كثيرة هي المآخذ التي تُسجّل على مشروع موازنة 2024 الذي يستهدف جني الإيرادات بمعزل عن أي رؤية اقتصادية أو سياسة ضريبية عادلة. ويستحق فعلاً التسمية التي أطلقت عليه وهي “مشروع دولرة الضرائب”. وبعيداً عن مخالفة مشروع موازنة 2024 الدستور في العديد من جوانبه، لاسيما لجهة مبدأ العدالة الضريبة والمساواة بين المكلّفين، نعرض للمواطنين فيما يلي سلة الضرائب والرسوم المستجدة والمعدّلة والمدولرة بموجب مشروع الموازنة الجديد.
مشروع موازنة 2024 المؤلف من 64 مادة، والمقرر أن يبدأ مجلس الوزراء مناقشته يوم غد الخميس 7 ايلول، يتجاهل في صلب بعض مواده الضريبية الجديدة تبريرها أو تفسير الأسباب الموجبة لها، لاسيما تلك التي تميّز بين المكلّفين. باختصار، يكرّس مشروع موازنة 2024 سياسة تكليف المواطنين وإفقارهم في مقابل ترسيخ الإعفاءات وتسوية الغرامات للمتهرّبين ضريبياً من شركات ومؤسسات وتجار.
الرسوم والضرائب المعدّلة
تأتي الضريبة على القيمة المضافة TVA في أعلى قائمة الضرائب الخاضعة لزيادات، وتطال هذه الضريبة كافة اللبنانيين من دون استثناء، بمعيشتهم واستهلاكهم وحياتهم اليومية. وترتفع الضريبة على القيمة المضافة بموجب موازنة 2024 من 11 في المئة إلى 12 في المئة بدءاً من أول شهر كانون الثاني 2024.
ومن بين الرسوم والضرائب المعدّلة، تعديل ألية احتساب الرسوم والغرامات المتوجبة على مؤسسات التعليم العالي ورفعها من سعر صرف 1507 الى سعر صرف المنصة الرسمية التي سيتم اعتمادها لاحقاً.
وتعديل الرسوم التي تستوفيها وزارة العمل من إجازات عمل وموافقات مسبقة ومعاملات إدارية وغيرها.
رفع قيمة طابع المختار من 5 آلاف إلى 50 ألف ليرة، على كافة المعاملات والإفادات والمصادقات. علماً أن عدداً كبيراً من المخاتير لا يستوفون رسم الطابع الرسمي، بل يفرضون مبالغ إضافية بشكل اعتباطي. وتستهدف الوزارة من هذا البند تعزيز مالية الصندوق التعاوني للمختارين.
رفع رسوم إجازات الاستيراد والتصدير وإعادة التصدير من 75 ألف ليرة إلى 5 ملايين ليرة. وهذه مبالغ يتم تكليفها بشكل أو بآخر للمستهلك النهائي من قبل المستوردين والتجار.
زيادة الضرائب عدة أضعاف تصل إلى 40 ضعفاً على غرار موازنة 2023، وذلك فيما يتعلق بالكثير من الأبواب، كبراءات الاختراع والأثر الأدبي والملكيات الفكرية والأدبية والفنية والتجارية والصناعية وغيرها.
رفع الرسوم القضائية المتعلقة بالسجل التجاري قرابة 1000 ضعف (ألف ضعف) ما كانت عليه سابقاً.
رفع القيمة التأجيرية للعقارات، وتعديل الحد الأدنى لمعدلات الرسم على القيمة التأجيرية ورفع قيمة الغرامة على مالك العقار. كما طرأت تعديلات كثيرة على رسوم تراخيص البناء والترميم والإشغال وغير ذلك.
ورفع الرسوم البلدية على كافة البنود المستحقة بعشرات أضعاف ما كانت عليه سابقاً، وذلك في محاولة لتأمين إيرادات مالية للبلديات التي تعاني شحاً مالياً منذ سنوات.
فرض الضريبة على القيمة المضافة على الحفلات الفنية والموسيقيّة والترفيهيّة مهما كان حجمها.
ضرائب مُستحدثة
أما الضرائب المفروضة حديثاً فيشوبها الكثير من الخلل والتجاوزات وانعدام المساواة بين المكلّفين، ولعل أوقحها تلك التي فرضت على جثث الموتى الآتية من الخارج، واعتبارها في عداد المستوردات. وفي هذه المادة تجاوز لكل أدبيات العلاقة بين الدولة والمواطن، بالإضافة الى عدم مساواة المتوفي في الخارج مع المتوفي في البلد. وأكثر من ذلك، لم تشرح وزارة المال في مشروع موازنة 2024 الأسباب الموجبة للرسوم المفروضة على نعوش الموتى الآتية من الخارج.
وقد وضعت الرسوم المفروضة على النعوش في إطار رسوم الاستهلاك للحفاظ على البيئة، على اعتبار أن للجثث أثر بيئي. وكأن الجثث غير الآتية من الخارج لا أثر بيئياً لها.
وتم استحداث ضرائب ورسوم جديدة على مجموعة خدمات وطلبات، لاسيما منها كل ما يصدر عن وزارة التربية والتعليم العالي ومنها: طلب إذن مزاولة مهنة الهندسة ومعادلة الشهادات الجامعية وصور الشهادات التعليمية والإفادات وطلب الاعتراف بالشهادات والدراسات الجامعية وكل مستند يحتاج إليه طلب الكولوكيوم ورسوم جديدة لجميع الإفادات وغيرها.
رسم مقطوع على كل دعاوى التفريق والطلاق والخلع وإثبات النسب ونفيه، وإثبات الزواج وحصر الإرث وغيرها، وعلى كل المعاملات الصادرة عن المحكمة الشرعية العليا.
فرض رسوم تتراوح بين 1 بالألف و4 بالألف على سلع مستوردة تتجاوز 1500 سلعة، منها نعوش الموتى ولحوم وزيوت وخضار ومواد غذائية وشوكولا والهدايا والمستوردات الشخصية وحفاضات الأطفال وكافة أنواع الأقلام والقرطاسية وأجهزة علاجية وأجهزة تنفس ومستحضرات صيدلانية وأدوية وغيرها.. والملفت في هذه الرسوم، أنه تمت مساواة مواد غذائية ومستحضرات صيدلانية مع الأسلحة واليخوت والمراكب السياحية وغيرها من المستوردات التجارية.
وهذا البند من شأنه زيادة أسعار السلع في السوق الاستهلاكية بشكل مضاعف من قبل التجار.
فرض رسم جديد بدل خدمات سريعة وطارئة لدى الإدارات العامة مقابل تسريع إنجاز المعاملات. ويتم توزيع إيراداته على عدد من المديريات، منها موظفي المديرية المعنية وموظفي الهيئات الرقابية وصندوق تعاضد موظفي الادارات العامة والخزينة العامة. وهذا البند يقونن ويكرّس الرشوة بشكل علني.
رسم للحصول على بطاقة دليل سياحي، بالإضافة إلى عشرات الرسوم والضرائب الجديدة على المعاملات والمؤسسات والخدمات وغيرها.
دولرة رسوم وضرائب
لم تكتف وزارة المال برفع رسوم وضرائب واستحداث أخرى. بل عمدت إلى دولرة العديد من الرسوم وحددت عملة استيفائها من المكلّفين بالدولار وليس الليرة اللبنانية. ومن المقرر ان يعتمد سعر صرف الدولار بحسب ما يقرره مصرف لبنان في وقت لاحق، أي سعر المنصة.
وتأتي الأجور المقومة بالدولار في صدارة الرسوم والضرائب المدولرة. إذ تم تحديد الضريبة على الرواتب والأجور الدولارية بالدولار بدلاً من الليرة، لكن دولار المنصة وليس الدولار الفريش. باختصار سيتم استيفاء الضريبة من الرواتب والأجور المقومة بالدولار من خلال تحويل الراتب إلى الليرة على أساس 40 في المئة من سعر الصرف على المنصة، ثم يتم تحويل الضريبة المحتسبة إلى الدولار على أساس سعر صرف المنصة نفسها. وسيتم تفصيل هذه الضريبة في تقرير لاحق.
وعليه بات يترتّب على صاحب العمل أن يدفع الضريبة المترتّبة عليه بالعملة نفسها المدفوعة للأجير، وعلى الأجير بدوره سدادها بالعملة نفسها التي يتقاضاها.
وتمت أيضاً دولرة رسوم المغادرة عن المسافرين بحراً وجواً والرسوم القنصلية والرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي عند الاستيراد والرسوم المستوفاة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، ورسوم المطار والضريبة على القيمة المضافة المتوجّبة على رسوم المطار، والرسوم المرفئية ورسوم الإقامة لحاملي إجازات العمل من كلّ الفئات، والغرامات التي تستوفيها المديرية العامة للأمن العام، بالإضافة الى دولرة الكثير من الرسوم الأخرى.