
ثانياً، إن تأمين 10 ساعات يعني طلب نحو 2 مليار دولار، وهو ما أكّده فيّاض في متن خطّته الثلاثية التي أعلنها في شباط الماضي. إذ أكّد حينها “امكانية زيادة ساعات التغذية حتى 9 ساعات، فيما لو تم تأمين 2 مليار دولار”. وفَتَحَ هامش المهلة الزمنية حتى نهاية العام الجاري. وحينها، تكون مؤسسة كهرباء لبنان قد أمّنت “كلفة التشغيل مع زيادة بنحو 250 مليون دولار”، بموازاة اعتمادها على الفيول العراقي.
على أن الوزير لم ينتبه إلى أن زيادة ساعات التغذية من المولّدات الخاصة، يعني زيادة الفاتورة على المشتركين، فيما بعض أصحاب المولّدات يتقاضون الفاتورة بالدولار ووزارة الاقتصاد غير قادرة على إجراء رقابة شاملة. وكذلك تعطي أسعار النفط العالمية الآخذة بالارتفاع، حجّة لأصحاب المولّدات لزيادة الفواتير بذريعة ارتفاع أسعار المازوت، وهي الحجّة نفسها التي ستحرم مؤسسة الكهرباء من كميات فيول إضافية يمكن لأي سلفة خزينة تأمينها.
وعليه، يريد الوزير رفع فواتير المولّدات وزيادة تعرفة مؤسسة الكهرباء، بعد أن حَمَلَ شعار تخفيض الفاتورة إلى نحو 500 ألف ليرة وعدم رفع التعرفة قبل زيادة التغذية.
حرب مستمرة
يتخبّط فيّاض في وزارته، ولا يستطيع تنفيذ ما يطلبه منه الوزير الفعلي للطاقة، أي جبران باسيل. فلا قدرة مالية لدى الدولة، ولا قرار سياسياً يمكن اتخاذه بسهولة داخل مجلس الوزراء. لكنه يُلام على كثرة الكلام غير المحسوب مسبقاً. فلو سأل نفسه من أين ستأتي سلفة الخزينة المطلوبة، لما طرحها. كذلك، كان من المفترض به الانتباه إلى أنه لم يحقّق شيئاً من خطّته المزعومة، فعلى أي أساس يطلب سلفة خزينة؟
هذه الأسئلة وغيرها لم تخطر في بال الوزير. بل كل ما أراده هو إيهام الرأي العام بقدرة وزارته على تأمين الكهرباء. لكن مصرف لبنان ووزارة المالية، ومن خلفهما الحكومة التي يجب أن توافق على السلفة، يعرقلون زيادة التغذية. والمستهدف المباشر في هذه الأحجية، هو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وليس الحكومة مجتمعة. فكما رأى ميقاتي أن “التعطيل” يحرم اللبنانيين من 24 ساعة كهرباء، يريد فيّاض الردّ عليه بمطلب “منطقي”، وهو 10 ساعات، لكن التعطيل أيضاً يمنع تأمينها.
في المحصّلة، لا كهرباء من الدولة، والمولّدات الخاصة تواصل تقنينها ورفع فواتيرها. أما فيّاض، فيتحاشى ذكر الإصلاحات التي لم يبدأ تنفيذها في وزارته بعد. ليصبح بذلك مغرّداً خارج اللحن، وهذا الفعل يُسمّى في علم الموسيقى “نشاز”.