تنظر بنوك استثمار عالمية كبرى بتفاؤل كبير لانتعاش الأسواق المالية في العام المقبل 2021، خاصة سوق “وول ستريت” الأميركي، الذي عادة ما يقود البورصات العالمية صعوداً وهبوطًاً بسبب قيمته السوقية الضخمة، وإدراج شركات وبنوك عالمية كبرى على مؤشراته الثلاثة.
ويأتي هذا التفاؤل على الرغم من أن بعض المصارف ترى أن أسعار الأسهم الأميركية الاسمية مرتفعة كثيراً فوق قيمتها الحقيقية بنسب تتراوح بين 10% و12%.
ووفق دراسة بحثية صدرت يوم الإثنين عن مصرف “سيتي غروب”، أكبر البنوك الأميركية، فإن اللقاحات التي أعلن عن نجاحها حتى الآن ستتمكن من وقف الانكماش المتواصل في الاقتصاد العالمي، وتعيد الدورة الاقتصادية للانتعاش في العام المقبل، مشيرة في توقعاتها إلى نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.7% في العام المقبل وبنسبة 3% في العام 2022.
لكن “سيتي غروب” يقول إن نسبة القبول الشعبي للقاحات المضادة لجائحة كورونا لا تزال متدنية في أوروبا، وتراوح بين 54 و59% في فرنسا وبولندا والعديد من الدول الأوروبية، وبالتالي فإنه يتوقع أن يتأخر تعميم التلقيح ضد الفيروس في العديد من الاقتصادات العالمية حتى في حال توفر الجرعات المطلوبة.
في شأن التفاؤل الاقتصادي، يتوقع مصرف “مورغان ستانلي” الأميركي ارتفاع مؤشر “ستاندرد آند بوورز 500 “، وهو المؤشر الرئيسي في البورصات الأميركية، إلى 3900 نقطة بحلول ديسمبر / كانون الأول المقبل 2021.
وبنى المصرف الاستثماري توقعاته على أساس أن العالم سيتمكن من القضاء على جائحة كورونا في العام المقبل، وبالتالي ستعود الشركات التي ضربتها الجائحة بقوة لانتعاش مبيعاتها وارتفاع أرباحها.
وفي ذات الاتجاه الإيجابي، يبدو مصرف “جي بي مورغان”، أكبر المصارف الأميركية، أكثر تفاؤلاً، إذ يرى أن مؤشر “ستاندرد آند بوورز 500” سيرتفع إلى 4200 نقطة بنهاية العام المقبل.
وبدأ المستثمرون يدخلون في حساباتهم السياسات المالية والنقدية المتوقعة من إدارة الرئيس المنتخب جوزيف بايدن، بعدما سمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الإثنين، ببدء إجراءات انتقال السلطة إلى الرئيس المنتخب بايدن، والذي بات من المؤكد أنه سيدير البلاد خلال الأربع سنوات المقبلة.
ويرى محللون أن أسهم المصارف ستقود ارتفاع أسواق المال والبورصات في العام المقبل، إذ إن الأسهم المصرفية تعرضت لضربات قاسية في الربع الثاني من العام الجاري، بسبب مخاوف المستثمرين من ارتفاع حجم القروض المشكوك في تحصيلها التي منحتها لشركات السياحة والطيران والفنادق والخدمات من مطاعم ومقاه، وهي تلك الشركات التي تأثرت سلبا بالجائحة.
وتراوحت خسائر أسهم المصارف الأميركية خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي بين 25% إلى 45% من قيمتها، لكنها عادت للارتفاع بعد التحفيز النقدي الكثيف الذي نفذه مصرف الاحتياط الفدرالي، “البنك المركزي الأميركي”، في الربع الثالث من العام الجاري. وكان مصرف الاحتياط الفدرالي قد توقع أن ترتفع خسائر المصارف التجارية في الولايات المتحدة إلى 100 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وبناء على هذه التوقعات المتشائمة رصدت المصارف الأميركية مخصصات كبرى لتغطية خسائر القروض المتعثرة والمشكوك في تحصيلها. ومن العوامل التي ستدعم أسهم المصارف التجارية في أميركا، حجم السيولة الضخمة المتوفرة لديها، والتي تقدر بنحو 3.7 ترليونات دولار. وهذه السيولة الضخمة ستتيح لها اقتناص الفرص في السوق.
ومنذ إعلان الرئيس ترامب يوم الإثنين عن نقله للسلطات للرئيس المنتخب بايدن، كسبت مؤشرات بورصات وول ستريت في التعاملات الآجلة، إذ كسب مؤشر داو جونز نحو 300 نقطة، كما كسب مؤشر ناسداك نحو 0.4%. وما يسعد المستثمرين في الأسهم الأميركية احتمال اختيار الرئيس المنتخب بايدن فريقا اقتصاديا يملك تجربة سابقة في الإدارات المالية، وبالتالي ستكون إدارة بايدن متفهمة لحساسية الأسواق للسياسات المالية.
وتواجه إدارة بايدن التي ستبدأ عملها رسميا في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل مجموعة من التحديات الاقتصادية، على رأسها توفير الوظائف وخفض معدلات البطالة المرتفعة واستعادة نمو الاقتصاد الأميركي.
ويتوقع مصرف “جي بي مورغان” أن ينكمش الاقتصاد الأميركي بنسبة ضئيلة في الربع الأول من العام المقبل بسبب تداعيات التفشي الواسع لموجة كورونا الجديدة.
ومن بين العوامل التي ستدعم ارتفاع أسواق المال عودة العلاقات التجارية إلى طبيعتها مع شركاء التجارة الكبار للولايات المتحدة في آسيا وأوروبا.
ويرى محللون أن عودة العلاقات التجارية المتوازنة مع الاقتصادات الكبرى ستفيد الشركات الأميركية الكبرى متعددة الجنسيات التي لديها مصالح كبرى في الأسواق الخارجية، خاصة شركات التقنية التي عانت من الاضطراب خلال فترة الرئيس دونالد ترامب، بسبب التغريدات المفاجئة التي يعلن فيها إجراءات عقابية لشركات أو مكونات تقنية تدخل ضمن منتجات الشركات الأميركية.
وينوي الرئيس المنتخب بايدن اتباع سياسة توافقية مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا وكندا والمكسيك. وكان بايدن قد أعلن أن لديه خطة للتعامل مع النزاعات التي نشأت خلال الأربع سنوات الماضية، وربما ستكون من أولوياته في السياسة التجارية الخارجية إعادة العلاقات التجارية مع أوروبا، وإعادة الهيبة للمنظمات المالية والاقتصادية متعددة الأطراف، وعلى رأسها منظمة التجارة العالمية.