ربما بات ملحاً إطلاق سياسة إسكانية متكاملة في لبنان، ويمكن أن تكون بنداً من ضمن ورشة الإصلاح التي تعهدتها حكومة “إلى العمل”، بعدما استُنفدت صيغ تمويل القروض السكنية من المصارف بفوائد مدعومة، التي هندسها مصرف لبنان المركزي على مدى سنوات. والخبراء في مجال هذه السياسة، يرون فيها ترجمة لدورالدولة في رسم إطار يتيح للمواطن الاختيار بين الإيجار أو الاقتراض لتملّك مسكن أو الإيجار التملّكي، وخلق الإطار القانوني والاستثماري الذي يشجع القطاع الخاص على تطوير مشاريع سكنية بشروط تلائم أوضاع ذوي الدخل المحدود، عبر توفير حوافز منها تقديم الأرض. فأزمة التمويل التي أفضت إلى وقف التسليف السكني خلال العام الماضي ستستمر، ولن يعالج التعميم الجديد لمصرف لبنان المركزي سوى جزء منها، لأن المبلغ المرصود لا يكفي سوى لتغطية ألف طلب، في وقت تتريّث المصارف في استئناف دعم القروض السكنية.
وقد عزت مصادر مصرفية لـ “الحياة”، هذا التريث إلى الآلية المعتمدة غير المشجعة، إذ تلزم البنوك شراء الليرة اللبنانية من مصرف لبنان المركزي، بمعنى أنهامضطرة إلى الاستغناء عن جزء من أموالها بالدولار. وتقضي الآلية بإيداع المبالغ المحوّلة من الدولار إلى الليرة في حساب خاص لدى المصرف المركزي لاستخدامها فقط في تمويل التسليفات السكنية المدعومة. وأوضحت أن هذه التسليفات لا تدخل في احتساب نسبة التسليفات إلى الودائع بالليرة، والتي حددها المركزي بـ 25 في المئة.وأفادت هذه المصادر بأن هذا الإجراء يستهدف إدارة السيولة في السوق اللبنانية من جانب المصرف المركزي، لحفز المصارف على تشجيع المودعين على الادخار بالليرة.
وأكد رئيس المؤسسة العامة للإسكان روني لحود في حديث إلى “الحياة”، أن المبلغ الذي رصده مصرف لبنان المركزي في التعميم الأخير لتلبية القروض السكنية والبالغ 300 بليون ليرة، “يكفي لتغطية الطلبات المنجزة وعددها نحو 1000 “. وقال “كان مفترضاً بتّ 10 آلاف قرض عام 2018 وهذه السنة، إذ كان يجب على المؤسسة تلبية 5000 طلب خلال العام الماضي، منها ألفان منجزة ويبقى 3000، تُضاف إليها ملفات القروض العائدة للقوى الأمنية وعددها 800 ، فيما نتوقع ورود 5000 طلب هذه السنة، فيكون العدد 10 آلاف، ما يعني أن المبلغ يلبي فقط الألف طلب أي 10 في المئة من العدد الإجمالي”.
وعما تقترحه المؤسسة لاستعادة دورها الطبيعي، أعلن لحود ضرورة “رفع قيمة الرزمة التي خصصها مصرف لبنان”. ولم يغفل أيضاً المطالبة بـ “إعادة النظر في التعميم الرقم 503 الذي يحظر على المصارف الاستدانة بأكثر من 25 في المئة من الأموال المودعة لديها”، لافتاً إلى أن “البنوك غير مستعدة للتخلي عن أموال بالدولار واستبدالها بالليرة، وقد انعكس ذلك تباطؤاً في المباشرة بعمليات الإقراض”.
وأعلن كبير الاقتصاديين ورئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في “مجموعة بنك بيبلوس” نسيب غبريل، أن التعميم الأخير للمصرف المركزي “لا يستهدف فقط دعم القطاع السكني، بل هو يمثل سلة تحفيزية متكاملة للقطاعات الانتاجية واقتصاد المعرفة والتعليم العالي والقروض الصغيرة وتلك المدعومة من مؤسسة “كفالات”. ولفت إلى أن “قيمة القروض السكنية للمقيمين المنصوص عليها في التعميم بلغت 790 بليون ليرة، منها 300 بليون لتغطية القروض الجديدة التي ستُقدم هذه السنة، و490 بليون ليرة تغطي قيمة القروض السكنية التي أمّنت المصارف الدعم لها من أموالها الخاصة خلال عام 2018، والتي سيباشر دعمها مصرف لبنان بدءاً من هذه السنة”.
وتوقع غبريل أن “تحرّك هذه الرزمة الجديدة عجلة القطاع العقاري، نظراً إلى الطلب اللافت على الشقق الصغيرة”، موضحاً أنها “ستحيي عمليات الشراء بعد تريّث الراغبين في شراء مسكن، للحصول على قرض مدعوم”.
ودعا إلى ضرورة أن “تبادر السلطات التنفيذية والتشريعية إلى التخطيط لسياسة إسكانية متكاملة، تؤمن للبنانيين فرص تملّك او استئجار منزل، إذ ليست مهمة او مسؤولية المصرف المركزي والمصارف التجارية تأمين دعم القروض السكنية الى ما لا نهاية، خصوصاً أنها دعمت الفائدة على القروض السكنية على مدى تسع سنوات (2009 – 2018)، أي ان الجهاز المصرفي فسح المجال أمام السلطات لتطوير مثل هذه السياسة، وهي من مسؤوليتها وليستمن مهمّات المصرف المركزي والمصارف”.
وحضّ غبريل الدولة على أن “تشجع على بناء مشاريع سكن لذوي الدخل المحدودمن خلال تقديم الأراضي بشروط واضحة ينفذها ويديرها القطاع الخاص، وتتولى هي التشريع والرقابة، وتلزم المطور بناء مساكن للطبقات الفقيرة تحديداًبهامش ربح بسيط، كي تتمكن من شراء منزل بأسعار معقولة”.
ونفى غبريل ما يُشاع عن أن المصارف “لم تموّل قروضاً سكنية مدعومة خلال العام الماضي”، مؤكداً أنها “وفرّت التمويل لـ 1100 قرض على الأقل، يعود جزء كبير منها إلىمواطنين تأهلوا للقروض الموافق عليها من المؤسسة العامة للإسكان”.
وعن حجم التسليفات السكنية من المصارف، كشف غبريل أنها “بلغت 13 بليون دولار حتى أيلول (سبتمبر) 2018 “. ولفت إلى أن “قيمة التسليفات لقطاعات المقاولين والمطورين العقاريين والمقاولين من الباطن، وصل إلى 11.2 بليون دولار في أيلول 2018 “. وعن النسبة التي يشكلها القطاع العقاري في الاقتصاد، قال إنها “تبلغ 15.4 في المئة من الناتج المحلي”.
وإذا كان يوجد مخزون من الشقق، أوضح غبريل أن “الأرقام المتداولة تشير إلى 4000 شقة بين فخم ومتوسط وكبير في بيروت وضواحيها”، وأكد أن على السلطة التنفيذية إيجاد الآليات المناسبة لحفز الطلب على هذه الشقق، بدلاً من استخدام السياسيين للخطاب الشعبوي لانتقاد القطاع والمطورين والمصارف”.
وأوضح رئيس جمعية منشئي وتجار الأبنية في لبنان إيلي صوما، أن “للطلبات المقدمة والمنجزة العام الماضي أفضلية في الاستفادة من هذه الرزمة”. وأكد أن “لا مخزون كبيراً من الشقق، والعرض يساوي الطلب تقريباً، إذ اعتمد منشئو الأبينة منذ سنوات سياسة بناء تنسجم مع الطلب في السوق”.
ولفت إلى أن “أسعار الشقق تراجعت بنسبة 20 في المئة”. وعن الأرباح، أشار إلى أنها “لا تتجاوز نسبة 10 في المئة”.
وأعلن صوما، أن الجمعية تنظم زيارات إلى دول عربية يعمل فيها لبنانيون ولبلدان ينتشر فيها اللبنانيون، حيث تلتقي الجاليات، بهدف التشجيع على شراء مساكن في لبنان، وقال “نجحنا في عقد صفقات، وسنكمل جهدنا في هذا الإطار، لاستقطاب اللبنانيين المقيمين في الخارج للاستثمار في العقار والتملّك في لبنان”.

مصدرصحيفة الحياة - دانيال الضاهر
المادة السابقة%100 معدل إشغال فنادق أبوظبي تزامنا مع معرض الدفاع الدولي
المقالة القادمةلبنان: أسعار الفائدة تواصل الارتفاع