يشن المتمردون الحوثيون ضربات بطائرات من دون طيار وصواريخ على سفن تابعة “لإسرائيل” وحلفائها. وقد دفع الوضع الكثير من شركات الشحن إلى تجنب هذه الطريق.
وبدلاً من ذلك، جرى تغيير مسار السفن حول رأس الرجاء الصالح، مما أضاف 10 إلى 14 يوماً إضافياً للرحلات من آسيا إلى أوروبا. وتُظهر بيانات الشحن في الوقت الفعلي التي قدمتها منصة «بورتواتش»، وهي مبادرة مشتركة بين صندوق النقد الدولي وجامعة أكسفورد، أن أحجام الترانزيت عبر قناة السويس التي تربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، انخفضت بنسبة 37 في المائة عام 2024 (حتى 16 يناير – كانون الثاني). وفي الوقت نفسه، ارتفع حجم العبور حول رأس الرجاء الصالح بنسبة 54 في المائة خلال الفترة الزمنية.
في تقرير لموقع «ثينك تشاينا»، من بين الآثار المتتالية المختلفة، أن الوضع الناشئ في البحر الأحمر يعيق تدفقات التجارة الصينية بعدة طرق مختلفة، ولكل منها عواقب اقتصادية وخيمة.
الاعتماد الصيني على البحر الأحمر
يُعدّ مضيق باب المندب عاملاً أساسياً في ربط القارة الآسيوية بأوروبا وأميركا الشمالية، حيث يمر نحو 12 في المائة من النفط المنقول بحراً، و8 في المائة من الغاز الطبيعي المسال ونسبة كبيرة من حركة الحاويات عبر هذا الممر الضيق.
ووفقاً لبحث أجرته جامعة أكسفورد، فإن التجارة الناشئة من الصين أو المتجهة إليها تسهم بشكل أكبر في قيمة التجارة المتدفقة عبر «نقطة الاختناق البحرية» هذه.
ويتدفق ما يقدَّر بنحو 120 مليار دولار من الواردات الصينية، و160 مليار دولار من الصادرات الصينية عبر مضيق باب المندب كل عام، من إجمالي التجارة البحرية المقدرة بـ1.5 تريليون دولار.
وفي حين أن هذا ليس سوى جزء صغير من إجمالي التجارة البحرية الصينية (نحو 10 في المائة)، فإن هذا الاضطراب قد يضع عبئاً إضافياً على تجارة الصين، التي تواجه بالفعل ضغوطاً من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والانتقال التجاري المستمر بعيداً عن الصين، وفق التقرير.
إعادة توجيه التجارة مقيَّدة باضطرابات أخرى
ويشير التقرير إلى أن الشحن عبر مضيق باب المندب أقل بكثير من المعتاد ولكنه مستمر، خصوصاً بالنسبة للسفن المملوكة للصينيين والروس التي وعد الحوثيون بمرورها الآمن. ومع ذلك، قرر معظم شركات الشحن، خصوصاً سفن الحاويات، تحويل سفنها نحو رأس الرجاء الصالح.
خلال الأوقات العادية، يمكن إعادة توجيه بعض التدفقات التجارية التي تدور الآن حول رأس الرجاء الصالح عبر السكك الحديدية إلى أوروبا، أو عبر قناة بنما إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة. ومع ذلك، تواجه ممرات النقل هذه بالمثل اضطرابات شديدة.
وشهد ممر السكك الحديدية الرئيسي من شنغهاي إلى أوروبا الغربية، الذي يستغرق من 15 إلى 20 يوماً، ارتفاعاً في الطلب. تقليدياً، كان الشحن بالسكك الحديدية بين الصين وأوروبا يجري عبر روسيا (عبر السكك الحديدية العابرة لسيبيريا). ومع ذلك، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا دفعت الكثير من مشغّلي السكك الحديدية إلى تجنب هذه الطريق. وبدلاً من ذلك، جرى استخدام مسارات بديلة أطول عبر بحر قزوين، لكنّ هذه الطرق تفتقر إلى القدرة على تسهيل أحجام التجارة الرئيسية.
يُذكر أنه في حين أن سفينة حاويات كبيرة يمكن أن تحمل أكثر من 23000 حاوية، فإن قطار الشحن الدولي من الصين إلى أوروبا يتعامل عادةً مع نحو 80 إلى 100 حاوية.
ولخدمة الساحل الشرقي للولايات المتحدة من الصين، عادةً ما تكون الطريق البحرية التي تعبر قناة بنما بمثابة خيار بديل. ومع ذلك، تعرضت قناة بنما لجفاف كبير منذ بداية عام 2023، مما تسبب في قيود على عدد السفن المسموح لها بالمرور عبر الأقفال. وانخفضت أحجام النقل بنسبة 30 إلى 35 في المائة في عام 2024 وفقاً لبيانات PortWatch، ومن المرجح أن تؤدي أي زيادة في حركة المرور الإضافية الراغبة في المرور عبر قناة بنما إلى فترات انتظار طويلة -مماثلة لتلك التي شوهدت في عام 2023.
وبالتالي، فإن الاضطرابات المستمرة عبر ممرات النقل الرئيسية الأخرى تجبر السفن على التجول حول القارة الأفريقية.
انقطاع الأعمال بسبب تأخير التسليم
ونتيجة لتغيير مسار السفينة، وما نتج عن ذلك من تأخير في الشحنات، اضطرت المصانع في جميع أنحاء أوروبا إلى وقف عملياتها. والشركات الأكثر تضرراً من التأخير هي تلك التي تعتمد على إدارة المخزون «في الوقت المناسب»، والتي تعمل على التوفيق بين الإنتاج وتسليم الإمدادات الحيوية، وبالتالي تتطلب الحد الأدنى من المخزون. على سبيل المثال، أوقفت شركتا «تسلا» و«فولفو» للسيارات الإنتاج في مصانع الإنتاج التابعة لهما في ألمانيا، وكذلك مصنع «سوزوكي» في المجر، بسبب نقص المكونات الحيوية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إمدادات النفط والغاز في الكثير من الدول الأوروبية تتقلص نظراً لنقص الإمدادات القادمة من الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، قد تضطر بريطانيا إلى الاعتماد على مخزونها من الوقود في حالات الطوارئ بعد أن أوقفت قطر الشحنات عبر البحر الأحمر. وعلى نحو مماثل، تشهد شحنات الغاز من الولايات المتحدة إلى الصين تأخيرات كبيرة.
كما توقفت تجارة النفط الصينية مع إيران بسبب مطالبة إيران بأسعار أعلى لنفطها، مما أجبر الصين على زيادة الإمدادات من موردي النفط البديلين مثل روسيا. وعلى الرغم من أن التأخير يسبب مشكلات بشكل رئيسي على المدى القصير، فإن استمرار هذه الاضطرابات يمكن أن يؤدي إلى زيادة أسعار السلع الأساسية.
هل سنشهد ارتفاع أسعار المستهلك؟
ببساطة، الرحلات الطويلة تعني مزيداً من الوقود، مما يزيد من تكلفة الشحن. علاوة على ذلك، تعني الطرق الأطول أن سعة السفينة المتاحة أقل (نظراً لعدد محدود من السفن)، مما قد يؤدي إلى زيادة سعر الشحن.
ونتيجة لذلك، وصل سعر شحن حاوية من شنغهاي إلى روتردام إلى أعلى نقطة له منذ سبتمبر (أيلول) 2022 في 18 يناير.
وبالعودة إلى سبتمبر 2022، تسببت اضطرابات الشحن الكبيرة بسبب الوباء في وصول أسعار الحاويات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ومن المرجح أن تنتقل هذه الزيادة في الأسعار إلى المستهلكين، ومن المتوقع أن ترفع أسعار المنتجات في محلات السوبرماركت الأوروبية. وبالمثل، من المتوقع أن ترتفع الأسعار في محلات السوبرماركت الصينية للمنتجات التي مصدرها أوروبا. ورغم أن البعض يُحذّر من أن الزيادة في أسعار المستهلكين قد تؤدي إلى ارتفاع طفيف في التضخم العالمي، فإن آخرين يقولون إنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان هذا الاضطراب سيؤثر في التضخم.
بداية صعبة للتجارة البحرية الصينية
إن تعطُّل التجارة في البحر الأحمر، جنباً إلى جنب مع الاضطرابات الأخرى في ممرات النقل التي تربط الصين ببقية العالم، يفرض ضغوطاً إضافية على التجارة الصينية. وهناك بالفعل بعض العلامات المبكرة على انخفاض بنحو 10 في المائة إلى 15 في المائة من الصادرات التي تغادر الموانئ الصينية.
وتحدث اضطرابات الشحن هذه في وقت تستعد فيه الصين للعام القمري الجديد القادم، الذي يؤدي عادةً إلى إبطاء الصادرات الصينية إلى حد كبير. وبينما تبتعد بكين عن أي تورط في نزاع البحر الأحمر، بصفتها الدولة التي ستخسر الكثير في هذا الصراع، فإنها ستستمر في مراقبة التطورات في المنطقة عن كثب.