أطلق الاتفاق بين مصرف لبنان والحكومة، حول تركيبة الهيئة المصرفيّة العليا، العنان للتقدّم في دراسة مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، أو “إعادة الهيكلة” كما بات يُعرف إعلامياً. فآخر اجتماع للجنة الفرعيّة البرلمانيّة المكلّفة بمناقشة هذا المشروع، شهد سرعة لافتة في تمرير البنود التي أعدّتها الحكومة، وهو ما مثّل انعطافة كبيرة في هذا المسار.
باختصار، بمجرّد انتهاء الخلاف حول تركيبة الهيئة المصرفيّة العليا، تجاوزت اللجنة مرحلة المراوحة في دراسة هذا المشروع، الذي أحالته الحكومة إلى مجلس النوّاب كمرسوم مشروع قانون منذ شهر نيسان الماضي. وابتداءً من الأسبوع الراهن، عادت الحرارة من جديد إلى نقاشات اللجنة الفرعيّة.
البت بمعايير تضارب المصالح
كما بات معلوماً، سيعطي مشروع القانون الهيئة المصرفيّة العليا صلاحيّة اتخاذ القرارات الحاسمة، بخصوص مستقبل كل مصرف على حدة. وبحسب الصيغة المتفق عليها بين الحكومة ومصرف لبنان، ستتشكّل الهيئة من غرفتين: إحداها للإجراءات العقابيّة والتأديبيّة بحق المصارف المُخالفة، وأخرى لاتخاذ القرارات المتعلّقة بإعادة الهيكلة، مثل تصفية بعض المصارف أو فرض زيادة رساميلها.
مشروع القانون ينطوي على مادّة مخصّصة للحؤول دون وجود تضارب للمصالح عند اتخاذ هذه القرارات. بعبارة أوضح، ينص القانون على الحالات التي سيُفرض فيها امتناع عضو ما داخل الهيئة، عن اتخاذ القرارات المتعلّقة بمصرف معيّن، في حال وجود ارتباط بين مصالحه الشخصيّة ومصلحة هذا المصرف.
وتجدر الإشارة إلى أنّ وجود تضارب في المصالح لا يحول دون تعيين العضو في الهيئة المصرفيّة، ولا يمثّل إشارة سلبيّة بخصوص العضو. فكثير من إشارات تضارب المصالح لا تتعدى حدود امتلاك وديعة في المصرف المعني مثلاً. بل تقتصر مفاعيل حالة تضارب المصالح على منع مشاركة العضو في اتخاذ القرار بشأن هذا المصرف، من دون أن تطال سائر أوجه مشاركته في أنشطة الهيئة.
في آخر اجتماع للجنة الفرعيّة، تم البت بالحالات التي ستمثّل تضارب في المصالح، وجاءت الخلاصة مشابهة لتلك الواردة في مشروع القانون المُقدّم من قبل الحكومة. وتم تحديد معايير تضارب المصالح على النحو التالي: في حال كون العضو مساهماً في المصرف المعنيّ، أو في حال شغله منصب مستشار أو عضو مجلس إدارة المصرف خلال السنتين السابقتين لتعيينه في الهيئة، أو إذا كان مقترضاً في المصرف، أو صاحب وديعة تتجاوز قيمتها 100 ألف دولار، أو إذا ربطته قرابة بمساهمي المصرف أو أعضاء مجلس إدارته.
تم توجيه بعض الانتقادات لهذه المعايير. إذ تفترض هذه الصيغة أنّ عضو مجلس إدارة سابق في مصرف ما، لن يواجه تضارباً في المصالح، عند اتخاذ قرارات بخصوص هذا المصرف كعضو في الهيئة المصرفيّة العليا، إذا مضى أكثر من سنتين على خروجه من مجلس الإدارة. وهذا ما يمثّل عيباً في الصيغة المطروحة. حيث سيكون متاحاً أن يصوّت هذا الشخص -في حال تعيينه في الهيئة- على قرارات قام باتخاذها كعضو في مجلس إدارة المصرف، خصوصاً أن نطاق عمل الهيئة التأديبي سيطال السنوات العشر الماضية.
القرارات النهائيّة
سينص القانون على توزيع للصلاحيّات بين الهيئة المصرفيّة العليا ولجنة الرقابة على المصارف. وبحسب الصيغة، ستتولّى لجنة الرقابة على المصارف اتخاذ قرار التقييم المستقل للمصارف، عبر تكليف من يلزم من شركات تتمتّع بالكفاءة المهنيّة بإجراء التدقيق المحاسبي، على أن تُعد اللجنة تقريرها النهائي مع التوصية التي تراها مناسبة. وبعد ذلك، يكون اتخاذ القرار النهائي بخصوص المصرف من صلاحيّة الهيئة المصرفيّة العليا، التي يشارك رئيس لجنة الرقابة في عضويّة عرفتها الأولى (القرارات التأديبيّة)، وفي نقاشات غرفتها الثانية (قرارات إعادة الهيكلة).
هنا يمكن النظر في تكامل قانون رفع السريّة المصرفيّة مع مضمون مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، موضوع النقاش الحالي. فقانون رفع السريّة المصرفيّة أتاح للجنة الرقابة على المصارف، ومن تكلفه من شركات تدقيق، رفع السريّة بمفعول رجعي يصل لغاية 10 سنوات. في حين أن قانون إصلاح أوضاع المصارف يتيح للهيئة المصرفيّة العليا تحريك -أو طلب تحريك- الدعاوى القضائيّة أمام المحاكم المختصّة، ضد كبار المساهمين وأعضاء مجالس الإدارة، الذين شغلوا مناصب في المصارف خلال السنوات العشر الماضية.
في كل الحالات، يتّسع نطاق الصلاحيّات التي ستتخذها الهيئة المصرفيّة العليا بخصوص كل مصرف، وهي يمكن أن تشمل: الإنقاذ الداخلي، أي السماح لبعض المودعين بتحويل حقوقهم إلى أسهم في المصرف، أو إتاحة إعادة رسملة المصرف من قبل المساهمين الحاليين فيه، أو إدخال مستثمرين جدد لضخ سيولة في المصرف. كما يمكن للهيئة أن تتخذ قرارات بعزل الإدارة الحاليّة، أو تعيين مدير مؤقّت للمصرف، أو حظر توزيع الأرباح للمساهمين. وجميع هذه الإجراءات، تندرج من ضمن الأدوات المتاحة تقليدياً في عمليّات إنقاذ المصارف من قبل الهيئات التنظيميّة، وعلى أساس التدقيق الذي ستقوم به لجنة الرقابة على المصارف.
أخيراً، نص مشروع القانون المقدّم من قبل الحكومة على جدول يحدّد تراتبيّة الأموال الخاصّة والدائنين، من جهة الحقوق والمطالب، وهو ما يفترض أن يتم اعتماده عند البحث في عمليّة “امتصاص الخسائر”. غير أنّ اللجنة الفرعيّة قرّرت خلال اجتماعها الأخير تعليق البحث في المبادئ العامّة التي ترعى عمليّة إصلاح أوضاع المصرف، والتي تتصل بهذه التراتبيّة. حيث وجدت اللجنة أن البحث في هذه النقطة مرتبط بصيغة مشروع قانون التوازن المالي، الذي لم يبصر النور بعد.
ما زال مشروع قانون الانتظام المالي قيد الدرس بين الحكومة ومصرف لبنان، فيما شهد السراي الحكومي يوم أمس الأربعاء اجتماعاً ضم رئيس الحكومة نوّاف سلام ووزير الماليّة ياسين جابر ووزير الاقتصاد والتجارة عامر بساط. وإذا كان مضمون هذا المشروع ما زال غامضاً إلى حدٍ بعيد، من المؤكّد أن مضمونه سيؤثّر كثيراً على مسار إعادة الهيكلة. إذ سيحدّد هذا المشروع نسبة الخسائر التي ستتحمّلها كل فئة من فئات الدائنين، بدايةً من المساهمين في المصارف. كما سيحدّد أصول تسديد الودائع، وكيفيّة فرزها إلى فئات مختلفة، فضلاً عن طريقة التعامل مع كل فئة.



