فجرت الحكومة اللبنانية أزمة جديدة في قطاع الاتصالات حينما سمحت للشركات بمضاعفة أسعار الخدمات للمواطنين وسيكون العمال الأجانب الأكثر تضررا من هذه الخطوة.
ورفعت شركات الاتصالات والإنترنت الجمعة الماضي أسعار خدماتها بنحو 5 أضعاف تنفيذا لقرار سابق أصدرته وزارة الاتصالات في مايو الماضي.
وأصبحت كلفة الاشتراك الشهري للخطوط الخلوية نحو 125 ألف ليرة (5 دولارات) بعدما كانت عند نحو 23 ألف ليرة (نحو دولار واحد)، بالإضافة إلى زيادة أسعار باقات الإنترنت بنفس النسبة تقريبا.
وتقول وزارة الاتصالات إن تعديل الأسعار هدفه منع انهيار هذا القطاع في البلاد، وأن هذا الإجراء كان لا بد منه، تماشيا مع الارتفاع الحاد لأسعار المحروقات، وهبوط قيمة العملة المحلية مقابل الدولار.
ونسبت وكالة الأناضول إلى مصدر قريب من وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم، لم تكشف عن هويته، قوله إن زيادة الأسعار هدفها “تأمين استمرارية الاتصالات والإنترنت في لبنان، وليس تأمين أموال إضافية للخزينة العامة”.
وفي أواخر العام الماضي، حذرت وزارة الاتصالات من انقطاع الاتصال والإنترنت بالبلاد تدريجيا بسبب الأزمة المالية وشح الوقود.
ومنذ أكثر من عامين ونصف يعاني لبنان أزمة اقتصادية ومالية طاحنة تسببت في تدهور حاد في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، وارتفاع معدلات الفقر بشكل غير مسبوق.
وبينما ترفض شريحة واسعة من الأوساط الشعبية هذه الزيادة، يشعر العمال الأجانب أيضا من بينهم عاملة النظافة نويل موسانغا بالخوف من أن ينقطع آخر شريان حياة يربطها بأسرتها وعملها.
وتكسب هذه العاملة أموالا بالكاد تكفيها لتأمين احتياجاتها، لكن الآن وبسبب ارتفاع تكاليف الاتصالات سيتعين عليها ترشيد الإنفاق للتواصل مع أقاربها ومع أرباب العمل المحتملين.
وقالت موسانغا التي تقيم بمنطقة برج حمود كثيفة السكان الواقعة على مشارف بيروت لوكالة رويترز “سأصبح مثل من سقط في حفرة عميقة”.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، يقيم في لبنان نحو 250 ألف عامل مهاجر أغلبهم من أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا.
وعادة ما تخضع إقامتهم لنظام الكفالة الذي تقول المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان إنه يعطي صاحب العمل سيطرة زائدة على حياة العاملين.
وزاد الانهيار المالي الذي يشهده لبنان منذ ثلاث سنوات من معاناة العمال المهاجرين، إذ يتخلص أرباب الأعمال من العمالة المنزلية ويتركونهم في الشوارع بعد أن أصبحوا غير قادرين على دفع رواتبهم الشهرية التي تتراوح بين 150 و400 دولار.
ولجأ بعض العاملين إلى العمل الحر، ويقيمون على حسابهم ويقومون بأعمال التنظيف أو رعاية الأطفال لكسب عيشهم.
لكن هذه الأعمال تزداد صعوبة كل يوم. فقد خسرت الليرة 95 في المئة من قيمتها في حين ارتفعت تكاليف المواد الغذائية واستخدام وسائل المواصلات بنحو 11 مثلا.
والإنترنت هي التحدي التالي الكبير. وحتى الشهر الحالي كان قطاع الاتصالات اللبناني مستمرا في استخدام السعر الرسمي للصرف وهو 1500 ليرة للدولار في المحاسبة على فواتير المكالمات وخدمة الإنترنت.
ومع تراجع الإيرادات لم تتمكن الدولة من استيراد الوقود الكافي لتشغيل محطات الاتصالات مما تسبب في انقطاع الخدمة خلال عام 2021.
ولإصلاح ذلك قالت الحكومة إن رسوم الاتصالات ستحسب على أساس سعر صرف أقل كثيرا وأكثر مرونة تحدده منصة صيرفة الحكومية.
وتقول مجموعة أس.أم.إي.إكس المدافعة عن الحقوق الرقمية إن خطة الحكومة ستؤدي إلى زيادات تصل إلى أربعة أمثال في فواتير العملاء.
وسيتعين على المستهلكين اليوم الاختيار بين الدفع مقابل الحصول على خط اتصال منزلي أو خط محمول من المرجح أن يقللوا من استخدامه للحفاظ على باقاتهم المحدودة من الاستهلاك.
كما ستشكل هذه الزيادات خطرا أكبر على العمال الذين يسعون للهروب من أرباب العمل الذين يسيئون معاملتهم.
وتعني تكلفة المعيشة المرتفعة في كل النواحي أن العمال المهاجرين لن يتبقى لهم أي شيء تقريبا لإرساله في تحويلات إلى أقاربهم في مسقط رأسهم.
ودعا النائب السابق نبيل نقولا وزير الاتصالات جوني القرم في كتاب إلى وقف تعميم رفع تعرفة الهاتف الخلوي “وخصوصا بعد صدور قرار مجلس شورى الدولة بوقف التنفيذ، في انتظار القرار النهائي”.
واعتبر في بيان نشرته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن هذا القرار غير قانوني وفي حاجة إلى موافقة مجلس النواب بسبب الموجبات المالية.
وقال نقولا إنه “بدلا من اتخاذ هذه الخطوة كان الأجدى تحسين الخدمات”، مشيرا إلى أن “ما حدث في سريلانكا يمكن أن يحصل في لبنان”.
واعتاد قطاع الاتصالات، الذي كان يوما منجم ذهب للدولة، أن يخصص معظم إنفاقه لدفع الرواتب والإيجارات ودعم البنى التحتية.
لكن مع تراجع الإيرادات بقوة باتت الكلفة الأكبر لشركتي ألفا وتاتش المحتكرتين للقطاع واللتين عادتا إلى أيدي الدولة عام 2020 تُخصص للإنفاق على المولدات لتشغيل الشبكة المتعثرة بعد أن أدت الأزمة الاقتصادية العميقة إلى انقطاع الكهرباء وانهيار العملة.
وبينما تتنافس شركات الاتصالات في دول العالم للحصول على عروض أفضل للمشتركين أو تحديد كيفية التحول إلى شبكات الجيل الخامس، تكافح شركتا الاتصالات في لبنان لإبقاء الهواتف المحمولة في الخدمة وإيقاف سرقة الكابلات التي باتت ظاهرة معتادة.
وبحساب القيمة بالدولار يبلغ حجم الإيرادات في الوقت الراهن 5 في المئة فقط مما كان عليه قبل الأزمة التي تفجرت في 2019، مما يوضح حجم انهيار الليرة الذي رفع قيمة السلع المستوردة إلى مستوى بعيد جدا عن المتناول.
وحققت شركة تاتش وحدها ما يقرب من 850 مليون دولار في عام 2018 عندما كان سعر الصرف 1500 ليرة أمام الدولار.
ولكن بحساب سعر الصرف الحالي الذي يبلغ قرابة 35 ألف ليرة للدولار، تقلص المبلغ إلى ما يعادل 45.5 مليون دولار في المتوسط خلال العامين الأخيرين.