رغم التأكيدات التي صدرت عن مسؤولين رسميين بأن أسعار الفوائد ستنخفض، إلا أن المعطيات السوقية تشير إلى أن الفوائد في لبنان لا تزال على مسار تصاعدي. جمعية المصارف أصدرت معدلات الفائدة المرجعية لتصبح 9.29% على الدولار و12.39% على الليرة، أي بزيادة نقطة مئوية على فائدة الدولار و0٫49 نحو نصف نقطة على فائدة الليرة مقارنة بالشهر السابق. هذه الفوائد المرتفعة لا تعكس درجة المخاطر في لبنان فحسب، بل تسهم في سحق ما تبقى شمن اقتصاد حقيقي
في 12 شباط 2019، أصدرت جمعية المصارف تعميماً (يحمل الرقم 68/2019) بشأن «معدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت»، وينصّ على أن مجلس إدارة جمعية المصارف قرّر في اجتماعه بتاريخ 12/2/2019 توصية المصارف الأعضاء اعتماد المعدلات الآتية بدءاً من مطلع شهر آذار: 9.29% في سوق بيروت للدولار الأميركي، و12.39% في سوق بيروت لليرة اللبنانية. ويضيف التعميم: «للتذكير، فإن هذه المعدلات لا تحلّ محل معدلات الفوائد المدينة الفضلى، بل تشكّل قاعدة لاحتسابها بعد إضافة نوعية مخاطر الائتمان والربحية بالنسبة للتسليفات والقروض بالدولار وبالليرة».
بهذه التوصية تكون أسعار الفائدة المرجعية على الدولار قد ارتفعت من 6.2% في 2016 لتبلغ 8.2% في كانون الأول 2018 و8.58% في كانون الثاني 2019، أي إنها ارتفعت 3 نقاط في غضون سنتين، وارتفعت نقطة مئوية منذ مطلع 2019 إلى اليوم. أما أسعار الفائدة المرجعية على الليرة فهي كانت 8.7% في نهاية 2017 ثم ارتفعت إلى 11.5% في نهاية 2018 و11.9% في نهاية كانون الثاني 2019، أي إنها زادت أكثر من 3 نقاط مئوية في غضون سنتين، وزادت 0.89 نقطة في 2019.
بحسب هذه الأرقام، بات واضحاً أن أسعار الفوائد تواصل الارتفاع رغم كل ما يشاع عن تطوّرات سياسية إيجابية ظهرت مع تأليف الحكومة. مذذاك، سرى اعتقاد خاطئ في الأسواق، بأن الأزمة المالية التي تخنق اقتصاد لبنان، توقفت عند حدّها ولم تعد قابلة لمزيد من التفاقم والتدهور، لأن عملية التأليف هي خطوة إيجابية قائمة بذاتها، وستعيد بناء «الثقة» اللازمة لتجاوز الأزمة. على الأقل هذا ما اعتاد أن يشيعه المصرفيون وكبار التجار وأصحاب الرساميل عموماً، بعد نهاية كل أزمة سياسية. درجوا على القول إن الأزمة منشؤها سياسي، وأن زوال الأسباب يؤدي إلى زوال النتائج. مروّجو هذه الأفكار يعتقدون، ربما، أن التصريحات الإعلامية تعيد بناء «الثقة» التي تدمّرت خلال السنوات الماضية ولم تعد قادرة على استقطاب الدولارات من الخارج. يخفون أن الأزمة بنيوية وليست ظرفية، بدليل أن ميزان المدفوعات يسجّل عجزاً متتالياً منذ 2011 إلى اليوم بلغ 14.8 مليار دولار. وفي منتصف عام 2016 ظهرت هشاشة هذه الثقة مع لجوء مصرف لبنان إلى الهندسات المالية التي شكّلت بديلاً من رفع أسعار الفائدة، إلا أنه بعد كلفتها الباهظة وزوال نتائجها خلال بضعة أشهر والانتقادات التي وجهها صندوق النقد الدولي لمصرف لبنان، عاد هذا الأخير إلى استعمال الأداة التقليدية لاستقطاب الدولارات من الخارج، أي رفع أسعار الفائدة.
بهذا المعنى، فإن أسعار الفائدة تعكس مستوى المخاطر في لبنان، إذ كلما تدهورت الثقة (مع عوامل أخرى طبعاً)، ارتفع مستوى الفوائد.
على رأس الشريحة التي تشيع الأجواء الإيجابية، يقف تجار العقارات الذين يقفزون فوق المنطق بادعاء أن أسعار العقارات قابلة لاستعادة مستوياتها المرتفعة السابقة، لا بل الارتفاع أيضاً بمجرّد تأليف الحكومة. كذلك هناك المصرفيون الذين يخوضون الأزمة بتفاصيلها من ارتفاع أسعار الفوائد، إلى تخلّف الزبائن عن السداد، والتحايل على الديون المتعثّرة من خلال عمليات إعادة الجدولة بالجملة والمفرق، ثم التركيز على المؤونات بدلاً من الخسائر، فضلاً عن جمود التسليفات، والصراع على الودائع، وصعوبة جذب التدفقات من الخارج… رغم كل ذلك يفضل المصرفيون «غشّ» الزبائن بكلام معسول على أمل بناء تلك «الثقة».
المشكلة أن فكرة تلميع وتجميل صورة النموذج المنهار لم تقتصر على هذه الشريحة، بل شملت أيضاً مسؤولين رسميين. فعلى سبيل المثال، استقبل رئيس الجمهورية ميشال عون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 5 شباط وتبلّغ منه «التطورات الإيجابية».
سلامة قال بعد اللقاء إنه بعد تشكيل الحكومة «أصبح الدولار معروضاً في السوق المحلية لشراء الليرة اللبنانية، وهذا يعيد تعزيز دور العملة الوطنية في الادخار». وفي اليوم التالي، أي في 6 شباط، استقبل عون وفداً من تجمّع رجال الأعمال. بعد الزيارة، صدر بيان عن المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري طمأن فيه عون بأن «كل المعطيات تبشّر بمرحلة صعود في لبنان لأن الازمات باتت وراءنا، والوضع المالي يتحسّن، ومن المتوقع أن تبدأ الفوائد بالانخفاض قريباً». أيضاً وزير الاتصالات محمد شقير كان يقول قبل تأليف الحكومة إن لبنان «على شفير الانهيار، يجب إنقاذ الوضع قبل فوات الأوان»، وبعد التأليف أعرب عن عدم رغبته في استخدام كلمة انهيار، لافتاً إلى أن «الأمل كبير في المستقبل».
هذه عيّنة عشوائية مما بعد التأليف. بقدر ما يبدو المشهد «غنياً» بالتفاؤل، إلا أنه في موازاة الوقائع السوقية يبدو مشهداً هزلياً. فالسوق لا تزال تعاني من نقص حادّ في الدولارات. بحسب مصادر معنية، فإن شركات الاستيراد تعاني للحصول على الدولار. شركات استيراد الأغذية وشركات استيراد الملابس وشركات استيراد المحروقات وكل الشركات التي تستورد سلعاً أساسية أو كمالية تتنافس على السيولة الشحيحة بالدولار المتوافرة لدى المصارف. فهذه الشركات تستورد سلعاً من الخارج وتدفع ثمنها بالدولار، وتبيعها في السوق المحلية بالليرة اللبنانية، أي إنها بحاجة إلى تحويل إيراداتها من الليرة إلى الدولار لتدفع ثمن مستورداتها، لكنها اصطدمت بشحّ السيولة بالدولار لدى المصارف. هذا الوضع لم يتبدّل منذ تأليف الحكومة إلى اليوم.
أكثر من ذلك، إن التعميم الذي أصدره مصرف لبنان والرامي إلى دعم القروض السكنية، كان مشروطاً بأن يكون لدى المصارف دولارات تحوّلها لدى مصرف لبنان إلى ليرات تستعمل في القروض المدعومة، إلا أنه تبيّن أن الغالبية العظمى من المصارف ترفض التخلّي عن سيولة الدولار مقابل قروض بالليرة على المدى الطويل، حتى وإن كانت هذه القروض مدعومة وتحقق للمصارف أرباحاً مهمة. ورغم أن هذا الدعم لا يغطّي أكثر من ربع الطلب على القروض السكنية، إلا أنه لا ترجمة فعلية له في السوق بسبب الشحّ في الدولارات.
في الواقع، هناك تقصّد في إغفال الارتفاع الذي طرأ على أسعار الفائدة على سندات الخزينة بالليرة في مطلع السنة الجارية بعد ضغوط واسعة قادها مصرف لبنان وجمعية المصارف. أسعار الفائدة ارتفعت من 7.46% إلى 10.5%، ما يرتّب تداعيات كارثية على خدمة الدين العام. خلال ثلاث سنوات سترتفع خدمة الدين إلى 11600 مليار ليرة، أي 7.7 مليارات دولار.

مصدرجريدة الاخبار - محمد وهبة
المادة السابقةلبنان: قيمة القروض السكنية 13 بليون دولار
المقالة القادمةفضائح أساتذة الرسمي: يقبضون أكثر من 5 ملايين ليرة.. ويتقاضون منحاً عن أولادهم بالخاصة