لا شكّ أنّ أسباب إرتفاع سعر صرف الدولار تتجاوز مسألة المُضاربات التجاريّة، والطلب الماليّ المَصرفيّ، وألاعيب بعض الصيارفة، والضُغوط السياسيّة، إلخ. وهي تعود إلى أسباب عدّة مُجتمعة، أبرزها:
أوّلاً: غياب الحد الأدنى من الإستقرار السياسي الداخلي، وتعمّق الخلافات وتشعّبها، بما يتجاوز مسألة إستمرار التعثّر على صعيد تشكيل الحُكومة.
ثانيًا: إستمرار السحب مِمّا تبقّى من أموال المُودعين لدى المصرف المركزي، ولوّ بشكل بطيء وشحيح، لكنّه كافٍ لإثارة الذُعر بالوُصول إلى إحتياطي سلبي أكثر ممّا هو عليه حاليًا، نتيجة غرق الدولة في ديونها، وعجزها عن تأمين مصاريفها العاديّة.
ثالثًا: إستمرار التضخّم الهائل لحجم الكتلة النقديّة بالليرة اللبنانيّة في الأسواق، في ظلّ سياسة طبع عُملة من دون أيّ تغطية، بحجة إستمرار تمويل مرافق الدولة، الأمر الذي يزيد من سُرعة إنهيار قيمة العُملة الوطنيّة.
رابعًا: محدوديّة الدولارات التي تدخل إلى لبنان في مُقابل تلك التي تخرج منه لتغطية تكاليف الإستيراد، لأنّ حجم الصناعة في لبنان مَحدود، على الرغم من التطوّر الذي بدأ يلحق بهذه الصناعة في المرحلة الأخيرة.
خامسًا: بعكس ما يظنّ الكثيرون، إنّ تحويلات المُغتربين إلى لبنان والتي كانت قد بلغت في العام 2020 أكثر من 6 مليارات دولار أميركي، لم تُساهم في وقف إرتفاع سعر الدولار، وإن كانت ساهمت بدون أدنى شكّ في صُمود الكثير من العائلات حياتيًا ومعيشيًا.
سادسًا: يُمكن القول إنّه على الرغم من مُغادرة نحو نصف العاملين الأجانب لبنان، وتراجع سفر اللبنانيّين إلى الخارج للسياحة بنسبة تزيد على 95 %، وتراجع إستيراد السيارات والأدوات الكهربائيّة والألبسة والعديد من السلع الترفيهيّة وحتى الغذائيّة من الخارج، إلخ. بنسب كبيرة جدًا تتجاوز الثلثين، الأمر الذي حدّ من خروج الدولارات من لبنان إلى الخارج، لا يزال الطلب على الدولار أعلى ممّا هو مَعروض في السُوق.
وممّا سبق، يُمكن الإستنتاج أنّ سعر صرف العملة الخضراء سيستمرّ بالصُعود في الأسابيع والأشهر المُقبلة، ما لم تحصل سلسلة من التطوّرات الأساسيّة، وهي:
أوّلاً: تشكيل حكومة جديدة وليس أيّ حكومة أو مُجرّد حُكومة لتنظيم الإنتخابات النيابيّة والإشراف عليها، بل حُكومة تحمل في تركيبتها ما يُمكن أنّ يؤمّن أكثر من مُجرّد صدمة إيجابيّة ظرفيّة، ويُمكن أن يُعيد الإستقرار السياسي الداخلي.
ثالثًا: وضع خُطة إقتصاديّة واضحة، تُشجّع على الإستثمار المحلّي وخُصوصًا الخارجي، وتجذب السيّاح إلى لبنان على مدار السنة وليس خلال الصيف فحسب، وذلك لتخفيف نسب البطالة، وبالتالي لإيجاد فرص عملولإعادة تحريك الدَورة الإقتصاديّة تدريجًا.
رابعًا: وضع خُطة ماليّة واضحة، تُعيد التوازن إلى ميزانيّة الدولة، لجهة رفع الواردات وخفض النفقات، وخُصوصًا وقف الهدر والشروع في مُكافحة الفساد.
خامسًا: وضع خُطة إنقاذيّة لإعادة تنظيم المصارف، ولإعادة الثقة للعلاقة بين هذه الأخيرة والمودعين، وذلك عبر رسم خريطة طريق لإعادة الأموال، ولوّ بشكل تدريجي وعلى فترة زمنيّة طويلة.