تشهد سوق النفط العالمية في الفترة الأخيرة ذبذبة تصاعدية لافتة في الأسعار، مسجّلة ارتفاعاً في سعر برميل النفط ليبلغ اليوم 92 دولاراً أميركياً، في حين تسارع الدول ولا سيما الأوروبية، إلى تأمين مخزونها الاستراتيجي على أبواب موسم الشتاء على وقع الحرب الروسية – الأوكرانية والسعي الحثيث إلى إيجاد مصادر طاقة بديلة عن الغاز الروسي…
الخبير الدولي في شؤون الطاقة عبود زهر يشرح عبر “الديار” تطوّرات سوق النفط العالمية وحيثياتها، ويعزو ارتفاع سعر النفط العالمي إلى “اقتراب فصل الشتاء حيث تعمد الدول إلى تعبئة خزاناتها من المواد النفطية لزوم وسائل التدفئة، الأمر الذي يزيد من معدل الطلب فيرتفع السعر تلقائياً”.
ويشير في السياق، إلى “تراجع إنتاج روسيا تدريجياً نتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليها، ومن جهة أخرى تعمل عمداً على التخفيف من إنتاج النفط للضغط على أوروبا جراء دعمها أوكرانيا ووقوفها إلى جانبها”.
هذان العاملان “هما الأكثر تأثيراً على تحرّك هامش السعر صعوداً”، يقول زهر، ويعتبره “أمراً طبيعياً”.
لكنه يؤكد أن “سعر برميل النفط لن يبلغ الارتفاع الكبير الذي وصل إليه في السنوات الماضية، وذلك بفعل استخدام الطاقة المتجددة واستغناء العالم قدر الإمكان عن النفط، على أن يتم استخدام الغاز في المرحلة الانتقالية كونه صديقاً للبيئة من جهة، ومنه يتم توليد الكهرباء… ولا بدّ من الإشارة إلى أن السيارات العاملة على الكهرباء هي الأكثر شيوعاً في أوروبا اليوم. من هنا، أصبح الغاز مفيداً حتى في وسائل النقل!”.
ويتوقع في هذا السياق، أن “يرتفع سعر الغاز في هذا الموسم بما يفوق سعر برميل النفط… لتبقى العين على الطاقة المتجددة التي تسعى الدول كافة إلى استخدامها ولا سيما في الدول الأوروبية، الأمر الذي يمنع جنون سعر برميل النفط”.
وعما إذا كانت الدول قد تخطت تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية لجهة تأمين المواد النفطية، يؤكد زهر أنها “لم تتخطَ تلك التداعيات بهذه السرعة، كون تأمين البدائل الثابتة وبالكيمات المطلوبة يستلزم عشرات السنين، إنما يمكن القول إن وطأة الحرب على سوق الطاقة والنفط العالمية قد انحسرت، خصوصاً أن البترول يُستَورَد من الخليج، كما أن الولايات المتحدة لديها اكتفاء ذاتي نفطياً… كل هذه العوامل تخفّف الضغط على الطلب العالمي، وتلقائياً على الأسعار”.
ويتابع: أما أوروبا التي كانت تستورد من روسيا كميات كبيرة من الغاز، فتستعجل استخدام الطاقة المتجددة وتحديداً في السنتين الأخيرتين إذ على سبيل المثال تستثمر ألمانيا بمليارات اليورو لتسريع استيراد الغاز البديل عبر البواخر، وذلك في مسعى حثيث للتعويض عن الغاز الروسي.
أين لبنان من سوق النفط؟
“لبنان كالعادة لا رؤية.. لا خطة.. لا سياسة مجدية في إدارة قطاع النفط لتغطية متطلبات السوق” يقول زهر. ويلفت إلى أن “السوق هي التي تُدير البلد أما الأخير فيقوم بردّة الفعل لا أكثر”.
وفي سياق عرضه لواقع الطاقة في العالم، يتطرّق إلى سوق النفط اللبنانية ليشير إلى أن مجموعة “توتال إنرجي” ماضية في عمليات الحفر في البلوك 9 جنوب لبنان، مؤكداً أنها “تبحث عن الثروة الغازية فقط ولا يهمّها أي شيء آخر… لكن النتائج من المرجّح أن تظهر في غضون شهرين على أقل تقدير. وفي كل الأحوال سيصدر بيان رسمي في هذا الشأن إن من جانب “توتال” أم من جانب الدولة اللبنانية”.
وليس بعيداً، يكشف زهر عن “خدمات كثيرة تتأمّن بوفرة من مرفأ ليماسول إلى موقع الحفر جنوب لبنان، بدلاً من تأمينها من مرفأ بيروت كما كان يحصل في الماضي. وهذه خسارة كبيرة للبنان للأسف!”.
وعن سبب اعتماد مرفأ ليماسول، يقول: لقد برّرت شركة “توتال” ذلك بأن معملَي الإسمنت والـ”مات” جاهزان في مرفأ ليماسول لتصدير البضائع إلى منصّة الحفر في الجنوب، في حين يتطلب إنشاؤهما في لبنان نحو الشهرين، الأمر الذي يوفّر وقتاً وكلفة على الشركة.
لكن زهر يعتبر ذلك “حجّة غير مقبولة في وقت يلهث لبنان وراء كل دولار استثماري نقدي يدخل السوق المحلية، وكان من الأفضل لو حصل ذلك من مرفأ بيروت… أما العمليات الأخرى المتعلقة بالحفر في البلوك 9، فتتأمّن مستلزماتها من مرفأ بيروت إلى موقع المنصّة، لكن على رغم ذلك فقد خسر لبنان مردودَ نشاط توريدي كان يمكن أن يتم عبر مرفأ بيروت…”.