تتضمّن مسودة الموازنة زيادة في قيمة الشطور والتنزيلات، لا سيّما بالنسبة لضريبة البابين الأول (الضريبة على أرباح المهن الصناعية والتجارية وغير التجارية) والثاني (الضريبة على الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد)، كما وإيرادات الضريبة العقارية على الأملاك المبنية، ورسوم الانتقال، وذلك تماشياً مع الظروف المستجدّة وتدهور سعر العملة والقوة الشرائية والتضخّم.
والمفارقة أن التعديلات المطروحة بالنسبة الى هذه الشطور ليست نهائية، إذ يمكن أن تتعدّل إذا ما حصل تدهور في سعر صرف العملة خلال السنة، وذلك من خلال الصلاحية الممنوحة لمجلس الوزراء بموجب المادة 35 من مشروع الموازنة (بعدما كانت قد أنيطت في المسودة الأولى بوزير المالية وتمّ التراجع عنها تحت وابل من الاعتراضات والانتقادات) لتعديل الشطور والتنزيلات بحسب نسبة التضخّم الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. علماً أن الصلاحيات والسلطات المذكورة الممنوحة للمجلس مخالفة للمادتين 81 و82 من الدستور اللبناني، اللتين تحصران عملية فرض وتعديل الضرائب بمجلس النواب.
إضافة إلى ذلك، فإن الشطور كما هي مطروحة في هذه المسودة تبدو غير مدروسة وغير واقعية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، بحيث إن الشطور التي كانت مطبقة قبل انهيار العملة الوطنية وتعديلات السنوات الأخيرة، تفيد بأن الشطر الأعلى منها يتخطى 225 مليون ليرة لبنانية سنوياً (أي 150 ألف دولار في حينه) وهو خاضع لضريبة بنسبة 25%، بات اليوم بقيمة 2,440 مليار ليرة لبنانية سنوياً أي 24 ألف دولار تقريباً، ما من شأنه أن يجعل لبنان من بين الدول ذات العبء الضريبي الكبير من دون مقابل يذكر يتمثل بخدمات أساسية. نتيجة لذلك، ستجد الشركات الأجنبية – التي توطّن أعمالها في لبنان عن طريق مراكز وفروع رئيسية وتستخدم أجراء لبنانيين – أن لبنان قد أصبح دولة غير ملائمة من حيث المزايا، بسبب فرض تعديلات مرتفعة من دون وجود تنزيلات مهمة ومن دون تغطية صحية وضمان بطالة أو شيخوخة ناهيك بالمشاكل الأخرى التي تعتري حسن سير الإدارة والقضاء.
دول تتضمّن معدلات ضريبية مرتفعة
بالفعل، اعتمدت الدول التي تعتبر فيها المعدلات الضريبية مرتفعة نسبياً شطوراً مرتفعة في ما خصّ الضرائب المباشرة كالرواتب والأجور تؤمن العدالة الضريبية الأفقية وإعادة توزيع عادلة للثروة. ففي إسبانيا مثلاً، الرواتب الخاضعة للمعدل الضريبي الأعلى المتعلّق بالضريبة على الرواتب والأجور تتخطى 300 ألف يورو سنوياً. أما بالنسبة الى التنزيلات المطروحة، فلا تزال ضئيلة وغير متناسبة مع زيادة الشطور، كما وأنها تضرب أكثر فأكثر العدالة الضريبية الأفقية. فعلى سبيل المثال، التنزيلات العائلية زهيدة للأجراء: فتنزيلات الزوج(ة) غير العامل(ة) تساوي 30 مليون ليرة سنوياً والأولاد الذين هم على عاتق الوالد و/أو الوالدة 6 ملايين ليرة (أي أقل من 100 دولار) ما لا يتناسب مع واقع الحال المستجدّ والمأسويّ.
وعليه، وبالرغم من صوابية الإجراء، إلا أن هذا التدبير يبقى سطحياً وغير ذي تأثير إيجابي في ظل التضخّم المفرط وعدم الاستقرار؛ وبالتالي، كان يقتضي إجراء إصلاح جذري في هذا الاطار واستبدال نظام التنزيلات الحالي القديم والبالي وغير الفعّال وغير العادل بنظام جديد يعتمد على التكليف الأسري والنصاب العائلي (Quotient familial) الأكثر تناسباً مع أوضاع الأسر وهو نظام يهدف إلى تخفيف الضرائب على المداخيل تبعاً للأعباء العائلية الفعلية.
بالفعل، تطوّر مفهوم المساواة الضريبية إلى ما يسمّى بـ»تشخيص الضريبة»، أي وفقاً لأوضاع المكلّف الشخصية والعائلية. لذا، لم يعد يُعتدّ بالمساواة الرياضية (أي النسبية والتصاعدية في التكليف) فحسب بل بالمساواة الشخصية. وإن الشكل الأول لهذا التشخيص هو بأن نأخذ في الاعتبار أعباء المكلّف العائلية الفعلية، وليس تطبيق بدل حسم مقطوع شامل ووحيد على جميع المكلّفين وأفراد عائلاتهم، كما هي الحال اليوم بموجب المادة 31 من قانون ضريبة الدخل، ومن دون الأخذ في الاعتبار حجم دخل كل مكلّف وقدراته المالية فضلاً عن أعبائه العائلية.
لذا، فإنه من المستحسن اعتماد ما يسمّى بال «Quotient familial» بحيث يتم إجراء تخفيضات، تبعاً للوضع العائلي وبعد تطبيق الضريبة على أساس العائلة أو الأسرة (par foyer) لتخفيف العبء الضريبي المترتّب عن إجراء كهذا، على غرار ما هو معمول به في فرنسا مثلاً، لأن الجزء من الدخل الذي يخصّصه رب العائلة لنفقاته الضرورية أكبر من الجزء الذي يخصّصه العازب من أجل ذلك. ويتجلّى ذلك عملياً عن طريق تقسيم دخل الأسرة الإجمالي (الزوج والزوجة) إلى حصص بحسب عدد الأعضاء، بما في ذلك الأولاد، وإعطاء هؤلاء وفقاً للحال سواء حصة أو نصف حصة، ومن ثم يقسم الدخل على عدد الحصص وتكلف النتيجة بالضريبة التصاعدية ويضرب ناتج الضريبة المتأتي من تطبيق النسبة التصاعدية عليه بعدد الحصص للوصول إلى الضريبة الواجب تسديدها عن الأسرة؛ شرط ألا يتجاوز عدد الحصص الإجمالية الممنوحة عن الأولاد حداً معيناً يحدّده المشرّع طبقاً لسياساته والظروف المستجدّة.
كما أن إعفاء الحدّ الأدنى الضروري للعيش يدخل في سياق الأفكار نفسها، إذ إنه أصبح من المتعارف عليه أن في نفقات كل إنسان جزءاً أولياً يخصّص لسدّ الحاجات الأولية الضرورية للعيش (الغذاء، والكساء، والتدفئة، والسكن، وإلخ…) وأنه يقتضي إعفاء هذا الجزء من الضريبة.
ب- تسوية ضريبة رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية الخاضعة لأحكام المادة 82 من قانون ضريبة الدخل (المادة 25)
ثمة لبس والتباس كبيران بالنسبة لهذه المادة (25)، إذ إن النسخة الأولى قد نصت على تسوية غرامات وشددت العقوبات والتعقبات في حال التخلف، بينما النسخة التي أقرّها مجلس الوزراء (تحت المادة 26) تضمّنت عكس ذلك ونصّت على أن «تعفى من الضريبة إيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية الخاضعة لأحكام المادة 82 من قانون ضريبة الدخل العائدة للسنوات 2021 وما قبل، شرط أن يلتزم الأشخاص الطبيعيون والمعنويون المقيمون في لبنان الذين حصلوا على إيرادات خاضعة لأحكام تلك المادة عن العام 2022 بالتصريح عن تلك الإيرادات وتسديد الضريبة المتوجبة، ضمن مهلة ستة أشهر من تاريخ نشر هذا القانون من دون أن يتوجب عليهم أي غرامة تحقق أو تحصيل، في حال التصريح والتسديد بالمهلة المشار اليها أعلاه».
كما يستفيد أيضاً من الإعفاء أولئك الذين حصلوا على إيرادات عن أي من الأعوام 2021 وما قبل ولم يحصلوا على إيرادات عن العام 2022. ويعتبر هذا الإجراء بمثابة عفو عام مالي، كونه يبرّئ ذمة كل من مارس تهرّباً ضريبياً لسنوات، فضلاً عن أنه قد يسمح للمتطاولين على المال العام والفاسدين التواري والإفلات من الملاحقة في الداخل والخارج، ويُبرّئ، بالتالي، ذمتهم من أي مسؤولية أو ملاحقة. وقد تمّ الاعتراض عليه من قبل شريحة واسعة من مجموعات المجتمع المدني، نادت بتطبيق المحاسبة المالية وعدم الإفلات من الحساب والعقاب، ما حدا بالحكومة الى إعادة النظر في الموضوع وعلى الأرجح التراجع.
أما في النص الأساسي، فتمنح المادة 25 من مشروع الموازنة للأشخاص الطبيعيين المقيمين في لبنان مهلةً لغاية 31/12/2023، مع الإعفاء من الغرامات المترتبة كافةً، للتصريح وتسديد الضريبة عن ايرادات رؤوس الأموال المنقولة، على اختلاف أنواعها، التي حصلوا عليها من الخارج ولم تسقط بمرور الزمن، وهي الأموال الموظفة في الخارج بأسهم، فوائد مصرفية وسندات، والمحققة من قبل المقيمين في لبنان. مع الالتزام بتسديد الضريبة المترتبة عن إيرادات السنة المالية 2022 بعملة الحساب نفسها عملاً بأحكام المادة 87 من قانون الموازنة النافذ حكماً رقم 10 تاريخ 15/11/2022.
وتجدر الإشارة إلى أن الضريبة المذكورة المنصوص عليها في المواد 77 إلى 82، المادة 82 من قانون ضريبة الدخل (المرسوم الإشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 مع تعديلاته) لطالما كانت موجودة في التشريع الضريبي اللبناني، إلّا أنّ قِلّة كانوا يُصرّحون عن ضريبة إيرادات الأموال المنقولة في ظل قانون السرية المصرفية وعدم التعاون الضريبي الدولي.
إحالة المتهرّبين من التصريح إلى النيابة العامة المالية
أما اللافت في المادة 25 في صياغتها القديمة، فهو الفقرة الثانية منها التي تقضي بإحالة جميع المكلفين الذين لم يصرّحوا ويسدّدوا الضرائب المتوجبة عليهم، ضمن المهلة المُشار اليها، الى النيابة العامة المالية بجُرم التهرّب الضريبي، كما وبوضع إشارة حجز على أملاكهم ومباشرة لجان البيع بإجراءات البيع في المزاد العلني لتلك الأملاك. يضاف إلى ذلك، وفي حال كان المكلف بهذه الضريبة شركة ولم تسدّد هذه الأخيرة الضرائب المترتبة عليها، يكون رئيس مجلس إدارة الشركة أو المدير العام فيها مسؤولاً عن تسديدها من أمواله الخاصة. ومن نافل القول هنا إن هذا التدبير على أهميته وأحقيته، من حيث السعي إلى توسيع قاعدة المكلفين وتحفيز الإلتزام الضريبي تشوبه علّتان.
الأولى أنه يقتضي على أي تدبير يتشدد بالملاحقات والتعقبات والعقوبات بأن يكون شمولياً ويطول جميع فئات المكلفين الخاضعين لضريبة نوعية مباشرة أو غير مباشرة، وذلك عملاً بالمبادئ الدستورية (الفقرة (ج) من المقدمة والمادتين 7 و81). أما الموضوع الآخر فهو يتعلق بملاحقة رئيس مجلس الإدارة والمدير العام في الشركات، وذلك على أموالهما وذممهما المالية الخاصة في حال التخلف وذلك، باجتزاء ما جاء في المادة 21 من قانون الإجراءات الضريبية رقم 44 تاريخ 11/11/2008 التي اشترطت لتدبير كهذا: أن يكون المدير العام في الشركات المحدودة المسؤولية، ورئيس مجلس الإدارة و/أو المدير العام في الشركات المغفلة قد تعمّد عدم الالتزام بالموجبات الضريبية إذا ثبت ذلك بموجب حكم قضائي. وهذا ما يقتضي ذكره وتوضيحه دون التوسّع والاستنساب في التفسير.
ضرب مبدأ المساواة بين المكلفين العاديين وذوي النفوذ
وفي مطلق الأحوال وفي غياب دولة القانون والمؤسسات واستمرار الزبائنية والولاء والنكد الطائفي، هناك خشية كبيرة لدى تطبيق هذه المادة من أن يكون أصحاب الأموال عُرضة للابتزاز السياسي، إذ أصبح معلوماً عند الجميع أن الدوائر المالية والقضاء المالي الحالي في لبنان غير مستقلين، ما يضرب مبدأ المساواة بين المكلفين العاديين وذوي النفوذ.
إن فرض ضرائب على الإيرادات المتأتية من توظيف رؤوس الأموال في الخارج أمر ضروري وبغاية الأهمية، إنما ليس بالطريقة المطروحة اليوم، فالطريقة الأنسب تكمن في شمولية هذه الضريبة من جهة أولى، كما ومن خلال إيجاد تطمينات تحثّ الفرد على التصريح بعيداً عن التجاذبات السياسية من جهة ثانية. وربما الأفضل هو اعتماد الضريبة الموّحدة على الدخل التي تكبر الوعاء الضريبي وتؤمّن تصاعدية فعّالة وصحيحة تكرّس مبدأ العدالة الضريبية.
ت- تحديد الضريبة على إيرادات كل شخص طبيعي أو معنوي، حتى لو كان مركز نشاطه خارج لبنان ويقوم بنشاط يتعلق بأموال أو خدمات لصالح أشخاص في لبنان من خلال الإنترنت…
تناولت الموازنة في المادة 29 ضريبة جديدة ومجدية وهي الضريبة على التعاملات الرقمية DGtax. تقضي المادة المذكورة بفرض ضريبة على الإيرادات بمعدل 2% على كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم بنشاط يتعلق بأموال أو خدمات لصالح أشخاص في لبنان من خلال الإنترنت أو أي منصات إلكترونية، حتى لو كان مركز نشاطه خارج لبنان.
وبالرغم من أنّ هذا التدبير هو إصلاحي بمبدئه، ولطالما طالبنا بتحقيقه لما قد يسهم في الحدّ من المنافسة غير المشروعة من قبل الذين يمارسون هذه الأنشطة تجاه المكلفين الملتزمين المقيمين، إلا أنّ طرحه من خلال مشروع الموازنة قد أغفل ذكر أية آلية أو تدبير لتطبيقه، ففَرض ضريبة الـ 2% من دون أي إيضاحات أو آلية لتحصيلها، فضلاً عن أن استحداث ضريبة جديدة كهذه يستوجب مشروع قانون ضريبي واضحاً ومتكاملاً ومستقلاً ولا يجوز أن يحدث من خلال مشروع الموازنة.
بالفعل، لدى اقتراح اللجنة الأوروبية عام 2018 قواعد جديدة متعلقة بالمعاملات الرقمية، تقدمت باقتراحات محددة على الدول تناولت تعديل القواعد المتعلقة بفرض الضرائب على الشركات، بحيث تخضع أرباح الشركة للضريبة في حال تناوُل الشركة بشكل ملحوظ النشاطات المتعلقة بالمعاملات الرقمية. بالإضافة إلى ذلك، اقترحت اللجنة تطوير ضريبة موقتة على الدخل الناتج عن المعاملات الرقمية.
ولدى تقدّمها بتلك الإقتراحات، وضعت اللجنة الإرشادات من أجل تطبيق تلك الضرائب المتعلقة بالأنشطة الرقمية نظراً لأهميتها ودقتها. وقد اعتمدت الدول قوانين خاصة من أجل فرض ضريبة على المعاملات الرقمية. بالفعل، أصدرت إسبانيا مثلاً قانوناً عام 2020 قضى بفرض ضريبة على بعض الخدمات الرقمية عندما يكون مستخدمو تلك الخدمات واقعين في النطاق الإقليمي لتطبيق تلك الضريبة.
تفويض صلاحية تشريعية لوزير المالية بخلاف الدستور
أما في مشروع الموازنة للعام 2023 فقد اتفى واضعو المشروع بأربعة أسطر أدرجت تحت المادة 29، تاركين كيفية تحديد الدقائق (عند الإقتضاء) إلى قرار يصدر عن وزير المالية. أي بمعنى آخر فقد فوّضوا صلاحيات تشريعية للوزير بخلاف الدستور لأن لبّ وجوهر هذه الضريبة الجديدة يكمن في التفاصيل التي أغفلتها تلك المادة. بدليل أن المادة 29 المذكورة، وبغياب أية وسيلة واضحة للتحصيل، قد منحت من ناحية أولى الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين يقومون بهذه العمليات توصيفاً على أنهم أصبحوا مقيمين في لبنان، بالرغم من أنهم غير مقيمين. إلا أنه وفي ظل نظام التحصيل الضرائبي القائم في لبنان، من السهل على تلك الشركات أن تتذرّع بأن ليست لديها منشآت دائمة (establishment permanent) في البلاد، وأن تمتنع بالتالي عن تسديد أية ضرائب باعتبار أن المقيمين في لبنان هم مستخدمو الخدمة أو بالأحرى المستهلكون، مع انتفاء إثبات عمل زاولته على الأرض اللبنانية. ومن ناحية ثانية، بغياب نظام ضرائبي موحد على الدخل وعلى الثروة فإنه من شبه المستحيل إحصاء جميع مستخدمي هذه الخدمات عبر الإنترنت المقيمين في لبنان، فضلاً عن أنه من النتائج المحتملة لتطبيق هذا التدبير بالطريقة المطروحة، دفع الشركات المقصودة الى ايقاف خدماتها في لبنان او إلى الدفع إلى اقتطاعها من رواتب اليد العاملة الشابّة او طلاب الجامعات العاملين لديها.
أما الأهم فهو إغفال معدّي المشروع أو بالأحرى تناسيهم بأن التدبير الجديد من شأنه أن يحدث لبساً والتباساً وتضارباً بين النصوص والضرائب المشابهة المرعية الإجراء، بدليل وجود، راهناً، تدابير في القانون اللبناني تعالج هذا الموضوع وهي أحكام المواد 41 و42 و43 (ضريبة غير المقيمين) من المرسوم الاشتراعي رقم 144 تاريخ 6/12/ 1959 وتعديلاته (قانون ضريبة الدخل) التي حدد المرسوم الإشتراعي رقم 2016/3692 دقائق تطبيقها، مع فرض ضريبة مقطوعة تقتطع لدى المنبع من قبل المتعاقد المقيم على إيرادات غير المقيمين تساوي ما يعادل 7,5% من قيمة البدل للخدمات و2,25% بالنسبة للسلع (وقد جرى اقتراح زيادتها بموجب المادة 27 من مشروع قانون الموازنة للعام 2023 إلى 8,5 % و2,55 %). كما أن المرسوم قد أوضح مفهوم الإقامة من خلال تعريف وتثبيت عبارتي «بصورة معتادة ومتكررة» و»محل لمزاولة المهنة» للتمييز في ما بين غير المقيمين فعلياً من جهة، والأشخاص المقيمين في لبنان والذين ليس لديهم مركز عمل ثابت وهم غير مسجلين لدى وزارة المالية من جهة أخرى (الإقامة الفعلية) (Residents de fait) والمعرفين بالمكتومين.
ث- إلزام المصارف باقتطاع نسبة محددة من المال الموجود بحوزتها باسم المتوفي (المادة 31)
استحدثت المادة 31 من مسودة الموازنة ضريبة جديدة تسمح للمصارف باقتطاع نسبة 3% ضريبة عند وفاة أي شخص من حسابه الخاص أو المشترك من المبلغ الموجود بحوزتها باسم المتوفّى.
إن المبدأ من وراء ضريبة كهذه هو لا بدّ إصلاحي لتوسيع قاعدة المكلفين وتحفيز الالتزام الضريبي، إنما يتم تقديمه بطريقة عشوائية وغير مدروسة. ويظهر من نص المادة 31 ثلاث عقبات أساسية في تطبيقها نفصّلها أدناه:
1) لناحية تطبيقها على الحسابات المشتركة: ترعى الحساب المشترك أحكام القانون الصادر في 19/12/1961 الذي يُرَجح على أحكام قانون رسم الانتقال على الأموال المنقولة وغير المنقولة رقم 146/1959، من خلال المادة 8 منه. علماً أنه بموجب قانون الحساب المشترك الآنف الذكر (1961) متى توفي الفرد يؤول الحساب المشترك حُكماً الى شريكه بالحساب من دون الدخول في التركة. وبالتالي، لا يمكن تطبيق المادة 31 من هذا المشروع من دون تعديل القانون المذكور بصورة صريحة لأنه قانون خاص ولا يجوز تعديله إلا بقانون خاص وليس بقانون عام.
2) لناحية تطبيقها في ظل قانون رسوم الانتقال: إن الحسابات المصرفية باعتبارها أموالاً منقولة، تخضع كما أسلفنا ذكره لرسوم الفراغ والانتقال المنصوص عنها في القانون رقم 146/1959. فبحسب القانون المذكور، عندما تؤول الأموال الى الأولاد والأهل بموجب فراغ أو انتقال، تخضع لرسم تصاعدي يتراوح بين 3 و 12%، وعندما يكون الفراغ أو الانتقال بين الإخوة، يكون الرسم المطبق بين 9 و24%. أما عندما يكون بين أشخاص لا توجد بينهم صلة قرابة فيصل الرسم الى الـ45% (يراجع بهذا الخصوص الجدول الوارد في المادة 20 من مشروع قانون موازنة 2023).
إن إحدى عقبات تطبيق المادة 31 هي أنها لم تحدد آلية اقتطاع الضريبة التي استحدثتها، لا سيّما في ظل تطبيق قانون رسوم الانتقال على الأموال المنقولة وغير المنقولة رقم 146/59، ولم تحدد ما إذا كان يمكن استرداد هذه الضريبة في ما بعد أم حسمها من رسوم الإنتقال المدفوعة على التركة أو أنها تُعتبر رسماً إضافياً مستحقاً للخزينة.
3) لناحية تطبيقها في ظل غياب آلية رفع السرية المصرفية: إن تطبيق المادة 31 المذكورة يستوجب من المصارف اقتطاع الضريبة المستحدثة وإرسالها مع أسماء أصحاب الحسابات المعنية الى الدائرة الضريبية المختصة. إلا أن قانون السرية المصرفية رقم 306/2020 الذي عدّل قانون الإجراءات الضريبية (المادة 23) لا يسمح لوزارة المالية بالحصول على هذه المعلومات الا بعد استصدار مرسوم يحدّد الآلية التي تمكّن وزارة المالية طلب المعلومات من المصارف، الأمر الذي لم يحدث بعد. وبالتالي، إن غياب الآلية المطلوبة لتبادل المعلومات بين المصارف ووزارة المالية يشكل عقبة أساسية أمام إمكانية تطبيق المادة 31 من مشروع الموازنة.
ج- زيادة الغرامات
لَحظَ مشروع الموازنة مُضاعَفَة الغرامة على عدم التسديد، كما ورفع غرامة التحقق من 5 الى 10% ونص على زيادة غرامة التحصيل من 1 الى 2% أو من 1.5 الى 3% (بالنسبة للضرائب المقتطعة لدى المنبع). إضافة إلى ذلك، لحظ مشروع الموازنة أيضاً رفع الغرامات المقطوعة من 20 الى 40% وحتى الى 75%، ورفع الضريبة على إعادة التقييم من 10% الى 15% لِتَتساوى مع الضريبة على التفرّغ. كذلك ورد في المادة 43 مضاعفة الرسوم على اختلافها بنسبة 30 مرة عما كانت عليه بتاريخ 1/8/ 2019. إن زيادة الغرامات يأتي من دون خطة استراتيجية لكبح التهرّب والفساد، كما ولمساعدة المواطنين وتحسين أوضاعهم ورفاهيتهم.
ح- إخضاع الإيرادات التي نتجت عن عمليات صيرفة لضريبة إستثنائية (المادة 80)
تتناول هذه المادة فرض ضريبة بنسبة 17% على الإيرادات التي حققها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون نتيجة العمليات التي نفّذوها على منصة صيرفة مع اعتبارها من الأعباء القابلة للتنزيل.
مع الترحيب بأي إجراء يقضي بتحفيز الالتزام والامتثال الضريبيين ويحقق عدالة ضريبية إلا أن إجراء كهذا تشوبه علتان أساسيتان. الأولى عملية ومنطقية وهي أنه قد أغفل أو تناسى أن شريحة كبيرة من المواطنين المحدودي الدخل ولا سيما الموظفين العامين الذين تهاوت قيمة معاشاتهم بالعملة الوطنية والقوة الشرائية لمدخولهم قد منحوا هذا «الإمتياز» للتعويض عن قصور وعجز الدولة عن زيادة رواتبهم وتعويضاتهم وبالتالي لم يحقّقوا ربحاً لكي يكلفوا على أساسه!!!
أما الموضوع الآخر فهو يتعلق بالمبدأ الضريبي كون القانون الضرائبي اللبناني الحالي يتضمن مبدأ ونصاً صريحاً أن أي إيراد لا يكون خاضعاً لأي ضريبة نوعية أخرى على الدخل يكون خاضعاً لضريبة الباب الأول من قانون ضريبة الدخل (المادة 4 (د) من المرسوم الإشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 مع تعديلاته). وبالتالي لا داعي لابتكار ضريبة جديدة إذ إن كل الأرباح التجارية المتأتية من عمليات صيرفة تكون خاضعة لتلك الضريبة العامة بمعدل 4 و25% للأفراد و17% لشركات الأموال زائد 10% ضريبة توزيع.
ومن هذا المنطلق يقتضي تفعيل جباية الضريبة المترتبة على تلك الأرباح على أن تخصص هذه الإيرادات لرفد صندوق إعادة تسديد الودائع المزمع إنشاؤه بموجب مشروع قانون إعادة التوازن للنظام المالي في لبنان. وعليه، يقتضي على وزارة المالية أولاً استصدار المرسوم الذي لحظه قانون تعديل السرية المصرفية رقم 306/2022 والذي يحدد الآلية الواجبة لكي يتمكن من رفع السرية المصرفية وكشف العمليات التي حصلت والتي لم تسقط بعد بمرور الزمن الخماسي (المادة 43 من قانون الإجراءات الضريبية رقم 44 تاريخ 11/11/2008).
أما الإقتراح الضريبي الجديد موضوع هذه المادة فلا يمكن تطبيقه بالنسبة للماضي لأنه يعاكس ويخرق مبدأ عدم رجعية القوانين المالية والضريبية الجديدة وإلا فيطعن به ويبطل أمام المجلس الدستوري.
خ- ملاحظات متفرّقة
– كرّس مشروع الموازنة مبدأ الضرائب التخصيصية بالنسبة الى الرسوم على المقالع والحفارات، وهو أمر جيد مبدئياً لاستعمال الأموال لغايات صحية، إنما لا يجوز إدراج تدابير كهذه في مشروع الموازنة، باعتبارها من باب فرسان الموازنة، بل يجب أن تصدر في قوانين خاصة ومتكاملة، مع تحديد آلية التطبيق.
– بعدما تم تكريس المبدأ والإستثناء بموجب المادتين 19 و87 من قانون الموازنة رقم 10 تاريخ 15/11/2022، لَحَظ مشروع الموازنة للعام 2023 في بعض مواده توسيع النطاق باستيفاء بعض الضرائب الإضافية بالعملة الأجنبية.
– نصت المادة 22 من مشروع الموازنة على تعديل أحكام المادة 58 من قانون ضريبة الأملاك المبنية لجهة السقف المحدد فيه، بحيث إنه على كل مكلف بالضريبة يملك او يستثمر عقاراً واحداً أو حصصاً في عقار مبني ويحصل من جراء ملكيته أو استثماره على ايرادات صافية تزيد عن 100 مليون ليرة في السنة عن كل عقار، أن يتقّدم من الدائرة المالية بتصريح قبل 1 نيسان من كل سنة يبيّن رقم العقار ومقدار حصته.
– سمحت المادة 30 للمكلفين بضريبة الدخل على أساس الربح الحقيقي والمقطوع إجراء إعادة تقييم لمخزونهم.
– نصت المادة 48 من مشروع الموازنة على زيادة رسم الطابع المالي على تأسيس شركات مساهمة 30 ضعفاً، إلا أن الموازنة لم تعالج وضع تأسيس بقية الشركات، ما يخلق عدم توازن ونوعاً من المزاحمة غير المشروعة.
– عدّلت المادة 66 من مشروع الموازنة للعام 2023 الحد الأدنى للدخل السنوي الوارد في المادة 3 من القانون رقم 379 تاريخ 14/12/2001 (الضريبة على القيمة المضافة). ويهدف التعديل الى رفع الحد الأدنى لرقم الأعمال الخاضع للضريبة بين فصل وأربعة فصول متتالية سابقة الى ملياري ليرة لبنانية، بدلاً من 100 مليون حالياً. ولا شك أن هذا التعديل سيلقى اعتراضاً كبيراً، لأنّ المليارين يساويان اليوم ما يقارب العشرين ألف دولار أميركي بينما كانا يساويان قبل الأزمة 66 ألف دولار، ما يعني أنّ شريحة كبيرة لم تكن معنية لغاية تاريخه سوف تخضع لهذه الضريبة.