ما وراء محاولة إقالة كوك: هذه هي السيطرة الكاملة التي يصبو إليها ترمب على «الفيدرالي»

يثير سعي الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لإقالة محافظة مجلس «الاحتياطي الفيدرالي»، ليزا كوك، مخاوف جدية بين الخبراء بشأن مستقبل استقلالية أهم مؤسسة مالية في البلاد. وتعدّ هذه الخطوة، في حال نجاحها، تحولاً جذرياً لمؤسسة لطالما عدّت فوق الصراعات السياسية، مما ينذر بتأثيرات واسعة النطاق على الاقتصاد الأميركي.

منذ توليه منصبه في ولايته الأولى، وضع ترمب «الاحتياطي الفيدرالي» تحت مرمى نيران السلطة التنفيذية، حيث انتقد بشدة قراراته المتعلقة بأسعار الفائدة، وهدَّد بإقالة رئيسه جيروم باول. وتعدّ محاولته الحالية لإزاحة كوك سابقة لم تحدث من قبل.

الأهداف والدوافع من منظور ترمب
من وجهة نظر ترمب، فإن جهوده تهدف إلى إصلاح مؤسسة يعدّها الكثيرون مسؤولةً عن التضخم الجامح الذي ضرب الولايات المتحدة بعد جائحة «كوفيد – 19». ويرى الرئيس أن خفض أسعار الفائدة سيساعد على إدارة الديون الفيدرالية المتزايدة، مع تعزيز سوق الإسكان التي واجهت صعوبات في ظل نمو الاقتصاد بشكل عام.

ومع ذلك، يرى كثير من الخبراء القانونيين والاقتصاديين أن هذه التحركات لا تهدِّد فقط بجعل «الفيدرالي» أكثر تسييساً، بل قد تقوِّض أيضاً ركائز أساسية للنظام المالي الأميركي. تقول كاثرين جادغ، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا: «نحن على طريق سيؤدي إلى تآكل استقلالية البنك المركزي. سيكون من المكلف للغاية على المدى الطويل أن يفقد الفيدرالي المصداقية التي بناها على مدار عقود»، وفق شبكة «سي إن بي سي» الأميركية.

ما هو على المحك؟
إن الاستقلالية في سياق «الاحتياطي الفيدرالي» تعني قدرته على تحديد السياسة النقدية الأفضل للاقتصاد الأميركي بعيداً عن الضغوط السياسية، حتى لو كانت قراراته غير شعبية، مثل رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم. ولكن الأمر لا يقتصر على مجرد أسعار الفائدة.

ففي حال حصول ترمب على أغلبية في مجلس المحافظين، سيُمكِّنه ذلك من الوصول إلى أدوات تحكُّم رئيسية في الاقتصاد والبنية التحتية المالية للبلاد. يتمتع مجلس المحافظين، المكون من 7 أعضاء، بسلطات تنظيمية ورقابية على البنوك. كما أن المحافظين وحدهم مَن يحددون سعر الخصم (discount rate) وسعر الفائدة على أرصدة الاحتياطي، وهما أداتان حاسمتان في السياسة النقدية.

ويحذِّر خبراء من أن تسييس «الاحتياطي الفيدرالي» قد يؤدي إلى نتائج كارثية. تنقل الشبكة الأميركية عن روبرت هوكيت، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كورنيل، قوله: «الخطر الأكبر هو أن يفقد الناس الثقة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي… إذا نجح ترمب في ذلك، فهذا يعني أن المجلس ليس أكثر من مجرد ختم مطاطي». ويضيف هوكيت: «يمكن أن نشهد في المستقبل تضخماً مفرطاً، على غرار ما شهدته دول مثل تركيا، عندما وضع قادتها سياساتها النقدية».

إصلاحات ضرورية… أم تهديد وجودي؟
يرى أنصار ترمب أن «الاحتياطي الفيدرالي» يحتاج إلى «إصلاح شامل»، ويشيرون إلى ما يسمونها «تجاوزات» للمهمة الأساسية للبنك، مثل الانخراط في قضايا مثل التغير المناخي والتنوع والشمول. وقال جوزيف لافورنيا، المستشار الاقتصادي خلال ولاية ترمب الأولى: «لا أعتقد أنه تقويض لاستقلالية الفيدرالي. أعتقد أن النظام يحتاج إلى إعادة تقييم شاملة».

حتى بعض الخبراء الماليين البارزين، مثل محمد العريان، رئيس المستشارين الاقتصاديين في «أليانز»، دعوا إلى إصلاحات هيكلية في «الفيدرالي» للحدِّ من خطر «التفكير الجماعي» (groupthink)، لكنهم في الوقت نفسه يعبرون عن قلقهم من أن الصراع الحالي قد يؤدي إلى نتائج وخيمة.

الطريق إلى الأمام
تظل مسألة مدى نجاح ترمب في مسعاه غير مؤكدة. حالياً، يمتلك ترمب معينَين في مجلس المحافظين، هما كريستوفر والر وميشال بومان. ومن المرجح أن يؤدي رحيل باول في مايو (أيار) المقبل إلى إفساح المجال لتعيين خامس، مما قد يمنح ترمب أغلبية في المجلس.

لكن المحللين يشيرون إلى أن الاعتماد على هؤلاء الأعضاء بوصفهم أصوات تلقائية لصالح أجندة معينة يُعدّ أمراً محفوفاً بالمخاطر، حيث أظهر كل من والر وبومان مواقف مستقلة في الماضي. ويقول كريشنا جوها، رئيس استراتيجية السياسة العالمية لدى «إيفركور آي إس آي»: «نعتقد أن الحالة الأساسية في هذه المرحلة يجب أن تكون أن هناك تسييساً كبيراً للفيدرالي من خلال عام 2026. وهذا قد يؤدي إلى قطيعة مع الممارسات السابقة ورد فعل مختلف مادياً له تداعيات مهمة على الأسواق».

في نهاية المطاف، يبقى التهديد الأكبر هو زعزعة الثقة في المؤسسة التي تعدّ ركيزة الاقتصاد الأميركي. ويختتم هوكيت قائلاً: «لم يكن هناك تهديد مباشر لاستقلالية (الاحتياطي الفيدرالي) في تاريخ جمهوريتنا بأكمله مثل الذي يحدث الآن؛ بسبب ما يفعله ترمب».

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةانطلاق المعرض المصاحب للندوة العالمية لمنظمي الاتصالات في الرياض
المقالة القادمةالتلوث يهدد أشجار الزيتون ومحاصيلها في الكفور الجنوبية…