لا تتفاءلوا: شروط صندوق النقد مضادة للحكومة والمصارف

بات لبنان حاضراً للاستئناف مفاوضاته مع صندوق النقد، مع تشكيل الوفد المكلّف بالشروع بهذا التفاوض من الجانب اللبناني، في حين أن الصندوق شرع أساساً بتلمّس أولويات الوزراء اللبنانيين المعنيين بهذه المفاوضات منذ تشكيل الحكومة، من خلال لقاءات واتصالات وديّة وبروتوكوليّة. ومن الجانب اللبناني، من الواضح أن ثمّة تفاؤلاً كبيراً في مستقبل هذه المفاوضات، بخلاف الأجواء التي أحاطت بمفاوضات حكومة دياب مع الصندوق، بالنظر إلى الرهان على إمكانيّة توحيد المقاربات اللبنانيّة اليوم، قبل التوجّه إلى الصندوق لمخاطبته بلغة واحدة.

لكن الرهان على توحيد المقاربات بين اللبنانيين الآن لا يكفي، لكون ذلك سيأتي عبر تماثل مقاربات الحكومة مع تلك التي يتبناها كل من مصرف لبنان والمصارف، مقابل إبعاد هذه المقاربة الجديدة عن رؤية الصندوق النقيضة تماماً للحل في لبنان. وهذا التباعد، سيؤدّي في النتيجة إلى تعثّر مسار المفاوضات، ما لم يقدّم الوفد اللبناني تنازلات محددة في عدّة ملفات الشائكة. لهذه الأسباب، وكما يبدو اليوم، سيكون هناك ألغام كبيرة على طريق لبنان باتجاه صندوق النقد، وهو ما يتعارض مع الأجواء الإيجابيّة التي تحيط بالاستعداد للمفاوضات.

رئيس الوفد اللبناني، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، يظهر في الشكل مقرّباً من أجواء صندوق النقد، الذي عمل لفترة كمدير فيه. كما يراهن البعض على خلافاته القديمة مع رياض سلامة، والتي يمكن أن تدفعه إلى مناوأة مقترحاته وتصوراته للحل. لكن في المضمون، تكفي جولة سريعة لمواقف الشامي السابقة حتّى يظهر أن الرجل كان حريصاً في العديد من المراحل على تحييد المصارف قدر الأمكان عن خسائر الأزمة. بل وتظهر للشامي مواقف رفض فيها حتّى تحميل المصارف كلفة خفض فوائد سندات الدين، رغم أن الدولة يفترض أن تفاوض المصارف اليوم على الاقتصاص من قيمة السندات نفسها، ناهيك عن فوائدها.

في المقابل، بدت أولى تصريحات وزير الاقتصاد لـ”رويترز” متفائلة بالمداولات التي يجريها مصرف لبنان مع المصارف، لصياغة تقديرات بديلة للخسائر، في حين أن هذه المداولات كان يفترض أن تكون من مهام الحكومة، في إطار مفاوضاتها مع جميع الأطراف لوضع خطّة متكاملة لكيفيّة معالجة الخسائر. أما سائر أعضاء وفد التفاوض الثابتين، فهم رياض سلامة نفسه، وزير الماليّة يوسف خليل، الذي مثّل رياض سلامة كمدير في مصرف لبنان خلال عدّة جلسات مع صندوق النقد، وقدّم مطالعات للدفاع عن مقاربات حاكم مصرف لبنان. مع العلم أن أسماء مستشاري رئيس الجمهوريّة شربل قرداحي ورفيق حداد لم تظهر في البيان الرسمي الذي أعلن عن تشكيل الوفد، ما يرجّح ضمّهم لاحقاً كإختصاصيين واستشاريين غير ثابتين.

لكل هذه الأسباب، يسود التفاؤل اليوم بإمكانيّة توحيد المقاربات اللبنانيّة، بمجرّد تبنّي الحكومة لمقاربات مصرف لبنان والمصارف التجاريّة، في مقابل تخلّيها عن الكثير من بنود الخطّة التي وضعتها حكومة حسان دياب، التي أُثارت اعتراض حاكم مصرف لبنان وجمعيّة المصارف. اللغم الأوّل الذي سيكمن في مفاوضات لبنان مع صندوق النقد، هو تقدير الخسائر الموجودة في النظام المالي. في أيام حكومة دياب، قدّرت شركة لازارد في نيسان من العام الماضي أن يكون حجم الخسائر المتراكمة في ميزانيات مصرف لبنان وحدها نحو 42.8 مليار دولار. وهذه المبالغ هي تحديداً قيمة بنود موجودة ضمن خانة الموجودات في ميزانيات مصرف لبنان، من دون أن تمثّل في الواقع أي موجودات فعليّة.

اليوم، وبعد أكثر من سنة وخمسة أشهر على تقديرات شركة لازارد القديمة، باتت قيمة الأصول التي تم تصنيفها كخسائر متراكمة في ميزانيات مصرف لبنان نحو 66 مليار دولار. ما يعني أن قيمة هذه الخسائر وحدها ارتفعت بنحو 54% بين الفترتين. وهذه الخسائر، يصر صندوق النقد على الاعتراف بها وتحديدها في سياق أي خطّة ماليّة سيتم التفاهم عليها مع لبنان خلال المرحلة المقبلة. وبما أن مقاربات مصرف لبنان، لا تعترف بهذه الخسائر بالطريقة نفسها، فهذه المسألة تعني ببساطة أن الهوّة بين مقاربات مصرف لبنان ووجهة نظر صندوق النقد باتت أكبر وأعمق، أكثر من العام الماضي.

وأخيراً، وبمعزل عن آليّات قياس الخسائر، سيكون هناك تجاذب حتمي ما بين معسكر المصارف وصندوق النقد في ما يخص طريقة توزيعها. وستواجه الحكومة تحدّي التوفيق بين انسجام أبرز أقطابها مع نظرة المصارف ومصرف لبنان للحل، والتي تقوم على الخصخصة كآليّة لمعالجة هذه الخسائر، وضرورة إنجاح التفاوض مع الصندوق، الذي لا يستسيغ فكرة تحميل خسائر الأنظمة المصرفيّة للأموال العامّة. وزيادة نسبة الخسائر التي ستحملها رساميل المصارف، كما يطلب الصندوق، سيتناقض مع مصالح الكثير من أقطاب الحكومة نفسها، وهو ما سيمثّل إشكاليّة كبيرة في عمليّة التفاوض.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةمصارف أجنبية تمتنع عن تحويل الأموال إلى لبنان
المقالة القادمةأصحاب المولدات يتمردون على الدولة ووزرائها: التسعيرة لنا!