لبنان مهدد بتضخم الفقر في حال تعذّر تأمين دعم للسلع الأساسية

تعدى احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة سريعا «الخط الأحمر» الذي حدده الحاكم رياض سلامة، بعدما أظهرت أحدث البيانات المالية لميزانية البنك المركزي تقلصا فاق 1.5 مليار دولار في النصف الثاني من شهر أغسطس (آب) الماضي مراكما بذلك انكماشا بنحو 8.5 مليار دولار منذ بداية العام.

وبينما تظهر الحصيلة «المحاسبية»، والتي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، هبوط الاحتياط إلى نحو 28.5 مليار دولار مطلع هذا الشهر، مقارنة بنحو 30 مليار دولار منتصف الشهر الماضي، تدلل الوقائع الموضوعية أن الاحتياطات المؤكدة هبطت دون 15 مليار دولار، وربما بلغت مستوى 14.5 مليار دولار فعليا. فالرقم المعلن يتضمن نحو 5 مليارات دولار كسندات دين دولية (يوروبوندز) محمولة من البنك المركزي، كما يتضمن نحو 9 مليارات دولار زودها للبنوك بمثابة قروض بالعملات الأجنبية.

ومع وجوب استبعاد «دولارات محفظة اليوروبوندز» التي تشكل جزءا من ديون الدولة بالعملات الأجنبية، والتي قررت في مارس (آذار) الماضي «تعليق» دفع أصولها ومردودها، ترى مصادر مصرفية أنه «ينبغي النظر بتمعن في القدرات المحدودة للجهاز المصرفي على ضخ سيولة بالعملات الأجنبية من احتياطاته الخارجية». علما بأن المصارف تمتنع منذ عدة أشهر عن صرف الدولار إلى مودعيها وتستبدله بالليرة ضمن سقوف محددة شهريا، وبسعر يوازي تقريبا نصف سعر التداول في الأسواق الموازية. كما يتم تقييد التحويلات إلى الخارج بشروط تعجيزية، بذريعة عدم توفر السيولة بالدولار لدى المصارف.

في الواقع، يرصد تقرير مصرفي أن «ودائع المصارف اللبنانية الموظفة في المصارف الأجنبية، والتي تمثّل المصدر الرئيسي للأوراق النقدية بالدولار الأميركي المخصصة لاحتياجات السيولة، قد وصلت إلى مستوى منخفض قياسي بلغ 4.5 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران)، في حين أن المطلوبات تجاه القطاع المالي غير المقيم تصل إلى 7.7 مليار دولار، مما يشير إلى أن صافي وضعية السيولة بالعملات الأجنبية بات سلبياً عند 3.2 مليار دولار.

ووفق أحدث البيانات المالية المجمعة للجهاز المصرفي، اخترق المستوى الحالي للاحتياطيات مستوى الاحتياطيات الإلزامية التي يفرضها مصرف لبنان على الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك، إذ يبلغ إجمالي ودائع العملاء المحررة بالعملات الأجنبية لديها نحو 114 مليار دولار. وهي موزعة بين نحو 88 مليار دولار لحسابات مقيمين، ونحو 26 مليار دولار لحسابات غير المقيمين. وبذلك يقدر أن يصل الاحتياطي الإلزامي «نظريا» إلى نحو 17 مليار دولار، وهو مستوى قابل للانخفاض جزئيا، حيث سبق للبنك المركزي أن مكن المصارف من الاستمرار بتنزيل الالتزامات الخاضعة لجزء من الاحتياطي الإلزامي لآجال متناسبة، وتنزيل الاحتياطي الإلزامي مقابل الصكوك والسندات والإيداعات والقروض (المدعومة) التي تم الاستفادة مقابلها من هذه التنزيلات قبل تاريخ 20 – 10 – 2017 كما تعفى مصارف الأعمال ومصارف التسليف المتوسط والطويل الأجل من تكوين الاحتياطي الإلزامي.

وتبعا لتأكيدات سلامة، فإنه سيتعذر خلال أشهر قليلة الاستمرار في الوضعية الحالية للتمويل المدعوم، فهو لن يمس بالاحتياطي الإلزامي للمصارف، وسيتوقف – عند بلوغه – عن دعم تمويل السلع الاستراتيجية بالسعر الرسمي البالغ 1515 ليرة للدولار، وتمويل استيراد مئات السلع الغذائية الرئيسية بسعر نصف مدعوم يبلغ 3900 ليرة للدولار. مع الإشارة إلى أن حجم التمويل المدعم لا يقل عن 10 مليارات دولار سنوياً، تغطي تمويل المنتجات الاستراتيجية للاستهلاك (القمح والأدوية والمحروقات)، وتمويل سلة المواد الغذائية الحائزة موافقة وزارة الاقتصاد بالدعم المدعومة، وتمويل المحروقات لمؤسسة الكهرباء وتغطية تدخل البنك المركزي في سوق العملات الأجنبية.
ويعول البنك المركزي على انطلاق الحكومة الجديدة واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الوعود الفرنسية بحشد الدعم الدولي للبنان. فوقف الدعم عن السلع الأساسية سيفضي فورا إلى ارتفاعات صاروخية في نسبة التضخم وإلى ضم فئات جديدة إلى خط الفقر الذي يرزح تحته حاليا أكثر من نصف المقيمين في البلاد. فالسعر الواقعي لتداول الدولار في السوق الموازية يحتفظ بمستوياته المرتفعة بما يقارب 7400 ليرة، وتسعير السلع الاستهلاكية يتم على مستويات أعلى، بحيث لم يتبق للمستهلكين من رمق سوى السلع المدعومة، وبالأخص الخبز والدواء والنقل.

وتكمن الطريقة الوحيدة لكسر هذه الحلقة المفرغة، وفقا لتقديرات مصرفية، في تأمين المساعدة الأجنبية، والتي تتطلب بدورها برنامجاً كاملاً مع صندوق النقد الدولي يضمن الحصول على قرض مباشر من الصندوق، بالإضافة إلى التأثير المحتمل غير المباشر على المانحين الآخرين، في حالة وجود مثل هذا البرنامج. علما بأن جولات المفاوضات السابقة – التي ناهزت العشرين والتي قادتها الحكومة المستقيلة – اتسمت بالتخبط والاختلاف في التوصيفات والمقاربات والأرقام بين أعضاء الفريق اللبناني الواحد، مما تسبب بتعثرها وتجميدها قبل أن تتوقف تلقائيا بعيد الاستقالة.

 

مصدرعلي زين الدين - الشرق الاوسط
المادة السابقةسوريا.. ترخيص شركة طيران جديدة
المقالة القادمة“أدنوك” الإماراتية تستقطب استثمارات أجنبية بنحو 3 مليارات دولار