هذا هو مشهد الفوضى المنتظر والمتوقع على صعيد القطاع المصرفي في ظلّ غياب المعالجات الجديّة، والقوانين الملحة المطلوبة وأبرزها اعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع المصرفي.
أحكام قضائية متضادة، المصارف تارة تفتح وتقفل تارة أخرى، تعاميم ملغومة من مصرف لبنان تدرّ الدولارت في السوق حيناً وتجففها احياناً أخرى، وتحاول عبثاً رفع سعر الصرف الليرة… والنتيجة دائماً مزيد من الانهيار والتضخم!
أما وعود سداد الودائع وحمايتها فيقابلها اعلان واضح وصريح من قبل جمعية المصارف بان «لا سيولة لدى المصارف»، وان رصيد الاخيرة لدى البنوك المراسلة سلبي أيضا.
منذ اندلاع الازمة في 2019، وتفاقم حدّة الانهيار نتيجة سوء الادارة على الصعد الاقتصادية والمالية والمصرفية، تعمل البنوك التجارية في لبنان كمصارف «زومبي» وهي بحالة افلاس عملي وفقاً لكافة المؤشرات ووفقاً لتقارير مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي الذي حذّر مصرف لبنان من عدم ملاءة البنوك التجارية قبل انفجار الازمة.
يبقى السؤال: إذا كانت كافة المؤشرات، من فقدان السيولة وانعدام الملاءة وتبخر الرساميل وعدم موازاة حجم الموجودات بحجم المطلوبات، تشير الى إفلاس البنوك، فهل يمكن اعتبار الاخيرة مفلسة؟ وما الفرق بين الافلاس العملي والافلاس القانوني من ناحية التداعيات على المودعين؟
إستغلال المادة 3 من قانون 67/2
في هذا الاطار، اعتبر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت المحامي كريم ضاهر ان تصريح امين عام جمعية المصارف فادي خلف يأتي في سياق خطة ممنهجة تتبعها المصارف لاستخدام المادة 3 من القانون 2/67 بعد انقضاء فترة الريبة المحددة بـ18 شهراً من التوقف عن السداد، وفقاً للقانون وبعد انقضاء فترة تعليق المهل، وذلك لعدم محاسبتها على الاخطاء السابقة كتحويل اموال الى الخارج وسوء الادارة وغيرها…
وشرح ضاهر لـ»نداء الوطن» ان القانون 2/67 يسمح للمصارف باعلان التوقف عن السداد. وفور ثبوت توقف احد المصارف عن الدفع يترتب على مصرف لبنان ان يطلب من المحكمة المختصة تطبيق احكام هذا القانون على المصرف المذكور، كما ويمكن لأي مصرف ان يطلب من المحكمة المختصة تطبيق احكام هذا القانون عليه. لذلك رأى ضاهر ان المصارف تحاول تسليم المهمة الى مصرف لبنان والدولة باعتبار انهما الجهتان اللتان اوصلتا البنوك الى التوقف عن السداد بعد تعثر مصرف لبنان والدولة عن سداد اموال المصارف، وبالتالي لم يعد امام الاخيرة حلول سوى التوقف عن السداد.
البنوك تعرف مصيرها
واشار ضاهر الى ان المصارف على دراية بان اي اتفاقية مع صندوق النقد ستتضمن اقرار قانون لاعادة الهيكلة، الامر الذي سيجبرها على «دفع الثمن» إما من خلال اعادة الرسملة او تحمّل المسؤوليات وفقاً للقوانين التي ستحاسبها على سوء ادارتها من خلال عملية التصفية واحتجاز اموالها. وبالتالي لم يعد امام بعض البنوك سوى اللجوء الى القانون 2/67 اي التوقف عن السداد (اعلان الافلاس) والذي ينص على احتجاز اصولها شكلياً لمدة شهرين فقط، يتم بعدها رفع الحجز من دون اي ملاحقة لاصحاب المصارف، وبذلك تكون المصارف قد تحررت من مسؤوليتها ورمت الكرة في ملعب مصرف لبنان والدولة لتأمين اموال المودعين.
فرصة التهرّب غير قائمة
في المقابل، أكد ضاهر ان لجنة الدفاع عن حقوق المودعين تنبهت لهذا الامر واحتاطت له من خلال تعديل قانون السرية المصرفية بحيث يبقى متاحاً كشف السرية عن حسابات اعضاء مجلس الادارة والمدراء التنفيذيين ومفوضي المراقبة في المصارف، واصبح هناك امكانية لملاحقتهم بالجرائم المالية وتبييض الاموال والفساد واساءة الامانة والافلاس الاحتيالي وغيرها من الجرائم منذ العام 1988، بهدف استرداد الاموال.
وشرح ضاهر ان مفهوم الافلاس لدى المصارف لم يعد قائما منذ ازمة بنك انترا بل هناك حالتان: إما وضع اليد على المصرف من قبل مصرف لبنان وتصفيته على ان تتولى مؤسسة ضمان الودائع التعويض على المودعين (على سبيل ما حصل مع جمال ترست بنك والبنك اللبناني الكندي) ، وإما من خلال اعلان التوقف عن السداد وفقاً للقانون 2/67 ومحاولة إنقاذ المصرف، وهو القانون الذي يعتبر بمثابة اعادة هيكلة وليس افلاساً للمصرف.
على ماذا ينص القانون؟
ما هو القانون 2/67 الذي تخطط المصارف من خلاله للتحرر من مسؤولياتها؟
انه ينص في ما ينص على:
– يخضع لاحكام هذا القانون كل مصرف عامل في لبنان يتوقف عن الدفع.
– يتم تنحية وعزل رئيس وأعضاء مجلس الادارة بالاضافة إلى مفوضي المراقبة وسائر الاشخاص الذين لهم حق التوقيع لمساءلتهم جميعاً. كما ويتم حجز أصولهم وأموالهم المنقولة وتحديد المسؤوليات احتياطياً لاجل ضمان المسؤوليات التي قد تترتب عليهم، ورفع السرية المصرفية عن حساباتهم ومساءلتهم جميعاً وتحديد المسؤوليات واسترداد ما يمكن استرداده منهم في حال ثبوت المسؤولية وتوجّب التعويض.
– يتم تعيين مدير مؤقت ثم لجنة إدارة خاصة يتمثل فيها الدائنون (المودعون) والمساهمون على حد سواء، تتولى صلاحيات مجلس الادارة والجمعية العمومية العادية عند الاقتضاء، وهي تمثّل في الوقت نفسه مجموعة دائني المصرف المعني، ويناط بها صلاحية اتخاذ التدابير التي تؤمّن مصالح أصحاب الحقوق.
– تمتد مهام اللجنة لستة أشهر كحد أقصى، وفي نهايتها يتم تحديد قدرة المصرف على استئناف عمله. عندها يرفع الملف إلى المحكمة المختصة بعد استطلاع رأي مصرف لبنان، ويُدعى المساهمون إلى جمعية عمومية لانتخاب مجلس إدارة جديد يتسلم المهام.
– تعطى اللجنة الصلاحيات اللازمة للمباشرة بالاجراءات الآيلة إلى استئناف نشاط المصرف عن طريق التمويل أو الرسملة أو الدمج أو أي إجراء آخر شرط أن تقترن هذه الاتفاقات بموافقة المحكمة. كما تتخذ هذه اللجنة التدابير التي تراها ضرورية للمحافظة على فروع المصرف في الخارج كلها أو بعضها وعلى موجوداتها كلياً أو جزئياً شرط أن يكون ذلك في مصلحة مجموع الدائنين (المودعين) وبموافقة المحكمة.
تدابير تحمي ما أمكن
وتجدر الاشارة هنا إلى أن هذا التدبير من شأنه أن يحمي المصرف والمودعين من إمكانية تبديد الودائع والاصول عبر دعاوى قضائية محلية أو خارجية معزولة، إذ بمجرد احالة المصرف الى المحكمة المصرفية الخاصة، تتوقف المحاكم عن النظر بالدعاوى المقدمة او التي ستقدم اليها بالخصوص المذكور.
– في حال عدم تقديم اللجنة تقريرها في مهلة ستة اشهر من تعيينها يمكن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء تعيين لجنة نظامية خاصة تتابع خلال شهرين من تاريخ تعيينها مهام اللجنة السابقة مع تفويضها بالسعي لإيجاد حلول تؤمن مصالح اصحاب الحقوق بافضل الوسائل، لا سيما اجراء مساع لإيجاد مشتر او عدة مشترين للمؤسسة المصرفية وفروعها او لاسهمها.
– أما في حال فشل أو تعذّر كل ما سبق من مساعٍ، واذا تبين ان المصرف لا يستطيع متابعة اعماله، فيحال الملف إلى المحكمة من أجل تصفية المصرف بإشراف لجنة خاصة مهمتها إيجاد حلول تؤمّن مصالح أصحاب الحقوق بأفضل الوسائل السريعة ومنها بيع المصرف أو أسهمه وفروعه وأصوله.سوء نية مؤكد
في المقابل، أكد الوزير السابق آلان حكيم وجود سوء نيّة مؤكد لافلاس المصارف ومحاولة من قبل المنظومة الفاسدة للقضاء على كافة القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع المصرفي، لافتاً الى ان تشرذم القضاء وعدم وجود آليات موحدة وواضحة للتعامل مع الدعوى القضائية ضد المصارف أدّيا الى التشتت الحاصل والفوضى القائمة في السوق. واعتبر ان استنسابية الاحكام القضائية من دون اي وضوح او تصوّر، تصبّ في مصلحة أفراد معيّنين على حساب باقي المودعين.
ما كان يجب التصريح
وبالنسبة لتصريح امين عام جمعية المصارف رأى حكيم انها معلومات تقنية كان من الافضل عدم الاعلان عنها، «ولكن الهدف منها كان ايصال فكرة ان المصارف ليست بوضع يمكّنها من سداد اموال المودعين بالطريقة التي تفرضها عليها الاحكام القضائية»، مشدداً على ان السيولة موجودة والدليل ان معظم المصارف نجح في تأمين نسبة 3% من اجمالي ودائعه، لايداعها في الخارج، والبعض الآخر أمّن نسبة 2.8 او 2.7%.
محاولة صمود ولكن!
وفيما اكد ان المصارف بحالة مزرية جدّا اليوم، وتقترب من الافلاس المطلق نتيجة النقص بالسيولة وبالتحويلات المالية من الخارج التي لا تشفي غليل الاسواق اللبنانية، قال ان القواعد الاساسية للمصارف صلبة، «فلديها موجودات يمكن اعادة تقييمها ولديها علاقات متينة مع البنوك المراسلة واموال بالخارج وودائع لدى مصرف لبنان. وبالتالي لا تزال قادرة على الايفاء بموجباتها في حال فُتح لها المجال لذلك في اطار خطة شاملة ومعايير واضحة تضعها الدولة الى حين تطبيق الاصلاحات الجوهرية المطلوبة أوّلها انتخاب رئيس للجمهورية، اقرار الكابيتال كونترول، اعادة هيكلة المصارف، اعادة التفاوض مع الدائنين الاجانب…».
وختم حكيم مؤكداً ان المصارف تحاول الصمود وهي بحالة (survival mode ) الى حين التوصل الى الحلول، في حين ان المودع هو من يدفع الثمن، مستبعداً لجوء المصارف الى القانون 2/67 واعلان التوقف عن السداد.