لم يعد انتشار فيروس” كورونا” هو الهاجس الوحيد عند أهالي الطلّاب والمدارس الخاصة، إنّما انعكاس الأزمة الإقتصادية على الواقع العام والمعيشي، وتقلّص فرص العمل، وازدياد البطالة في البقاع بشكل ملحوظ وخطير، ليزيد الطينة بلّة تدنّي رواتب الحدّ الأدنى للأجور الى أقلّ من المئة دولار، إضافة الى استفحال الغلاء، وارتفاع سعر صرف الدولار وتحليق أسعار القرطاسية والكتب واللوازم، الى ما لا طاقة للأهالي على شرائها وِفق رواتب لا تكفي ثمن قوتهم. كلّ ذلك وضع العام الدراسي في البقاع أمام مصير مجهول، ما جعل الأهالي بين مطرقة الخوف من انتشار الفيروس وسندان الأزمة الإقتصادية المستفحلة، وترك ارتداداته السلبية أيضاً على المدارس الرسمية العاجزة عن مهمّتها بسبب الإكتظاظ والمدارس الخاصة المهدّدة بالإقفال.
وتقول إدارات المدارس الرسمية والخاصة إنّ العام الدراسي الفائت تركهم في عجز عن تغطية المدفوعات الاساسية، من رواتب الموظفين، إداريين وعمّالاً ومدرّسين، الى شراء المستلزمات المدرسية ومواد التنظيف والتعقيم التي باتت من الأساسيات في الوضع الراهن، في ظلّ غلاء الأسعار الجنوني.
أهالٍ وأقساط
لا يُخفي علي سعد الدين، أب لثلاثة أولاد، استعداده لعدم تسجيل ابنتيه في صفوف الروضة لأنّها ليست صفوفاً أساسية، “والكِلفة غالية لأننا ما زلنا نتقاضى على أسعار صرف 1500 ليرة، لن أسجّلهما، فلا نفع لهما بالتعلّم عن بعد”، وأوضح أنه لن يرسل ابنه في الصف الثالث الى المدرسة في حال تمّ اعتماد آلية نصف الحضور، “فمناعته ضعيفة ولست مستعداً للمخاطرة به في ظلّ انتشار “كورونا”.
ويحتار جميل الحشيمي ماذا يفعل بابنتيه، بعدما رفعت إدارة المدرسة الخاصة في قبّ الياس القسط، وخيّرته بين دفع كامل القسط بالليرة اللبنانية اثناء التسجيل، او القبول بسندات اقساط على الدولار، ويقول انه بصدد تسجيلهما في المدرسة الرسمية و”في حال لم أجد لهما مكاناً فمضطرّ لأن أعفيهما من الدراسة هذا العام لعدم قدرتي على الدفع للمدرسة الخاصة، طالما التعلم عن بعد لا ينفع الطالب، امام ارتفاع الاسعار فيما راتبي الشهري لا يزال مليون ليرة”.
مدير مدرسة خاصة (افروس كوليج) في البقاع د. بلال الحشيمي وصاحبها يؤكّد لـ”نداء الوطن” أنّ “المعاناة كبيرة، والأهالي يريدون تسجيل أبنائهم ويرفضون رفع الأقساط، وبالرغم من ذلك، تشهد المدارس الخاصة هروب أكثر من 50 في المئة من طلابها الى المدارس الرسمية بسبب الغلاء وتدنّي فرص العمل”، ويقول: “في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه فإنّ أصحاب المدارس الخاصة ونحن منهم، يفضّلون أن تُقفل الأبواب ويتوقّف مزراب الخسائر، لأنّه لا يمكن أن تبقى الاقساط على ما هي عليه في ظلّ ارتفاع الأسعار والمواد”. ويتابع: “نحن اليوم أمام معضلة الدوامين، وهذا يحتاج الى رفع ساعات الدوام للمعلمين وللإداريين، وبالتالي نكون امام كلفة مرتفعة، لا قدرة لذوي الطلاب على دفع الكلفة مضاعفة في حين أنّ لا ثقة عند الأهالي بأنّ أبناءهم قد يستفيدون من هذه الآلية، كذلك فإنّ آلية التعلّم عن بعد هي سبب في تردّدهم بدفع الأقساط، في اعتبار أنّ اولادهم لن يستفيدوا، ولا بنية تحتية تساعدهم على تخطّي عوائق التعليم عن بعد كقطع الكهرباء المستمرّ وسرعة الانترنت ووجود الكومبيوتر وغيرها من العوائق، بالرغم من أننا كإدارة، لدينا كافة القدرات والخبرات”.
بدوره، يؤكّد مدير مركز عمر المختار التربوي محمد نجم الدين لـ”نداء الوطن” أنّ “المواطن واقع بين فكّي كمّاشة “كورونا” والغلاء فماذا بإمكانه أن يفعل ازاء وحش الغلاء ووطأة الوباء، بالكاد يكفي راتبه لتأمين أبسط احتياجاته الغذائية والصحّية”. ويقول: “نحن مقبلون على عام دراسي جديد لا خيارات أمامنا سوى التعليم عن بعد في ظلّ انعدام مقوّمات هذا النوع من التعليم، من كهرباء وانترنت ووسائل الكترونية أغلبية الاهل غير قادرة على اقتنائها او التعامل معها بالاشراف على اولادهم في البيت، والوعود بتقديم هذه الوسائل كمساعدات من الخارج ليس في الأفق ما يشير الى امكانية تحقيقها. معاناتنا مستمرة منذ العام الماضي، خصوصاً لجهة عدم قدرة الأهالي على دفع ما يستحقّ عليهم من أقساط بالرغم من التسهيلات التي قدّمتها رئاسة المؤسسات، سواء بالحسم او التقسيط المريح، ما يجعلنا ندور في حلقة من الأزمات في ظلّ الإرباك الحاصل في تحديد الخيارات المتاحة للتعليم عن بعد أو المدمج، او الدوام الكامل والذي يزيده صعوبة ضبابية الأوضاع صحّياً ومعيشياً في ظلّ غياب تامّ لأي إجراء يُعجّل بصرف مساعدات الدولة للمدارس الخاصة”.