مساع أوروبية لتغيير قواعد سوق الغاز والتحكم في الأسعار

قدّمت المفوضية الأوروبية تفاصيل مقترحاتها الرامية إلى السيطرة على أسعار الطاقة من خلال التعامل مع عدم استقرار الأسعار في سوق الغاز تحت ضغط من دول الاتحاد الأوروبي التي تشعر بالقلق مع اقتراب الشتاء.

وفي مواجهة الانقسامات العميقة بين الدول الـ27 في الكتلة بشأن فكرة وضع سقف للأسعار، تقدّم بروكسل إجراءات “تخضع لأقصى مقدار من الإجماع”، كما أكدت المفوضية.

وعرضت المفوضية إصلاحا لمؤشر سوق الغاز (تي.تي.أف) الذي يعتبره المشغلون الأوروبيون معيارا مرجعيا للمعاملات، والذي تغذيه، وفقا لها، التكهنات “بشكل مصطنع”.

وتتمثل الفكرة في استبداله في غضون ستة أشهر بمؤشر بديل يكون أكثر تمثيلا للإمدادات الحقيقية. وحتى ذلك الحين، توصي بروكسل بـ”آلية مؤقتة” لتصحيح أسعار الغاز.

وهذه المقترحات ستتم مراجعتها يومي الخميس والجمعة المقبلين من جانب رؤساء الدول والحكومات في اجتماع قمة في بروكسل قبل اعتمادها المحتمل في نوفمبر المقبل.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر مطلع، لم تسمه، قوله “سيكون ممرا ديناميكيا” ضمن نطاق مرن يسمح فيه للأسعار بالتقلب لتأطير المعاملات في سوق تي.تي.أف، ما يجعل من الممكن تخفيف التقلبات وتجنب أي ارتفاع حاد.

وتأتي الخطوة مع تراجع أسعار الغاز الطبيعي بالسوق الأوروبية خلال تعاملات الثلاثاء بنسبة 10 في المئة، إذ أدى تباطؤ نمو الطلب واعتدال درجات الحرارة إلى تراجع حجم الطلبيات الجديدة.

وفي التعاملات الصباحية، تراجعت أسعار عقود الغاز الهولندي إلى 116.5 يورو لكل ميغاواط/ساعة، نزولا من 130 يورو في ختام تعاملات الاثنين الماضي.

وبدأت تظهر ملامح الاستقرار على سوق الغاز الطبيعي في أوروبا، والتي تمكنت من توقيع عقود شراء جديدة بعيدا عن روسيا، بعد أن كانت أكبر مصدر للغاز للقارة بمتوسط سنوي 155 مليار متر مكعب.

وخفضت روسيا إمدادات الغاز إلى دول الاتحاد، وأوقفت الضخ من العديد من الخطوط في صدارتها نورد ستريم 1 المتجه إلى ألمانيا، والبالغة طاقته 55 مليار متر مكعب سنويا.

ورغم امتلاء مخزونات الغاز في أوروبا لأكثر من 90 في المئة من الطاقة الاستيعابية، لكن الكميات لا تكفي لعبور فصل الشتاء، خاصة إذا شهدت القارة طقسا شديد البرودة.

وتبرز محاولات لإجبار كافة دول التكتل على الموافقة على إجراء عمليات شراء مشتركة للموسم المقبل لملء المخزونات للحصول على أسعار أفضل من الموردين “الموثوق بهم”، في إشارة إلى النرويج والولايات المتحدة، ومنع الدول الأعضاء من التنافس.

وأعطت الدول الأعضاء الضوء الأخضر في مارس الماضي لإطلاق منصة شراء مشتركة، لكن لم يتم إبرام أي صفقة عبرها واستمرت الدول في التفاوض أحاديا. والآن، تريد المفوضية إشراك القطاع الخاص بشكل أكبر من خلال اتحاد للشركات المستوردة.

وتقترح المفوضية إطارا تضامنيا معززا للبلدان المعرضة لخطر النقص في الإمدادات، وأدوات إضافية لخفض استهلاك الغاز في مواجهة الجهود المختلفة بين الدول، فيما دعت ألمانيا وهولندا إلى “أهداف أكثر طموحا وإلزاما”.

ويعاني الاقتصاد الأوروبي بشدة جراء خفض روسيا إمداداتها من الهيدروكربونات التي تعتمد عليها الكتلة بشكل كبير.

لكن الاتحاد يواجه صعوبة كبيرة في إيجاد رد مشترك، مع تباين المصالح بين الدول، مثل فرنسا التي تراهن على الطاقة النووية أو ألمانيا التي تعتمد على الفحم أو الدول المرتبطة بالهيدروكربونات الروسية في وسط أوروبا.

ولخّص وزير الانتقال البيئي الإيطالي روبرتو تشينغولاني الأربعاء الماضي الوضع، قائلا إن “الأسعار مجنونة. نتفق على التشخيص، لكننا ما زلنا نناقش العلاج المناسب”.

ويرى خبراء أنه لا ينبغي للمفوضية أن تقترح تحديد سقف لسعر الغاز الذي يشتريه موردو الكهرباء لمحطاتهم الحرارية لأن هذا النظام المطبق في البرتغال وإسبانيا على سبيل المثال يسمح بانخفاض أسعار الكهرباء بطريقة آلية.

وتدعم فرنسا فكرة توسيعه ليشمل سائر أنحاء الاتحاد وتعهدت بإقناع دول أعضاء أخرى بتبنيه. لكن الآلية تثير عدم ثقة دول مثل ألمانيا وهولندا اللتين ترفضان تدخل الدولة في الأسواق وتخشى من مخاطر زيادة الطلب على الغاز بسبب زيادة شهية موردي الكهرباء.

ويبدو أن فكرة وضع سقف لأسعار واردات الغاز، وهو أمر ذكرته المفوضية مرار ثم طالبت به 15 دولة عضو من بينها فرنسا، أصبحت منسية. وهي فكرة عارضتها ألمانيا خشية أن تؤدي إلى تفاقم التوترات في إمدادات الغاز المسال في سوق عالمية محدودة.

وأعرب القادة الأوروبيون خلال اجتماع في براغ مطلع أكتوبر الجاري عن مخاوفهم بشأن العواقب الاقتصادية والاجتماعية للتضخم.

وقال وزير الصناعة التشيكي يوزيف سيكيلا الأسبوع الماضي “إذا لم نجد حلا سينتهي الأمر بالناس في الشوارع وباقتصاد ضعيف وبالإفلاس وبدعم أقل شعبية لسياسات المناخ والمساعدات لأوكرانيا. هذا الشتاء سيكون حاسما”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالعراق ينفرد بصدارة أكثر الاقتصادات العربية نموا في 2022
المقالة القادمةمع قُرب الانهيار الاقتصاديّ العالميّ: تبعاتٌ ماليّةٌ للإِرهاب المدفوع بِكُرْه الأَجانب ولطباعة النّقود