عقدت مجموعة العشرين قمتها الخامسة عشرة في الرياض في المملكة العربية السعودية، وذلك بين 21 و22 كانون الأول 2020. مجموعة العشرين هي البديل الذي يقود النظام الاقتصادي العالمي، بعد التحولات التي شهدها العالم منذ عام 1990. وهي تجمع كبرى اقتصاديات العالم التي تمسك بحوالي 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، وتمسك بحوالي ثلثي حجم التجارة الدوليّة، وتضم ثلثي سكان العالم. تتم في هذا المحفل مناقشة كل ما يتصل بالقضايا العالمية التي تؤثر على التنمية المستدامة في العالم. تأخذ القضايا المالية والاجتماعية حيزا كبيرا من هذه المناقشات.
نظرت القمة الأخيرة في ثلاثة محاور رئيسية هي:
1- تمكين الناس من خلال تهيئة الظروف التي يمكن فيها للجميع وخاصة للنساء والشباب، من العيش المشترك، والعمل، وتحقيق الازدهار.
2- حماية الكوكب من خلال تعزيز الجهود المشتركة لحماية الموارد العالمية.
3- تشكيل حدود جديدة من خلال تبني استراتيجيات جريئة وطويلة المدى، لمشاركة منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي.
يحق للدول الأعضاء في المجموعة دعوة من يرغبون من الدول، للمشاركة في مؤتمراتها. وقد دعت المملكة العربية السعودية، الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة، للمشاركة في هذه القمة. الإعلام العالمي تابع بدقة مجرياتها. وخرجت أصوات دوليّة عديدة، تطالب بمقاطعة هذه القمة، لأسباب تتصل بالسياسات الاجتماعية الداخلية في السعودية. أما في لبنان فنحن في سبات. ومن الواضح، أن الإعلام اللبناني، كما المواطن اللبناني، لم يعيرا تلك القمة اي اهتمام جدي. لبنان السبعينيات الذي كان يستبق اي حدث عالمي بالمواقف والآراء، هو الآن في ثلاجة الجهل والتجهيل المطبقين اللذين فرضتهما عليه الحرب الداخلية المستمرة منذ عام 1975. ورموز السلطة التي قادت لبنان منذ خمس وأربعين سنة حتى اليوم، كانت أيضا، ضحيّة هذا الجهل. لكنها مع مرور الزمن، استمرت بتجاهل التطورات الدوليّة، تاركة الشعب في غيبوبته. تبعهم الإعلام في لعبتهم التي أوصلت لبنان إلى الدمار والتخلف. أذكر أنه عندما كنا قاصرين، كنا نقوم بلعبة الحرب، مختبئين خلف الصخور في حقول قرانا وبأيدينا بنادق خشبية، وندعي أننا نقاتل لإنقاذ من هم حولنا. لم يتغير شيء سوى أن البنادق صارت حقيقية، والحقول صارت قرانا وشوارع مدننا. الجامع المشترك بين لعبتنا الصبيانيّة، وبين لعبة أركان السلطة الذين بدأوا حروبهم الفعلية أوائل شبابهم، هو ان كلا منّا ادعى أنه يقاتل كمنقذ لمن حوله.
خمس وأربعون سنة مرّت، واللبناني غائب عن الحركة القائمة في العالم. تغيّرت وجوه ودول، واللبناني ما زال في أواسط السبعينيات، يتابع تحرير فلسطين والعرب والإسلام والهلال الخصيب بل والعالم، من أميركا وسلطانها. كنّا نسميها قوى الإمبريالية، واليوم نسميها الشيطان الأكبر وقوى الاستكبار. العالم يتابع مسيرته ونحن نذوي، وسيذوي لبنان قبل أن تذوي هذه القيادات المتحجرة فيه. والمشكلة الأكبر، أن الهواة في السلطة، أيضا جعلوا اللبناني هاوياً أيضاً في مواضيع الشؤون الدوليّة والاقتصاديّة والعلميّة والثقافية.
القمة نظرت في ديون الدول النامية. كنا نأمل أن يطالب اللبنانيون بالنظر إليهم كضحايا في لعبة الشرق الأوسط، ومساعدتهم بشطب قسم كبير من ديونهم.
القمة نظرت في تمكين النساء والشباب، وكنا نتمى المطالبة بدعم برامج بناء السلم بعد النزاع التي تديرها الأمم المتحدة، لمساعدة نساء وشباب لبنان على استعادة وطنهم والنهوض من جديد.
القمة نظرت في الحماية البيئية، وكنا نأمل ان تنظر في مساعدة اللبنانيين ببرامج مكافحة الحرائق والتشجير والطاقة النظيفة.
ربما أن القمة كانت ستنظر في كل ذلك، لو أننا تقدمنا بطلبات بهذا الصدد. لكن رموز السلطة لدينا، لا يعترفون بالأمم المتحدة وبرامجها. تريد المال النقدي لكي ينهشوا منه كما فعلوا لسنوات وسنوات. فمتى نتوجه كهيئات مدنية لنملأ الفراغ ؟
نحن بأمس الحاجة للعودة إلى العالم. اللبناني يسكن رحاب الدنيا، لكنه يعيش في وطنه، بعزلة خانقة. أملنا أن تأخذ القيادات العلمية والفكرية والثقافيّة المبادرة، لكي نخرج من أسوار السياسة المظلمة. ومن واجب كل وطني يشعر أنه قادر على المساعدة ببرامج التمكين والتوعيّة، أن يفعل ذلك.