لعنة النفط والغاز في لبنان… مثل غانا والموزمبيق!؟

أكد سامي عطاالله المدير المؤسس لـ”مبادرة سياسات الغد” ان موضوع تأثير ترسيم الحدود البحرية، وبداية التنقيب عن النفط والغاز في لبنان، هو الموضوع الذي يشغل كل لبناني هذه الأيام. مشيراً الى ان أكثر الكلام الذي نسمعه عن هذا الموضوع لا يتعدى التعليب السياسي والإعلامي: انجاز، انتصار، تطبيع، افضل الممكن… كلها مصطلحات نسمعها يومياً في البيانات والخطابات والتصريحات الرسمية عن ملف النفط والغاز. وبرأيه، فان استعمال مصطلحات عامة كهذه يؤكد ان الطبقة الحاكمة لا تتعاطى مع الملف بشكل علمي لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية السياسية، وهذا ليس بجديد على اداء هذه الطبقة الحاكمة للبلد. وفي ما يلي ما جاء في مطالعة عطالله كما هي على موقع «مبادرة سياسات الغد» تحت عنوان «النفط والغاز… نعمة أم لعنة»:

ليس صحيحاً ان اكتشاف النفط والغاز في بلد معين يعني تلقائياً ازدهاراً اقتصادياً في هذا البلد. هذه الحقيقة، للأسف، لا يسمعها الشعب اللبناني من المسؤولين.

منذ انتهاء مفاوضات ترسيم الحدود ولغاية اليوم، كل ما نسمعه هو تهنئة الطبقة السياسية لبعضها البعض وللشعب اللبناني بانجاز تاريخي، نحن، في الواقع، لسنا بالقرب منه. والغريب أن أي حديث علمي أو موضوعي او نقدي عن ملف التنقيب عن النفط والغاز يتم تصويره تشاؤماً او مناكفة. وهذا دليل على نية الطبقة الحاكمة بالتعامل مع الملف بطريقتها المعهودة: ما من أحد يسأل، ولا يعلق ولا يشكك، ولا حتى يفهم كيف يمكن ان يديروا هذا الملف!

غياب الإطار العلمي والمنهجي

هذه المقاربة ليست مسؤولة ولا مقبولة. واذا كان هذا هو الأسلوب الذي حكم ادارة البلد في السنوات الثلاثين الماضية، فاليوم ليس لدينا ترف الاستهتار بثروات لبنان.

ولأن لبنان أبرم اتفاقية ترسيم الحدود ودخل مرحلة التنقيب عن النفط والغاز، اصبح لزاماً وضع الملف في اطار منطقي ومنهجي:

اولاً: ليس لدينا اليوم أي تقدير دقيق وعلمي لحجم وقيمة الموارد النفطية غير المسوحات الزلزالية ثلاثية الابعاد، والتي ليست بديلاً عن الاستكشاف بالحفر والذي لم يبدأ بعد.

ثانياً: بغض النظر عن القيمة (المحتملة) لهذه الموارد، فلن تكفي لتسديد خسائر البنوك ومصرف لبنان والتي تبلغ 70 ملياردولار على الأقل.

ثالثاً: هذه الثروات هي ملك الشعب اللبناني بأكمله وللأجيال المقبلة، ولا يجوز استخدامها لتسديد خسائر سابقة سببها الهدر والفساد وطمع أصحاب الثروات. استخدام هذه الثروة الجديدة يضرب مبدأ المحاسبة والمسؤولية، ويمهد لسرقات أكبر في السنوات المقبلة.

والأخطر من ذلك أن اكتشاف هذه الموارد سيتم استخدامه كحجة من الزعماء والسياسيين لتفادي كلفة الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها لبنان لمعالجة ازمته، مثل الاصلاح المالي والنقدي واعادة هيكلة القطاع المصرفي، واصلاح مؤسسات أساسية مثل القضاء لجهة منحه الاستقلالية.

المناكفات مستمرة وتضييع الفرص أيضاً

ادارة هذا القطاع من الحكومات السابقة ومجلس النواب يدل على مشاكل اساسية في ادارة الملف. فبعد 15 سنة على بدء المسوحات الزلزالية لم يكتشف لبنان أي حقل نفطي بعد، في الوقت الذي سبقتنا اسرائيل وقبرص بأشواط. هذا التأخير يبرره المعنيون بوجود مناكفات سياسية تعرقل تقدم هذا القطاع. لكن السؤال يبقى: هل هذه المناكفات اختفت اليوم في ظل وجود نفس الأطراف السياسية في الحكم؟ فهذه الاطراف نفسها فشلت في تشكيل حكومة او تنفيذ اصلاح واحد جذري في خلال 3 سنوات من عمر الأزمة، او حتى قبل ذلك وتحديداً منذ مؤتمرات باريس 1 و2 و3 و4. وبالتالي ليس هناك اي دليل يبشر بجدية التعاطي مع هذا الملف في ظل تحكم الاحزاب التقليدية بمفاصل الدولة.

شوائب منذ إقرار القانون في 2010

أكثر من ذلك، وفي مراجعة لجلسات اللجنة النيابية التي ناقشت قانون الموارد النفطية في 2010، نرى ان اللجنة ناقشت المضمون، لكنها لم تكن على قدر المسؤولية. هذا القانون يفترض به ان يكون اداة لتحقيق اهداف لبنان في سياسة شاملة للطاقة تحدد احتياجات البلد للمديين المتوسط والبعيد وكيفية تلبيتها. لكن، وللأسف، لم يترافق اقرار القانون مع سياسة شاملة.

ونضرب مثلا عن كيف تمت تلك النقاشات: قال النائب غسان مخيبر في جلسة عقدت في شهر حزيران 2010 «لا يمكننا دراسة هذا القانون من دون وجود سياسة واضحة للنفط». وكان جواب وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل «ان السياسة النفطية واضحة في الأسباب الموجبة للقانون»، وهذا غريب جداً، لان هناك فرقاً بين «السياسة» والقانون. وبرأي النائب غازي زعيتر آنذاك أيضاً «انه ليس هناك متسع من الوقت لمناقشة السياسة النفطية»، وطلب الاسراع في اقرار القانون من دون اي نقاش صريح او واضح للسياسة النفطية في لبنان!

إلى ذلك، كان يفترض وجود قانون واحد يشمل الموارد البحرية والبرية، لكن الذي حصل هو اقرار القانون بصيغته الأولى بسرعة تحت ذريعة التهديد الاسرائيلي لموارد لبنان سنة 2010. وفي نفس جلسات نقاش ذلك القانون، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري انه «ليس لدينا وقت لاقرار قانون واحد يشمل البحر والبر».

لا بد من استقلالية الهيئة

علاوة على ذلك، لما نوقشت صلاحيات هيئة ادارة قطاع النفط، التي يفترض منحها استقلالية ادارية ومالية لإبعاد ادارة القطاع عن السياسة، قرر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري عدم اعطاء هذه الادارة استقلاليتها. ابقوها في يد وزارة الطاقة، بالرغم من ان اكثرية النواب المتواجدين كانوا مع استقلالية الهيئة. وهذا دليل على مدى التأثير السلبي للمحاصصة الطائفية على العملية الديمقراطية.

إستهتار بعامل الوقت

اقر القانون بالرغم من الشوائب فيه، لكنهم ماذا فعلوا بعد ذلك؟ استغرقوا 4 سنوات لاقرار المراسيم التطبيقية المتعلقة بتحديد «البلوكات» واتفاقيات التنقيب والاستكشاف. كان ذلك استهتاراً واضحاً بعامل الوقت. هذه التجربة في التشريع تبرهن على انعدام المسؤولية والجدية في ادارة وتطوير هذا القطاع من قبل الاطراف الحاكمة. حتى انهم، في نهاية المطاف، «ما كلفوا خاطرهم» اخذ موافقة مجلس النواب على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل.

المنافع الإقتصادية.. وإمكان هدرها

نظرياً، للموارد آثار ايجابية على الاقتصاد من خلال اربع آليات اساسية. لكن واقع البلد، وفي ظل ضعف مؤسساته وغياب الرقابة والمحاسبة، يضرب هذه الآليات وفعاليتها:

1– الموارد النفطية والغازية تؤمن مصدراً للطاقة يعزز النشاط الاقتصادي ويوفر للسكان حاجاتهم. لكن المشكلة في ادارة قطاع الطاقة في لبنان لم تكن يوما في تأمين الموارد الاولية للانتاج، بل في الفشل الذريع لادارة هذا القطاع الذي صرفت عليه اموال طائلة من دون اي نتيجة.

2– يمكن ان تؤمن الموارد افضلية اقتصادية للقطاعات الصناعية المعتمدة على الطاقة. لكن السياسات الاقتصادية الريعية في لبنان في مدى 30 سنة ماضية، وصولاً الى الازمة الحالية التي نتجت من تلك السياسات، دمرت النشاط الصناعي في وقت غابت فيه السياسات التي يمكن ان تحفز القطاع وتحافظ عليه.

3– للموارد النفطية عائدات مالية تدعم موازنة الدولة وقدرتها على الاستثمار في مشاريع تنفع الاقتصاد، بيد أن السلطة في لبنان قامت بتدمير مالية الدولة عبر تفريغ الموازنات واستخدام السياسة الضريبية والمال العام لتأمين مصالح خاصة. وكل الاداء الحالي يؤكد تكرار ما سبق ذكره مع عوائد النفط والغاز التي سترد الى الخزينة.

4– يفترض ان توضع العائدات النفطية في الصندوق السيادي المحكى عنه، عائدات تؤمن استمرارية الاستفادة منها للسنوات المقبلة. إلا أن تجربة هذه السلطة في بناء مؤسسات لا يطمئن، مما يدفعنا للإعتقاد بان هذا الصندوق سيتعرض للتحاصص، مثل باقي الاملاك العامة، بين الطوائف والأحزاب الحاكمة.

الإقتراض المسبق.. وحلول اللعنة

اذا افترضنا اكتشاف حقل كبير اليوم، يبقى الخوف الكبير من امكان قيام المنظومة الحاكمة بالتوسع في الاقتراض لزوم نفقات غير مجدية، بانتظار ايرادات ليست متوقعة قبل 5 سنوات. وهكذا تحل لعنة النفط والغاز على لبنان قبل وقتها، كما حصل في بلدان مثل موزامبيق وغانا. هذا الواقع يكشف لنا ان الأساس في تحديد نجاح او فشل استغلال الموارد النفطية مرتبط بنوعية المؤسسات التي تدير هذا القطاع، وبالسياسات والضوابط التي تعتمدها. وعلى سبيل المثال، استطاعت النرويج من خلال عائدات النفط ان تضاعف الناتج المحلي للفرد في مدى 30 سنة. (في مقابل دول نفطية أخرى انخفض الناتج المحلي للفرد فيها الى النصف خلال نفس الفترة).

ما الذي يحدد مدى الاستفادة من الثروة النفطية في اي بلد؟ الجواب بسيط: الارادة والقدرة والنية والجدية في التعاطي مع هذا القطاع، واعادة نسج إطار جديد للادارة والمؤسسات العامة.

نريد سياسة نفطية حكومية جدية

ما كان يفترض ان نسمعه اليوم من المسؤولين ليس لغة «مشيلنا اياها» و»تركها عليي»، وكلام فضفاض مثل «نحن حريصون على هذا القطاع»… يهمنا ان نسمع ونرى سياسة نفطية حكومية جدية وعملاً تشريعياً ورقابياً فعالاً من قبل مجلس النواب، واستقلالية حقيقية لهيئة ادارة قطاع النفط، وتعزير دور الاجهزة الرقابية على هذا القطاع. وما يهمنا ايضاً، وبالدرجة الاولى، وضع كل اللبنانيين مستقبلهم ومصلحتهم في صلب استراتيجية هذا القطاع.

مصدرنداء الوطن - سامي عطاالله
المادة السابقةبوتين يخسر حرب الغاز على أوروبا
المقالة القادمةمجلس النواب وصندوق النقد… حوار الطرشان!