أكدت وزيرة السياحة لورا لحود أن قطاع السياحة في لبنان كان من بين القطاعات القليلة التي حافظت على تماسكها.
وشرحت لحود خلال مشاركتها في مؤتمر Beirut One الذي تنظمه وزارة الاقتصاد والتجارة، الركائز الأساسية لجذب السائح والمستثمر من خلال الحفاظ على الجودة التي تقدمها المؤسسات وتوجيه الاستثمار نحو قطاعات تتوافق مع هوية لبنان وموقعه، إضافة إلى ربط هذا القطاع بالتحوّل الرقمي.
كما أشارت في مداخلتها إلى أهمية أن يصبح المغترب اللبناني شريكاً اقتصادياً وسفيراً للسياحة من خلال تسهيل الاستثمار وتفعيل دور السفارات وتقديم حوافز مالية.
نَجْتَمِعُ اليَوْم في مَرْحَلَةٍ قَدْ تَكون الأَدَقّ مِن تاريخ لبنان الحَديث. فَالظُّروف التي مَرَّتْ بِها البِلاد تَرَكَتْ أَثَرًا عَميقًا في ثِقَةِ المواطنين وَالمسْتَثْمِرين عَلى السَّواء.
لكِن، رُغْمَ الجَدَل القائِم حَوْلَ الحَجْمِ الحَقيقي لِلناتِجِ المَحلّي، إِلّا أَنَّ أَكْثَر التَّقْديرات تَحفُّظًا تَضَعُ القِطاع السِّياحي عِندَ ما لا يَقِلّ عَنْ ٢٠ في المِئة مِن الاقْتِصاد، أَي ضِعْفِ المُعَدَّل العالَمي لِهذا القِطاع. وَهذِهِ نِسْبَةٌ كافية لِنُدْرِك الأَهَمِّيَّة الاسْتراتيجِيّة لِلقِطاع السّياحي، لِلُبنان الحاضِر وَلبنان المُسْتَقْبَل. فَقِطاع الخَدَمات في لبنان، لا سِيَّما الخَدَمات السِّياحِيَّة، كانَ مِنْ بَيْنِ القِطاعات القَليلَة التي حافَظَت عَلى تَماسُكِها، بَلْ واصَلَ القِطاع أَداءَهُ بِجُودَةٍ لافِتَة رُغْمَ التَّحَدِّيات.
وهذِهِ الحَقيقَة لَيْسَتْ تَفْصيلًا، لِأَنَّ تَحْويل هذِهِ الخِبْرَة المُتَراكِمَة إِلى هَوِيَّة اقْتِصادِيَّة مُسْتَدامَة هُوَ أَحَد المَسارات الواقِعِيَّة لاسْتِعادَة النُّمو.
السُّؤال المَطْروح أَمامَنا اليَوْم هُوَ: كَيْفَ يُمْكِن لِهذِه الـ”Lebanese Experience”، بِمِعْناها المُزْدَوِج، أَي “الخِبْرَة اللّبنانية” وَ “التَّجْرِبَة الّلبنانِيَّة” في الضِّيافَة وَالخَدَمات أَنْ تَتَحَوَّل إِلى مِيزَة تَنافُسِيَّة مُنَظَّمَة تَجْذُبُ السَّائِح وَالمُسْتَثْمِر مَعًا؟
أَوَّلًا: الجُودَة بِوَصْفِها ممارَسَة مُؤَسَّساتِيَّة لا انْطِباعًا عامًّا وَقَدْ رَكَّزَت وِزارَة السّياحَة خِلال الأَشْهُر التِّسْعَة الماضِيَة عَلى تَثْبيت هذِه المَعايير عَبْرَ: تَطْوير بَرامِج التَّدْريب في نِقاط العُبور، وإِنْشاء جُسور تَعَاوُن بَيْنَ النَّقابات وَالجامِعات وَالبَلَدِيّات وَالمُؤَسَّسات الأَهْلِيَّة وَالمبادَرات التَّرويجِيَّة، بَهَدَف تَقْديم تَجْرِبَة متَناسِقَة وَقابِلَة لِلْقِياس وَالمتابَعَة، وَهْوَ شَرْطٌ أَساسي لِأَي اسْتِثْمار جَدّي في قِطاع الخَدَمات.
ثانِيَا: تَوْجيه الاسْتِثْمار نَحْوَ قِطاعاتٍ تَتَوافَق مَع هَوِيَّة لُبنان وَمَوْقِعِهِ لا نَبْحَث عَنْ تَوْسيعٍ عَشْوائي لِأَنْماطِ السِّياحَة، التي يُمْكِن أَنْ تُوَلِّدَ قيمَةً مُضافَة حَقيقِيَّة في الاقْتِصاد.
وَتَبْرُز ثَلاثَة مَسارات رَئيسِيَّة تُظْهِر اليَوْم طَلَبًا مُتَنامِيًا في المِنْطَقَة:
السِّياحَة الثَّقافِيَّة وَالتُّراثِيَّة:
السِّياحَة البيئِيَّة وَالجَبَلِيَّة:
سِياحَة الأَعْمَال وَالمُؤْتَمَرات وَالفَعالِيَّات:
وَفي كُلّ هذِهِ المَجالات، يَجِبُ الاعْتِراف بِدَوْر المَطْبَخ اللُّبناني وَقِطاع المَأْكولات وَالمَشروبات كَإِحْدَى أَقوى الرّافِعات لِتَظهير عَلامَة الأَصالَة وَالابْتِكار وَالتَّمَيُّز، وَفي إِعادَةِ جَذْب أَي زائِرٍ إِلى لُبنان.
ثالثاً: رَبْط التَّجْرِبَة بِالتَّحَوُّل الرَّقْمي وَبِالفَضاء الاقْتِصادي الإِقْليمي وَلِهذا نَعْمَل عَلى:
الاسْتِفادَة مِن الآفاق التي يَفُتَحُها الذَّكاء الاصْطِناعي في اقْتِراح أَكْثَر التَّجارِب المُلائِمَة لِذَوْق كُل سائِح، تَسْهيل آلِيَّات التَّبْليغ عَنِ الشَّكاوَى، تَوْفير بَيانات شَفَّافَة تُمَكِّن المُسْتَثْمِر مِنْ تَحْليل السُّوق بِوُضوح، تَحْسين رَبْط لُبنان بِالخارِج عَبْرَ النَّقْل الجَوِّي وَالبَحْرِي وَالبَرِّي.
فَالقِطاع السِّياحي يَعْتَمِد عَلى سلْسلَة خَدَمات تَمْتَد مِنْ لَحْظَة الدُّخول إِلَى لَحْظَة المُغادَرَة، كُلُّ حَلَقَة فيها تُسْهِمُ في اسْتِعادَة الثِّقَة.
إِنَّ تَحْويل “الخِبْرَة اللُّبْنانِيَّة” إِلى هَوِيَّة اقْتِصادِيَّة لا يَقُوم عَلى الوُعود، بَلْ عَلى قُدْرَة مُؤَسَّساتِنا عَلى تَقْديم خِدْمَة جاذِبَة لِلتِّكْرار، قَابِلَة لِلتَّطْوير، وَقادِرَةَ عَلى إِظْهار تَمَيُّزٍ عَنْ أَسْواقِ الِمنْطَقَة الزّاخِرَة بِمَوارِد مالِيَّة وَتِكْنولوجِيَّة تَفوق بِأَشواط ما هُوَ مُتَوَافرٌ في لبنان.
وَإِذا تَمَكَّنّا مِنْ تَرْسيخ هذِهِ القَواعِد، نَسْتَعيدُ السَّائِح، وَنَسْتَقْطِبُ المُسْتَثْمِر، وَنَضَع أُسُسَ نُمُوٍّ حَقيقي، يَعْتَمِدُ عَلى بِناءِ العَلاقات الإنْسانِيَّة الرّاسِخة وَيَعْكِسُ الفِطْرة اللّبنانِيّة وَجَوْهَرُها الكَرَم وَالضِّيافة.



