محاولات لبنانية مضنية لإيقاظ الإنتاج الزراعي المتعثر

يبذل السؤولون في لبنان محاولات مضنية لإعادة تنشيط القطاع الزراعي المتعثر وسط أزمات اقتصادية متلاحقة وانهيار بنيوي في القطاعات الحيوية.

ويسعى المزارعون والجهات المعنية، بدعم محدود من الدولة وشركاء دوليين، إلى تحفيز الإنتاج المحلي وتعزيز الأمن الغذائي، في ظل تحديات حادة تشمل شحّ الموارد، وارتفاع الكلفة، وتدهور البنية التحتية.

وتشكل هذه الجهود بارقة أمل لاستعادة دور الزراعة كمكوّن أساسي في الاقتصاد، الذي يعاني منذ تفجر الأزمة المالية أواخر عام 2019، ومعيشة شرائح واسعة من السكان.

ويؤكد وزير الزراعة نزار هاني أن القطاع يعاني من ضغوط ناجمة عن الحرب الإسرائيلية وتغير المناخ والجفاف، مشيرا إلى أن البنك الدولي قدر الأضرار الناجمة عن الحرب وحدها بنحو 800 مليون دولار.

واستعرض في مقابلة خاصة مع وكالة شينخوا هذه التحديات، وجهود وزارة الزراعة لمواجهتها عبر تعويض المزارعين ومشاريع دعم الإنتاج، في محاولة جادة لحماية ركيزة من ركائز الاقتصاد وضمان الأمن الغذائي.

وقال إن “التغيرات المناخية وشح الأمطار وتقلص الثلوج أدت إلى تضرر واضح في المحاصيل، لاسيما الحبوب، ومنها القمح بشكل خاص، بالإضافة إلى الزراعات الصيفية”. وأضاف “كان لقلة تساقط الأمطار التأثير الأكبر على هذا القطاع بشكل عام.”

وتظهر التقديرات أن كمية الأمطار هذا العام لا تتعدى 50 في المئة من المعدل العام، بحيث اقتصرت على 45 يوما فقط، ما حد من الري وأثر سلبا على مختلف الزراعات بشكل عام، وخاصة في مناطق شرق البلاد، حيث تزرع كميات كبيرة من الحبوب.

وتشكل الزراعة ثالث أهم القطاعات الاقتصادية بعد الخدمات والصناعة، ويؤمن دخلا لحوالي 15 في المئة من سكان البلد البالغ عددهم 5.8 ملايين نسمة، وتشمل المحاصيل الرئيسية القمح والشعير والفاكهة والخضار والزيتون والعنب والتبغ.

ولتفادي مشاكل التغير المناخي، أطلقت وزارة الزراعة بالتعاون مع جهات محلية ودولية عدة حلول، منها جمع مياه الأمطار من خلال استصلاح البرك الجبلية متوسطة الحجم والكبيرة.

وعلاوة على ذلك، إقامة 30 بركة جديدة سعة كل منها 100 ألف متر مكعب، وتوجيه المزارعين لاعتماد مشاريع ري بالنقطة لتوفير المياه.

وبشأن قيمة الأضرار الزراعية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية، قال هاني إنه “حوالي 4 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية تعرض لأضرار”.

وأوضح أن 20 في المئة من هذه المساحات تضررت بشكل كامل، فيما تم جرف المئات من بساتين الزيتون والحمضيات وتدمير أعداد كبيرة من الخيم الزراعية البلاستيكية ومزارع الدواجن والخيول وقفران النحل.

ويسهم القطاع بحوالي 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتعمل وزارة الزراعة بجدية لتصل بهذه النسبة إلى ما بين 23 و25 في المئة من خلال التخطيط لمرحلة التعافي والتوجه الصحيح نحو الاستثمارات الفعالة.

وكشف هاني عن تعاون حثيث مع جهات وشركات دولية، منها ألمانية وكندية وفرنسية وإيطالية ونرويجية وهولندية تركز دعمها وجهودها على المناطق الأكثر تضرراً في جنوب وشرق لبنان.

وسبق أن تقدمت وزارة الزراعة بمشروع قانون إلى البرلمان للحصول على قرض بقيمة 200 مليون دولار يخصص لإعادة تأهيل القطاع، وللقروض الميسرة لصغار المزارعين، ودعم المبادرات الشبابية والتعاونيات.

15 في المئة من السكان ينشطون في الزراعة التي تسهم بتسعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي

ويشدد هاني على ضرورة تحديث وتطوير القطاع للوصول إلى جودة عالية في المنتجات تتناغم مع المواصفات الدولية المعتمدة في الصادرات. وقال إن لبنان “يصدر الكثير من المحاصيل مثل العنب والتفاح والموز والأفوكادو، القادرة على المنافسة في الأسواق العالمية.”

وزيادة في إعادة تأهيل القطاع، تم إطلاق برنامج تأهيلي لمدة ثلاث سنوات يتضمن مشاريع جديدة، بينها شبكات للري في بعض المناطق، إضافة لزرع 50 ألف شجرة زيتون عوضاً عن تلك التي احترقت في الحرب وزراعة ألفي شجرة زيتون جديدة إضافية.

وتعكف الحكومة على توفير المزيد من الشبكات الزراعية وإدارة الأموال الخاصة بدعم الزراعة في أماكنها المناسبة من خلال قرض حصل عليه البلد من البنك الدولي بلغ 200 مليون دولار.

وأشار وزير الزراعة إلى أن “المدة الزمنية لإنجاز هذه الشبكات تتراوح بين ثلاث إلى أربع سنوات”.

كما بدأت وزارة في وضع رؤية تتضمن إعداد خطة جديدة طويلة المدى تمتد من العام 2026 إلى 2035 بهدف إعادة النظر بالخارطة الزراعية وتحديد الأماكن الأفضل للزراعة الأكثر إنتاجية.

وقال هاني إن “الوزارة تقوم بإجراءات تنظيمية على مستوى الأدوية، التي من المفروض أن تصبح إجبارية وغيرها من الإجراءات المرتبطة بنوعية المنتج بالتعاون مع وزارة الاقتصاد لوضع خطة لكيفية تصريف المحاصيل داخل البلد وخارجه”.

وسبق أن نظمت الوزارة في مارس الماضي دورة تدريبية على التقنيات الحديثة بهدف زيادة قدرات المزارعين استفاد منها 7 آلاف مزارع من كافة المناطق.

ويسعى المسؤولون إلى توجيه المزارعين لإنتاج أنواع متكيفة مع تغير المناخ مع وتشجع الزراعات وسط الخيم البلاستيكية بهدف التخفيف من ضرر شج الأمطار. وشدد هاني على أن دعم الزراعة سيبقى أولوية وطنية لضمان صمود المزارعين واستمرار الإنتاج وحماية الأمن الغذائي في لبنان.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالاقتصادات الغنية تحت ضغط انفلات السيطرة على الديون المتفاقمة
المقالة القادمةديناميكية قوية لتدفقات الاستثمار المغامر إلى مشاريع الذكاء الاصطناعي