كوب27: مُسَوَّدة تناقضات بدل مُسَوَّدة قرارات

العنوان الأول الذي تحاول أن تضعه البلدان المتقدّمة في الكوب 27 على «البيان الختامي» للقمة، أو ما بات يُسمى بعد غلاسكو العام الماضي، «القرارات الإطارية»، هو الالتزام بعدم ارتفاع درجات حرارة الأرض أكثر من 1.5 درجة مئوية، في حين تؤكد البلدان النامية أن اتفاقية باريس نصّت على عدم ارتفاع درجات الحرارة من 1.5 إلى درجتين، ما يعني بالنسبة إلى البلدان النامية الالتفاف على صيغة اتفاقية باريس، والتسوية التي ساعدت في إنقاذ الدول المجتمعة ولم تساعد المناخ.

الاجتماعات التي عُقدت أمس على مستوى رؤساء الوفود (الوزراء) لمناقشة بنود النص المتعلق بهذه «القرارات»، قوبلت بدعوات بالتركيز على «التنفيذ»، بحسب ما هدفت إليه القمة أثناء الترويج لأهمية عقدها. وقد ظهرت وجهات نظر مختلفة حول كيفية «ضخّ» التنفيذ في القرار. بالنسبة إلى بعض مجموعات البلدان النامية، كانت تعابير مثل الإنصاف و«المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة» أمراً أساسياً في النص النهائي للقمة. كما ركّزت أصوات أخرى على ضرورة الاعتراف بفجوات التنفيذ في كلّ مسارات التفاوض. كذلك شدّد البعض الآخر على ضرورة تنفيذ كلّ بنود ميثاق غلاسكو للمناخ، بما في ذلك التقليل التدريجي للفحم، وخفض انبعاثات الميثان، ودعم تحوّلات الطاقة العادلة، وتوفير تمويل التكيّف. بالإضافة إلى تشديد البعض على استخدام تعابير مثل الشفافية والمساءلة.

وشملت الأفكار الإضافية، وضع برنامج عمل لمدة عامين بشأن آلية نقل التكنولوجيا، إنهاء التوسّع في إنتاج الوقود الأحفوري الجديد، التخلّص التدريجي من استخراج النفط والغاز، إنشاء صندوق لمواجهة الخسائر والأضرار، دعوة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ لإعداد تقرير خاص عن التكيّف، ومطالبة اللجنة الدائمة للشؤون المالية بإعداد تقرير عن المديونية بسبب تغيّر المناخ. والتعبير عن خيبة أملهم إزاء فشل البلدان المتقدّمة في بلوغ هدف تمويل المناخ البالغ 100 مليار دولار أميركي.

وقد كان لافتاً هذا العام التأخر في إظهار نص متكامل لتسهيل النقاش حوله.

ولكن ما مدى جدية ومصداقية البلدان المتقدّمة في طرحها وقراراتها، على اعتبار أن معيار نجاح اتفاقيات المناخ وقمم المناخ السنوية وقراراتها الإطارية هي بالدرجة الأولى في مدى النجاح بتخفيف الانبعاثات ومنع زيادة حرارة الأرض والتعويض بشكل عادل عن الأضرار؟

تضغط الدول المتقدّمة على الدول النامية في مفاوضات شرم الشيخ من أجل التزامات (بتخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري) لا تساهم بارتفاع درجات حرارة الأرض إلى أكثر من درجة ونصف درجة، في حين أن معظم الاستثمارات الأحفورية في القارة الأفريقية، وفي 48 دولة تحديداً فيها، هي من قبل شركات غربية ولتوفير احتياجات الغرب من الطاقة! هذا ما كشفه تقرير حمل عنوان «من يموّل التوسّع في الوقود الأحفوري في أفريقيا؟». ويتوقع التقرير إنتاج حوالي 16 مليار برميل إضافي من المكافئ النفطي بحلول عام 2030، وهو ما يمثل عامين من انبعاثات الاتحاد الأوروبي! في وقت لا يزال 600 مليون أفريقي يعيشون من دون كهرباء، وفي وقت ستتعرّض هذه الدول أكثر من غيرها لكوارث مناخية مدمرة، من دون أن تحصل على تعويضات عادلة على تلك الأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية.

وفي حين تطالب الدول المتقدمة الغربية بخفض الانبعاثات، يطلب ممثلو الدول الأفريقية المزيد من الوقت للاستثمار في الوقود الأحفوري كحق في «التنمية«»، مثل تلك التي عرفتها البلدان الغربية. فأين مصداقية البلدان المتقدمة في المطالبة بعدم زيادة الانبعاثات، في حين تزيد شركاتها من الاستثمارات الجديدة في التنقيب والاستخراج في الوقود الأحفوري، وفي وقت تراجعت فيه الاستثمارات في الطاقة المتجدّدة هذا العام بالنسبة إلى الأعوام السابقة؟!

وكما يحصل في الدول الأفريقية التي تستضيف القمة، كذلك يحصل في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد المزيد من التوسع الغربي الجديد في التنقيب والاستخراج، في حوض البحر المتوسط تحديداً! فما الذي يفسّر كلّ هذا التناقض وأين المصداقية في كل ذلك؟!

وحول إنفاق التمويل، لطالما حاولت الدول المتقدّمة أن لا تفي بالتزاماتها، لا بل تحاول أن تكون الرابحة في كل خيار تتخذه، ودائماً، كما أسلفنا على حساب حقوق باقي الشعوب وعلى حساب البيئة والمناخ في النهاية. كيف يحصل ذلك؟

في غضون ثلاث سنوات من موعد بدء تطبيق اتفاقية باريس بداية عام 2020، لم تنفق سوى 11 ملياراً من أصل 300 مليار، ولا تزال القاعدة عندها إنفاق 75% من هذا التمويل على التخفيف، و25% على التكيّف. لأن الصرف أكثر على التخفيف يعني الصرف على التكنولوجيا الخضراء البديلة التي تصنعها، والتي هي في الحصيلة حزمة من الاستثمارات في الأزمة المناخية لصالح شركاتها. أما لناحية دعم الدول للخروج من الكربون، فإن ذلك يحصل من دون أي قواعد وخارج أي اتفاقية دولية وضمن الأطر الاستثمارية الجديدة. فما الذي يفسّر أمس أثناء اجتماع مجموعة العشرين في بالي، وهي الدول المسؤولة عن 80% من الانبعاثات ولديها 80% من الناتج العالمي، أن تتعهد مجموعة من الدول الغنية، على هامش القمة الاقتصادية، بدفع 20 مليار دولار لإندونيسيا لتقليل اعتمادها على الفحم… وهو مبلغ بمعظمه قروض وليس مساعدات، بإشراك القطاع الخاص المستثمر، لتحقق «الحياد الكربوني» في قطاع الكهرباء قبل عشر سنوات مما كان متوقعاً، أي في عام 2050 بدلاً من عام 2060؟

كل هذا النفاق يحصل، في وقت انتقل الحديث في السنوات السبع الأخيرة من التغيّرات المناخية، إلى الكوارث المناخية المتصاعدة، وإلى إمكانية أن تتخطى درجات الحرارة الثلاث درجات، وأن تطيح الكوارث وأكلافها كلَّ مكتسبات التنمية التي عرفتها الحضارة.

مصدرجريدة الأخبار - حبيب معلوف
المادة السابقةمعدن “المنجنيز”: ساحة النزاع القادمة بين القوى الاقتصادية
المقالة القادمة«النقل البري» ينفي إصدار تعرفة جديدة