حولت بعض الاستثمارات العربية وجهتها إلى المدن الجديدة في مصر، وغضت الطرف عن ضخها في قطاع تدوير المخلفات في المدن القديمة، نتيجة جاهزية الأولى لاستقبال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وزيادة العوائد الاستثمارية، بعيدا عن عشوائية التعامل مع المخلفات في الثانية.
فتحت مخلفات مدن الجيل الرابع الذكية التي شرعت القاهرة في تشييدها نافذة أمام تدفق الاستثمارات العربية فيها، حيث أعلنت شركة “بيئة” الإماراتية العاملة في مجال الاستدامة والخدمات البيئية عن توقيع عقد إدارة النفايات في العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، وأكدت أيضا شركة “العمودي” السعودية ضخ استثمارات في مجال تدوير المخلفات بالمدن الجديدة.
وتلقت الهيئة العامة للاستثمار في مصر طلبات من مستثمرين لتدشين مشروعات لتدوير المخلفات في المناطق الحرة.
وتسعى مصر لتدشين 14 مدينة ذكية من الجيل الخامس في مقدمتها العاصمة الإدارية، التي تبعد نحو 45 كيلومترا شرق القاهرة، ومدينة العلمين على البحر المتوسط، إلى جانب مدينة المنصورة الجديدة في دلتا مصر.
وتضع شركات تدوير النفايات المدن الذكية تحت مجهر استثماراتها نتيجة التقنيات التكنولوجية التي تراعي فصل المخلفات من المنبع، وتصنيفها كل حسب طبيعته، فضلا عن عمليات الصرف المحكمة التي تراعي الزيادة السكانية، ونقاط فرز المخلفات التي تم تصميمها منذ البدء في تدشين هذه المدن.
وجعلت هذه المحفزات الشركات العاملة في هذا المجال تسعى لقنص الفرص الاستثمارية، بعيدا عن مدن القاهرة (القديمة) المكتظة بالسكان، وعشوائية طرقها الضيقة وعدم وجود نظم محكمة تضمن لشركات إعادة تدوير المخلفات نجاح عمليات فصلها من المنبع.
وتمتلك الإمارات تجربة فريدة في معالجة النفايات وإعادة استخدامها الآمن في عمليات التصنيع مجددا، ودشنت إمارة الشارقة مركزا لفرز المخلفات ضمن أكبر خمسة مراكز على مستوى العالم بهدف الاستفادة من الثروات التي تحملها النفايات.
وتبدأ شركة “بيئة” الإماراتية نشاطها رسميا في مارس المقبل بالعاصمة الإدارية، وفق خططها للتوسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتستهدف تحويل النفايات بعيدا عن المكبات بنسبة 80 في المئة من خلال حلول شاملة ومتكاملة لإدارة النفايات في المدينة.
وأثمرت استراتيجية “بيئة” في دولة الإمارات عن تحقيق أعلى معدل لتحويل النفايات في منطقة الشرق الأوسط في إمارة الشارقة بنسبة 76 في المئة، وتعمل على تطوير أول محطة لتحويل النفايات إلى طاقة في المنطقة.
وتستعين بتطبيقات إلكترونية عبر الهاتف المحمول لسهولة التواصل وجمع المخلفات بشكل غير تقليدي عبر تطبيق “ويستب رو+” كحل رقمي متكامل لتتبع ومراقبة النفايات، من عملية التجميع وصولا إلى مرافق إعادة التدوير والمعالجة.
وتسهم التقنية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في تبسيط العملية وزيادة الكفاءة، وتستعين في تجربتها الجديدة في مصر بفريق عمل مكون من أكثر من ألف شخص يقدم خدماته لنحو 2 مليون شخص في المرحلة الأولى بالعاصمة الإدارية.
ويتم نشر أكثر من 400 مركبة لتنظيف المدينة وإدارة النفايات بما في ذلك وحدات جمع النفايات الكهربائية، فيما يتم استكمالها بمركبات جمع النفايات ونظام متنقل لمكافحة الآفات ومركبات آليات الكنس ومركبات الاستجابة السريعة.
وتوفر الشركة في عملياتها بالعاصمة الإدارية، أنظمة حاويات تحت الأرض متقدمة وأكثر من 30 ألف نقطة لجمع النفايات.
وتشمل مرافق “بيئة مصر” مرفقا للوقود المشتق من النفايات، يمكنه معالجة ما يصل إلى 1500 طن من النفايات الصلبة يوميا لتوليد الوقود لصناعات الأسمنت، وتوفر مرفقا للنفايات الطبية ومعالجة حوالي ستة أطنان من النفايات الطبية يوميا.
وقال جمال القليوبي، أستاذ الطاقة بالجامعة الأميركية في القاهرة وخبير إعادة تدوير المخلفات، إن قطاع النفايات شهد تطورا كبيرا من خلال الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة خلال الأعوام الماضية.
وأضاف لـ”العرب” أن بلدانا أوروبية، مثل النرويج والدنمارك وهولندا، تستورد النفايات من الخارج، فالنرويج تتحصل على نحو 97 في المئة لإعادة تدويرها، ويتم تحويل النفايات إلى ثلاثة أنواع، إما ورقي أو معدني أو بلاستيكي.
وأوضح أن الإمارات، الدولة العربية الأكثر اهتماما بمجال إدارة النفايات، مع اعتمادها على التكنولوجيا، تليها السعودية، مشيرا إلى أن الأولى تعتمد على تكنولوجيا تجمع بين التجربة النرويجية والكندية في إعادة تدوير المخلفات، والسعودية تستخدم التكنولوجيا الهولندية والدنماركية في إعادة تطوير المخلفات المعدنية والعضوية.
وتسعى مصر إلى دخول تكنولوجيا إدارة المخلفات، منذ التوقيع على اتفاقية باريس للمناخ بنهاية 2015، ومن ثم يجب خفض معدلات التلوث، وأحد أسبابه حرق القمامة وما ينتج عنها من غازات سامة.
ولأول مرة تسير القاهرة بشكل عملي في التعامل مع القمامة كعائد اقتصادي، وهو ما ستطبقه في العاصمة الإدارية، حيث سيتم تدوير القمامة للمنفعة الاقتصادية، واستخدامها في تصنيع الكهرباء، أو كطاقة خضراء.
وتقوم مصر بتدوير القمامة من خلال مشروعات صغيرة، ولأن العاصمة الإدارية تقوم على نظام ذكي ومتطور كان لزاما وجود مشروع كبير لتدوير النفايات.
وتشير دراسات الجدوى الفنية والمالية إلى أن الاستثمار في قطاع النفايات يحقق عوائد على الأموال تصل لنحو 18 في المئة.
وتعمل في مصر نحو 1500 شركة لجمع القمامة، خارج الاقتصاد الرسمي، وتنتشر في جميع المحافظات وتوفر وظائف لأكثر من 360 ألف مواطن، وتركز على عملها داخل القاهرة الكبرى المكتظة بالسكان.
وتحتاج مصر إلى استثمارات بنحو 400 مليون دولار للتخلص من عبء المخلفات على اقتصاد البلاد.
وأصدر مجلس الوزراء المصري تعريفة جديدة لشراء الكهرباء المنتجة من المخلفات بنحو 8 سنتات لكل كيلوواط كهرباء.
وقال جهاز شؤون البيئة المصري، إن إجمالي الإنتاج من جميع أنواع المخلفات في البلاد يصل لنحو 96 مليون طن سنويا.
وقدر البنك الدولي حجم خسائر مصر من عدم تدوير المخلفات والاستفادة منها بنحو 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي يصل لنحو 433 مليار دولار، وتخسر البلاد حوالي 6.5 مليار دولار سنويا لزيادة عبء المخلفات على الاقتصاد والبيئة.
وتخطط وزارة الكهرباء لطرح فرص استثمارية أمام القطاع الخاص لتدشين 10 مصانع لتوليد الكهرباء من القمامة.
وينتج طن المخلفات بين 450 إلى 550 كيلوواط ساعة من الكهرباء وفقا للتكنولوجيا المستخدمة في عمليات الإنتاج.
وأكد فتحي كمال، نائب رئيس شركة الحياة للاستشارات البيئية وخبير إدارة النفايات الطبية والصلبة، أن الأسلوب الأمثل لإدارة النفايات يتمثل في تحويل جزء منها إلى أسمدة والآخر لإنتاج الطاقة.
وأوضح لـ”العرب” أن إسناد إدارة المخلفات لشركة إماراتية جاء تماشيا مع سعي الحكومة للتخلص من النفايات بأساليب علمية قائمة على التكنولوجيا.
وأشار إلى أن الأزمة في إدارة النفايات لا تتمثل في تجميعها بأساليب تكنولوجية أو تقليدية، وإنما في الناتج عنها، فالأساليب التقليدية تقوم بحرقها والتخلص منها دون القيام بإعادة تدويرها، بينما الأساليب الحديثة تترجمها إلى منافع اقتصادية.
وأسست وزارة البيئة أول شركة مساهمة مصرية لإدارة منظومة المخلفات بالتعاون مع بنوك الأهلي المصري، ومصر، والاستثمار القومي، وشركة المعادي للصناعات الهندسية التابعة لوزارة الإنتاج الحربي.
ويصل حجم مخلفات المنازل والمحال والأسواق بالبلاد لنحو 22 مليون طن، منها 13.2 مليون طن مخلفات طعام، و8.7 مليون طن مخلفات ورق وكرتون وعبوات مياه غازية.
ورغم أن الحكومة تشرع حاليا في تنفيذ محطتين لتوليد الكهرباء من المخلفات، إلا أنهما تستوعبان نحو 1.5 في المئة من المخلفات المنتجة بالبلاد، وهي نسبة قليلة في ظل ارتفاع حجم المخلفات التي تتجاوز في محافظة القاهرة وحدها حاجز 20 مليون طن سنويا، ما يجعل تحدي المخلفات أزمة تحتاج إلى تدفق استثماري ضخم.