للمرّة الثانية تسقط مزايدة الخدمات البريدية. بعدما كانت مقرّرة الثّلثاء 24 كانون الثاني الماضي، تأجّلت إلى يوم أمس وذلك إفساحاً في المجال أمام شركات جديدة، لدخول حلبة المنافسة بعد احتكار دام 23 سنة في قبضة «ليبان بوست». الشركة مدعوّة إلى تصريف أعمال البريد لغاية 31/5/2023، أو إلى «حين إجراء المزايدة التي ستطلقها وزارة الإتصالات مجدّداً»، وفق ما أعلنه الوزير جوني القرم حيث أشار في مؤتمر صحافي إلى أنّ «أيّاً من الشركات لم تتقدّم الى مزايدة تلزيم قطاع البريد».
وأوضح المدير العام للبريد محمد يوسف أنّ «4 شركات إشترت دفتر الشروط وتقدّمت بأمر الدفع وفقاً للأصول، انما لم يتقدّم أيّ منها للمشاركة في المزايدة، وهذه الشركات، هي: «ميريت إنفست»، «ليبان بوست»، «غانا بوست»، و»ايكون»، وبما أنّ لا سلطة تشريعية أو قانونية أو قضائية للوزارة بأن تُلزم من يشتري دفتر الشروط بالمشاركة في المزايدة، فإن «ليبان بوست» ستقوم بتسيير المرفق لغاية 30 أيار المقبل، أما إذا حصلت مزايدة قبل هذا التاريخ، فيتمّ تسليم القطاع للمستثمر الجديد».
منذ العام 2000 تعمد الحكومات المتعاقبة إلى تجديد عقود «ليبان بوست» كشريك لا شريك له في البريد الذي أرفد إلى صندوقه الـ»فريش دولار»، وترك الفتات إلى صندوق الدولة (الخزينة) بالليرة اللبنانية. وفيما أكّد القرم أنّ «التمديد لليبان بوست بالعقد الحالي هو أسوأ ما يمكن أن يحصل بقطاع البريد»، لفت إلى أنّ «دفتر الشروط الجديد تضمّن تحفيزات كثيرة للدولة وقد شكّل ذلك نقطة انطلاق للمزايدة».
إنطلاقاً من هذا الواقع، هل يُميّع الوزير الحقائق ويغلّفها في إطار مزايدات الشفافية بعد سقوط المزايدة «البريدية»؟ ألا تصبّ المعطيات التي سردها بدءاً من عجز الوزارة عن تشغيل المرفق بوجود 4 موظّفين فقط في مديريّة البريد، إلى الشركات المنسحبة من المنافسة «لأنّ الظروف الإقتصادية والأجواء العامة لا تشجّعها»، في صالح «ليبان بوست» المتفرّدة في تسيير القطاع المذكور؟ وهل ستقبل الأخيرة بتعديل الشروط التي وعد بها الوزير فيما ورقة تشغيل القطاع بيدها؟ واذا كانت على استعداد لمتابعة عملها، لماذا هربت من المزايدة؟ وهل لبراءة الذمة المالية التي يرفض وزير الاتصالات توقيعها، علاقة بالهروب؟
في السياق، يشير رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة إلى أنّه يحقّ للوزارة المعنية تأجيل المزايدة لإفساح المجال لمزيد من المنافسة. واعتبر في حديث لـ»نداء الوطن»، أنّه في حال لم تتقدّم أي من الشركات، يجب على الوزارة المعنيّة تقييم سير العملية والبحث في الأسباب أكانت متّصلة بأزمة الواقع السياسي – الإقتصادي وعدم الإستقرار الأمني، أم بدفتر الشروط والمعايير المحدّدة من قبل الوزارة. في المقابل يلفت إلى أنه لم يرد إلى هيئة الشراء العام، أي شكوى من الشركات الراغبة أو التي تراجعت عن خوض المنافسة بشأن شروط المناقصة.
ورأى أن التعديلات الأخيرة التي أدخلتها الوزارة، تُنصف إلى حدّ ما وضعية الدولة اللبنانية، بعد رفع عائدات الخزينة من 5% على جزء من إيرادات البريد، إلى نسبة تصاعدية بدءاً من 10% على كلّ الإيرادات. وإذ شدّد العليّة على ضرورة إعادة المزايدة، دعا إلى رفع الصوت أكثر وتوسيع «بيكار الإعلان»، أكان عبر المواقع العالمية أو من خلال الإتّحاد البريدي العالمي، لجذب أكبر عدد ممكن من الشركات. ومع انتهاء عقد «ليبان بوست» في الواحد والثلاثين من أيار المقبل وعدم حصول المناقصة وفق الشروط المطلوبة، يرى رئيس هيئة الشراء العام أن الحلّ يكمن في تمديد موقّت للشركة الحالية لفترة لا تتخطّى الـ3 أشهر بعد تقييم العقد ومحاولة تحسين شروط الدولة، إلى حين إتمام العملية. في هذا الإطار، يُحذّر العلية من استغلال عدم نجاح المزايدة من أجل تمديد العقود لسنوات عدّة كما جرت العادة.