انتهى مرفأ بيروت. مُسح عن بكرة أبيه. ليس التعبير انتقامياً، بل يعكس واقع اليأس بعد هذه الكارثة. هو المرفأ الذي كان يستقطب التجاذبات حول آليات تطويره. كان السؤال يدور حول تطويره ليكون محطة حاويات، أو محطّة للبضائع الآتية بلا حاويات مثل الحديد والقمح وسواهما. اليوم صار السؤال يدور حول البديل. قبلها يجب أن نعلم لماذا حصل ذلك؟ من يتحمّل المسؤوليات؟ من دون هذه الإجابات سيكون البحث عن بديل أمراً خارج المنطق.
مرفأ بيروت، كما يرد على الموقع الالكتروني لإدارة مرفأ بيروت، كان يتعامل يومياً مع 300 مرفأ عالمي ويستقبل نحو 3100 سفينة سنوياً، ومن خلاله تتم غالبية عمليات الاستيراد والتصدير. تمثّل البضائع التي تدخل إلى مرفأ بيروت 70% من حجم البضائع التي تدخل لبنان. فيه إهراءات القمح والمنطقة الحرة بمساحة تبلغ 81000 متر مربع.
عبر المرفأ تدخل إلى لبنان غالبية السلع والمواد المستوردة من غذاء ومواد أولوية وأدوية وآلات كهربائية وسواها… في المجمل يمثّل المرفأ جزءاً أساسياً من القدرة التخزينية للبنان، وهذا الأمر لا يقتصر على إهراءات القمح، بل هناك مستودعات واسعة فيها سلع مختلفة.
هذا الأمر يجعل من الصعب الاستغناء عن مرفأ بيروت. هناك مكمن الكارثة. فالبنية التحتية للمرفأ مُعدّة لتكون مركزاً أساسياً وحيوياً للنسبة الأكبر من حركة التبادل الخارجية للبنان. شبكة النقل المحلية قائمة على أساس الولوج إلى مرفأ بيروت ونقل البضائع إلى بيروت وجبل لبنان بشكل أساسي ومنهما إلى باقي المناطق. هو محور لا يمكن الاستغناء عنه. أما اليوم فبات البحث عن البديل أمراً يتعلق بالبقاء. تخيّلوا أن لبنان كان مصمّماً في السنوات الماضية ليستورد النسبة الأكبر من السلع التي يستهلكها.
اليوم فقد لبنان المنفذ الأساسي لهذه السلع. لم يعد قادراً على الحصول على سلّته الأساسية من الغذاء. مشكلته أنه بلد لا ينتج الكثير، أي لا يمكنه تعويض هذه الخسارة في الاستيراد. هي المشكلة نفسها التي قادته نحو الإفلاس. فالنموذج نفسه الذي ترك الدولة تترهل، دفع المرفأ نحو ترهل مماثل قاده نحو حتفه مباشرة، وجعلنا نبحث بيأس عن تسوّل للمساعدة. ما البديل؟ الأمر اليوم لإدارة الكارثة وغداً البحث في الخيارات البديلة.