أثار قيام نقابة الصيادلة بنقل وديعة بقيمة 43 مليون دولار من مصرف الاعتماد المصرفي إلى مصرف الاعتماد الوطني (BCN) زوبعة من الأسئلة بين الصيادلة، إذ لم يجب أحد من المعنيين في لجنة صندوق التقاعد في نقابة الصيادلة على استفسارات الصيادلة عن المخاطرة بنقل وديعة تشكل 25% من أموال التقاعد الصيدلي إلى مصرفٍ صغيرٍ، في الوقت الذي رفض فيه 14 مصرفاً آخر قبول الوديعة رغم وجود حسابات لنقابة الصيادلة فيها.
وكانت النقابة قد نقلت الوديعة على دفعتين. الأولى في أيار الماضي، حيث اتُّخذ قرار «أكثري» في لجنة الصندوق بنقل شيك مصرفي بقيمة 20 مليوناً و75 ألف دولار أميركي إلى مصرف BCN، والأخرى قبل أسبوعين تقريباً نُقل بموجبها شيك مصرفي آخر بقيمة 23 مليون دولار أميركي إلى حسابين مصرفيين: 15 مليوناً و57 ألف دولار إلى الحساب المفتوح في BCN، وما يقرب من 8 ملايين إلى حساب آخر فُتح في مصرف البحر المتوسط تحت ضغط بعض أعضاء لجنة التقاعد.
أثارت هاتان العمليتان ارتياباً لدى الكثير من الصيادلة، ومنهم بعض الأعضاء في لجنة التقاعد. وإن كان لا شيء يعيب قرار النقل في الشكل لكونه يصدر عن لجنة صندوق التقاعد المخوّلة قانوناً القيام بهذا الأمر، وبأصوات الأكثرية الحاضرة، لأنه استحقاق تقليدي عادة ما يقوم به الصندوق، إلا أن ما يعترض عليه الصيادلة هو الطريقة التي مُرّر بها القرار.
عمليتا النقل
عملية النقل الأولى تمّت في أيار الماضي، بعد جلسة للجنة صندوق التقاعد طُرح فيها الموضوع من خارج جدول الأعمال، كما توضح مصادر المعترضين في لجنة التقاعد «قبل انتهاء الجلسة، وقف أمين السرّ وقال إن الاعتماد المصرفي يعاني من مشاكل، وقد يفلس، وإن النقابة لديها عرض من الاعتماد الوطني، والمصلحة تقتضي درس العرض لاتخاذ القرار المناسب». وتلا أمين السرّ عرض الاعتماد الوطني، شفهياً، والذي «يقضي بتحويل شيك مصرفي بقيمة 20 مليوناً و75 ألف دولار أميركي إلى حساب لدى المصرف الجديد، مقابل فتح حساب بالدولار الفريش بقيمة 75 ألف دولار وفائدة 1.5% على العشرين مليوناً، تُعطى كل ثلاثة أشهر».
يومها، طالب بعض الأعضاء بالاستمهال لإجراء بعض الاتصالات والاستفسار عن المصرف المذكور، «إلا أننا فوجئنا أن الأموال قد نُقلت ولم تُسجل هذه العملية في المحضر الذي كان يفترض أن يوقّع عليه الأعضاء في الجلسة المقبلة».
وقبل أكثر من أسبوعين، بدأ التحضير لعملية ثانية تستهدف تحويل المبلغ المتبقّي في حساب الاعتماد المصرفي (23 مليون دولار أميركي). ودائماً وفق السردية القائلة بوجود مشاكل في الاعتماد المصرفي من جهة، والتذكير بالحوافز المعطاة من الاعتماد الوطني، إلا أن ما تغيّر هذه المرة أن «مسألة الإفلاس حدّدها نقيب الصيادلة الدكتور جو سلّوم بساعات، حيث أجرى اتصالاً خلال الجلسة مع محامية النقابة ووضعها على مكبّر الصوت، وأكدت أنه إذا كان الاعتماد المصرفي يعاني من مشاكل فالأولى نقل الأموال منه». وأمام هذا السيناريو، اقترح بعض الأعضاء ألا يوضع المبلغ كله في الـBCN مع وجود قبول من مصرف البحر المتوسط «حيث طالبنا بفتح حساب فيه، ولذلك، تم توزيع المبلغ على استحياء ما بين المصرفين، بمعدل الثلثين بثلث».
تساؤلات الصيادلة
أثارت عمليتا النقل علامات استفهام كثيرة لدى الصيادلة لم يتم توضيحها. أولاهما تتعلق بكيفية التصرّف بوديعة في هذا الظرف الاستثنائي ونقلها من مكانٍ إلى آخر، انطلاقاً من أن «الأموال مجمّدة منذ ما قبل تدهور الأوضاع وهذا يتطلب تفكيراً ملياً لاعتبارات الفارق في التعاطي مع الوديعة ما قبل الأزمة وما بعدها».
في السبب الثاني، يأخذ المعترضون على عملية النقل «تحريكها من الاعتماد المصرفي، وهو مصرف معروف ولا إثباتات حتى اللحظة على أنه يعاني من مشاكل تؤدي به إلى الإفلاس، إلى بنك صغير لا نعرف أي شيء عن وضعه». خصوصاً أنّ «المصارف الأربعة عشر التي تملك النقابة أموالاً فيها رفضت استقبال الوديعة، فلماذا وافق هذا المصرف؟».
ثالث الأسباب، هو أن أحداً لا يعرف القيمة الحقيقية للمبلغ. وثمّة سبب إضافي يتعلق بـ«الحساب الفريش». فحتى اللحظة الراهنة، يؤكد بعض أعضاء لجنة التقاعد أن «دولاراً واحداً لم يُسحب من المبلغ الأول على الرغم من مرور أشهر على نقله».
«من نقل؟ ولماذا نقل؟». سؤالان معلقان ينتظر الصيادلة جواباً عنهما. غير أن الجواب لا يأتي، فحتى اللحظة لم يخرج المسؤول عن النقابة ببيانٍ يعفي الصيادلة من الأسئلة، ولا يزال حتى اللحظة «خارجاً عن السمع»، على ما يقولون. وقد حاولنا استيضاح رأيه في «الأخبار» مراراً، إلا أنه لم يجب أيضاً.
محاولة فاشلة لرفع دعوى
قبل عملية النقل الأولى، طالبت مجموعة من الصيادلة بتشكيل لجنة مَهمتها استعادة الأموال من المصارف عن طريق تقديم دعاوى بحقها خارج لبنان. وقد عرض هؤلاء الفكرة على النقيب «الذي لم يعترض وأصدر قراراً يقضي بتشكيل هذه اللجنة»، يقول الصيدلي ناجي جرمانوس، أحد أعضاء اللجنة التي شُكّلت يومها من 10 صيادلة وترأّسها الصيدلي حيدر بزي.
سريعاً، بدأت اللجنة عملها، وكان البند الوحيد على جدول أعمالها التواصل مع مكتب محاماة دولي للبدء بالإجراءات، وبالفعل «اتصلنا بالوزير السابق كميل بو سليمان وناقشنا معه القضية، فطلب منا قبل المباشرة بالدعوى تقديم كشف حسابٍ بما تملكه النقابة وتاريخ استحقاق كلّ حساب». وعلى الأثر، طالبت اللجنة بالكشوفات، إلا أنه «بعد عشر جلسات لم نُعط أيّ مستند». عند هذا الحد، توقّفت أعمال اللجنة «لنفاجأ بعدها بقرار نقل 20 مليون دولار في أيار الماضي»، يختم جرمانوس.