ماذا يفعل المصرفيون اللبنانيون في جنيف؟

إذا كنت مثلي، تعمل في مجال إدارة الأصول ورأس المال الاستثماري، لكنت واجهت ظاهرة جديدة في سويسرا. يبتسم مديرو الأصول الخاصين بي، بفرح حين أخبرهم أنني قد وصلت للتو من بيروت حيث كنت أجمع الأموال. ويقولون لي لماذا تذهبين الى هناك بل تعالي الينا مباشرة.

ليس بمفاجئ أن الازمة اللبنانية كانت فرصة كبيرة لمديري الأصول في سويسرا، كما كان الحال أيضاً مع الحرب الروسية الأوكرانية. عندما تكون هناك مشاكل تجد الأموال ملاذها الآمن في سويسرا.

2500 مدير أصول

يقدر وجود 2500 مدير أصول مستقلين (IAM ) في سويسرا. ان مدير الأصول المستقل يقدم خدمات إدارة الثرواث التي لا يقدمها بنك تجاري. ويرمز اليهم أنهم مدراء أصول خارجيون EXTERNAL ASSET MANAGERS. هؤلاء المدراء الخارجيون المستقلون ليسوا مصارف الا أنهم يستفيدون من الخدمات المصرفية مثل فتح الحسابات المصرفية، حسابات الحفظ، للاحتفاظ واستثمار ثروات عملائهم.

وقد تكون أموال العميل أيضاً موجودة خارج سويسرا، وليس بالضرورة داخلها، الا أن الأخيرة هي المكان الفعلي حيث تتخذ قرارات الاستثمار وتتم إدارة المحافظ.

ما هو تعريف هؤلاء؟

يمكن تعريف إدارة الأصول كالتالي: مدراء الأصول لديهم دور الوسيط مع مسؤوليات ائتمانية ويديرون مخططات استثمارية جماعية وتفويضات تقديرية مقابل عمولة باسم العملاء لتحقيق أفضل مصلحة لهم. قد تكون الأموال الفعلية في بنك موناكو، بنك الامارات، بنك افريقيا، أميركا الخ… لكن حضانة الأموال قد أعطيت لمدير الأصول لادارة هذه الثروة.

بعض الأرقام

حسب آخر دراسة أجرتها جمعية إدارة الأصول في سويسرا، نمت الأصول المدارة (AuM) في سويسرا بنسبة 10.6% في عام 2020 الى مستوى قياسي بلغ 2.79 تريليون فرنك سويسري (الدولار الأميركي يساوي 0.96 فرنك) بسبب ارتفاع صافي التدفقات الداخلة وتعافي الأسواق العالمية في الربعين الثاني والثالث في عام 2020.

وساهمت التدفقات الصافية لـ100 مليار فرنك سويسري عبر كافة فئات الأصول في دفع نمو إدارة الأصول بنسبة 4%. ويقدر صافي عائد مجمل الإيرادات لصناعة إدارة الأصول السويسرية بنحو 15.67 مليار فرنك سويسري مع تحقيق أرباح بلغت 4.10 مليارات فرنك.

ان أكبر شركات إدارة الأصول تستطيع إدارة حتى 50 مليار فرنك سويسري، بينما المتوسطة 10 الى 50 مليار فرنك وأصغرها أقل من 10 مليارات فرنك.

قطاع بات أكثر تنظيماً

وحتى عام 2020، كان قطاع ادارة الأصول أقل تنظيماً من القطاع المصرفي من قبل هيئة التنظيم السويسرية FINMA. الى أن دخل قانون ACT الخاص بالتنظيم المصرفي المستقل الى المشهد في واحد كانون الثاني/ يناير 2020. حيث عمل على تنظيم عملية الاشراف على مديري الأصول المستقلين في المؤسسات المالية. العديد من الأموال التي كانت تدار من قبل مديري الأصول المستقلين كانت تحت رادار السلطات التنظيمية حتى 2020 ثم بدأ المنظمون بمساءلة مدراء الأصول لتقديم معلومات إضافية.

حتى اليوم وبحسب ما أفاد به محام في جنيف يطرح العديد من الأسئلة حول مصادر أموال مديري الأصول المستقلين، فقط 10% من بين مديري الأصول قد أجابوا على تساؤلات FINMA وأنظمتها.

أموال أتت من لبنان

الواقع أن العديد من أموال اللبنانيين التي حولت من القطاع المصرفي اللبناني انتهى بها المطاف لتكون مدارة من قبل أولئك من مدراء الأصول المستقلين. حيث أن العديد من بينهم (قد التقيتهم) قد أفادوا أن أكبر تدفق للاموال قد حصل قبل 2019. لست مستغرباً أن أولئك الذين لديهم مدخرات قد عملوا على تحويلها قبل تشرين الأول 2019. ان بعض مديري الأصول هؤلاء أفادوا من أن العديد من عملائهم اللبنانيين كانوا أتوا بين 2017 و2018. قد لا تكون الأموال موجودة في سويسرا الا انها مدارة من سويسرا.

محاولة شراء مديري الأصول

حالياً، يعمل المصرفيون اللبنانيون أو أصحاب المصارف على محاولة شراء مديري الأصول هؤلاء.

لذا، فاذا كان أكثر عملاء المصارف اللبنانية ثراء قد حولوا أموالهم ووزعوها على العديد من مدراء الأصول، فليس مستغرباً رؤية المصرفيين اللبنانيين أو المساهمين في البنوك يحاولون شراء مديري الأصول المستقلين للاستحواذ على أعمالهم. أنها طريقة لاعادة جمع العملاء تحت بنية المصرفية الخاصة، وهي أفضل من بنية المصرف التجاري والتي هي الطريقة اللبنانية التقليدية للعمل المصرفي.

المحور والدولار لا يختلطان

وكما يقول صديق لي (المحور والدولار لا يختلطان)… قامت المصارف اللبنانية لسنوات بالعمل المصرفي في اقتصاد مدولر بنسبة عالية. وعندما شح الدولار، كما يحدث غالباً مع القوة المتصاعدة للشيعية السياسية الإيرانية في لبنان، ذهبوا الى الخارج في محاولة لاعادة مركزة ثرواتهم.

مع مرور الوقت، يتضح أكثر فأكثر الدمار المتعمد للقطاع المصرفي في لبنان وتحديداً منذ التخلف الفوضوي عن سداد الديون السيادية. واتجه الاقتصاد من نظام مصرفي شفاف مع أخطائه الكثيرة الى اقتصاد نقدي بحيث يعود بالفائدة على مافيات ميليشيوية وتجار المخدرات أو ما شابه. ولكي تستطيع جماعة إرهابية تحت العقوبات أن تستمر، تحتاج أن تبقى خارج الرادار أو خارج النظام المالي العالمي، وهذا متوفر في الاقتصاد النقدي.

إنبعاث من جديد

واذا كان نعي الصناعة المصرفية اللبنانية هو « قد مت مع آخر دولار»، فان انبعاث الصناعة المصرفية، في حال حصلت في حقبة «الاحتلال الإيراني»، قد يكون من خلال إعادة استحواذ المصارف اللبنانية على الدولار او الثروات من مدراء الأصول المستقلين. بعد الاستحواذ على مديري الاصول وعند الوصول الى ادارة أموال بنحو 50 مليار فرنك وما فوق، تطلب السلطات التنظيمية والرقابية السويسرية التحول الى مصرف عبر الحصول على رخصة. في هذه الحالة، وبعد التحول الى مصرف يمكن العودة الى لبنان لشراء المصارف اللبنانية القابلة للاستمرار.

ثمة سبب آخر لعمليات الشراء هو: بما أن المصارف اللبنانية تعمل اليوم كتجار عملة في لبنان من غير تحقيق هامش كبير، قد يكون الحصول على الهامش الأكبر الذي توفره أعمال الخدمات المصرفية الخاصة وسيلة لاعادة بناء الأعمال في المستقبل.

وحيث لا توجد عمليات مصرفية بالدولار فان الصناعة المصرفية تموت. ولا يمكن للتجارة والاستثمار أن يحييا اقتصاداً من دون إمكانية الوصول الى الدولار. طائر الفينيق

اذا، ما يمكن أن نشهده هو طائر فينيق صاعد يجلس خارج المتاعب، وينتظر الظروف الجيوسياسية للصعود مرة أخرى. ليس من السهل بمكان قتل مصرفي لبناني، اذ قد يكون لديه سبعة أرواح مع مهارات تلاعبية ممتازة للتماشي مع الوضع.

في الوقت الراهن، استمر يا لبنان في طباعة الليرة!

مصدرنداء الوطن - سمر قزي
المادة السابقةهل يُعيد الصندوق السيادي الودائع؟
المقالة القادمة«صندوق أوبك» يدرس إصدار سندات بقيمة قد تصل إلى مليار دولار