لم يفلح مؤتمر “سيدر 1” على رغم الآمال الكبيرة التي يحملها للبنانيين لناحية تمويل مشاريع البنى التحتية وخلق عشرات آلاف فرص العمل في نيل إجماع لبناني حوله، على رغم الاتفاق المسبق على خطورة المرحلة ودقتها اقتصادياً.

تنوّعت الإعتراضات بين اتهامات بإغراق الإقتصاد بالمزيد من الديون، والتلهي بإنجازات وهمية عبر التسوّل من الخارج، ما يطرح سؤال جوهري حول وجود بدائل عن مؤتمر “سيدر 1″ توصل اقتصاد لبنان الى بر الأمان الذي قد تكون الطريق اليه طويلة في ظل تزايد المؤشرات التي توحي بسلوك البلد منحى خطير على الصعيدين المالي والاقتصادي، ما يهدد بإنفجار عدد من الأزمات الإجتماعية.

قد تكون الإعتراضات الكثيرة المطروحة والتي دغدغت عقول مواطنين كثر يبحثون عن فسحة امل تخرق جدار الازمة، محقّة. لكن يعتريها عيب يتجلّى بقدرتها على تشريع الابواب امام جدلٍ قد يكون عقيما اذ يطال مسلمات اقتصادية لبنانية. ففي حين يشدد المعنيون بالشأن الإقتصادي على صوابية السياسات المالية التي كرّست الثقة بالليرة لما يحمله هذا الامر من ايجابيات كبيرة للإقتصاد، يؤكد الخبير الإقتصادي د. ايلي يشوعي ان البدائل التي تغني لبنان عن مؤتمرات الدعم الأولية، يمكن تلخيصها بتغيير السياسات المالية التي دمرت الاقتصاد على مر سنوات، اذ يرى ان وظيفة المدخرات في اي بلد هي تمويل الإستثمارات والتجارة الخارجية، ما يشير الى ان وضعها في الصناديق المركزية وحجبها عن جميع القوى الفاعلة اقتصادياً خطأ كبير ادى الى دمار الإقتصاد”. ويستغرب يشوعي “تعليل هذه السياسات بحجة تثبيت سعر صرف الليرة في حين ان 67% من الودائع هي بالدولار”.

مشلكة بنيوية

لعل صعوبة الوضع الاقتصادي وخطورته دفعت السلطة الى سلوك طريق “سيدر 1” بناء على تأكيدات من مراجع دولية عليا بفاعليته في انقاذ لبنان، لكن في الواقع، وبعيداً عن “سيدر” يستلزم النهوض بالإقتصاد التعمّق بمشاكله، حيث تشير الدراسات الى ان الأداء اللبناني الضعيف على كل الجبهات الاقتصادية عملياً منذ انتهاء الحرب، وعلى الرغم من الظروف العديدة المؤاتية، يدل على وجود مشكلات في بنية الاقتصاد اللبناني.

وتشدد الدراسات على ضرورة ادراك أن المشكلات البنيوية في لبنان هي مستوطنة ودائمة لأنها موجودة منذ الاستقلال وليست من مخلفات الحرب وحسب. إذ إن ثمة نظرة منتشرة على نطاق واسع، خصوصاً بين الرسميين، بأن اعادة إرساء الظروف التي كانت سائدة في لبنان قبل

1975 يستعيد لبنان ازدهاره الذهبي، والنمو قوته السالفة. وتؤكد ان هذا الاعتقاد السائد عن ازدهار لبنان قبل 1975 هو وهم أكثر منه واقع، وقد تعزّز هذا الوهم وحجبت الحقيقة بفعل الأداء المالي القوي الذي حقّقه لبنان واستقرار الاقتصاد الكلي، واللذين تجليا في خلوّه من دين القطاع العام، والفائض المستمر في ميزان المدفوعات، والعملة القوية. في حين تكمن مشكلة الاقتصاد اللبناني البنيوية الأساسية تكمن في ضعف إنتاجيته. فاليوم بعد خمسة وعشرين عاماً على انتهاء الحرب في العام 1990، وصل حجم الإنتاج للفرد (بأسعار فائتة) إلى أعلى بقليل ما كان عليه قبل عقود، أي في العام 1974.

ويحمل المعارضين للخيارات الاقتصادية السابقة بشدة على الطبقة الحاكمة اذ يعتبرونها المسؤولة اولاً واخيراً عن المصائب التي حلّت بالإقتصاد، ويقول يشوعي في هذا الإطار “من المفترض ان تكون الدورة الاقتصادية ضعف ما هي عليه اليوم، كما ان حجم الناتج المحلي يجب ان بقارب بالحد الأدنى حجم الدين. لكن السياسات التي اتبعت في السنوات السابقة خنقت الاقتصاد والبلد، وادت الى شح السيولة بشكل هائل يوم بعد يوم”.

ويلفت يشوعي الى ان “واقع لبنان لا يحتمل اي دولار دين اضافي، كما ان هناك مبلغ 3 مليارات دولار لا يزال غير مستخدم من قروض سابقة، يدفع لبنان مقابله فوائد ما يشير الى حجم استهتار المسؤولين بمصالح المواطنين والمستثمرين والاقتصاد ككل”. ويشير الى ان “اداء السنوات السابقة ادى الى مضاعفة ثروات المتمولين ومكافأة اصحاب المال الريعي، وجلد المستثمرين المنتجين عبر خلق تعقيدات يومية تحد من تقدمهم ومساهمتهم في خلق فرص عمل وتحقيق نمو اقتصادي”.

كيف ننهض؟

يعلن العديد من المعنيين بالشأن الإقتصادي بوجود خطط بحوزتهم تنهض بالإقتصاد، وهذه الخطط على اختلافها لا بد ان تتمحور حول هدفين اساسيين: وضع الاقتصاد اللبناني على طريق النمو المرتفع وتوزيع أفضل للدخل والثروة.

ويسلط هذان الهدفان الضوء على وجوب تركيز اي خطة نهضوية على الإجراءات التي تزيد من إنتاجية الاقتصاد اللبناني بشكل مستدام بالإضافة إلى الخطة الإصلاحية الضرورية للقطاع العام، الأمر الذي يتطلب ثلاثة إجراءات أساسية تتضمن توفير التعليم الرسمي ذي النوعية الجيدة والكلفة المنخفضة، إنشاء شبكة نقل واتصالات حديثة، إصلاح القطاع العام. ومن الضروري التركيز على معالجة مكامن الضعف في الاقتصاد اللبناني، والتي إذا تركت من دون حلول، قد تتسبّب بشل المعافاة الاقتصادية أو إضعافها بالحد الادنى. وتتم هذه المعالجة عبر إعادة تمويل دين القطاع العام بأسعار فائدة أدنى ولفترات أطول، وإعادة جدولة ديون القطاع الخاص للمصارف المشكوك في تحصيلها.

المادة السابقةواشنطن تفرض عقوبات على 4 مسؤولين فنزويليين
المقالة القادمة“إعمار مولز” تستحوذ على الحصة المتبقية من “نمشي” مُقابل 475 مليون درهم