تستغل المصارف انشغال المودعين بأجواء الحرب والمخاوف من توسّعها، و”تتطاول” أكثر فأكثر على مدخراتهم وأموالهم المُحتجزة لديها. فتقتطع من هنا وتحسم من هناك، من دون رادع أو ضابط لممارساتها. تتجاوز تعاميم وتبتدع إجراءات مخالفة، غير آبهة باحتمال المحاسبة، فهي لم تختبرها يوماً، بالنظر إلى الغياب التام للجنة الرقابة على المصارف، وتخلّيها عن دورها الرقابي.
حالات عديدة رصدتها “المدن” تكشف مخالفات نافرة لم يشهدها المودعون طيلة سنوات الأزمة، رغم كل ما عانوه من إجراءات مصرفية مجحفة وممارسات قاسية، حجبت عنهم ودائعهم ومدخراتهم. ولا تقتصر تلك المخالفات على المصارف المذكورة أسمائها أدناه، إنما على عدد كبير من المصارف التي تنتهك حقوق المودعين بممارسات مخالفة ومعقّدة، يصعب على العملاء فهمها أو تبريرها.
بنك البحر المتوسط
ويبقى بنك البحر المتوسط Bank Med السبّاق بابتكار إجراءات مجحفة بحق المودعين. فقد وصل به الحال إلى اقتطاع عمولات من حسابات إلى أخرى ومن عملة إلى أخرى من دون إعلام العميل أو توقيعه. وحسب أحد العاملين في المصرف المذكور، وقد ذُهل مما طُلب منه، يقوم المصرف بتغطية تكاليف الحسابات التي تُكشف من حسابات أخرى محتجزة أي بالدولار المصرفي، من دون إبلاغ العملاء أو وضع خيارات أمامهم، في حال أراد أحدهم إغلاق حسابه المكشوف.
ومن الحالات، اقتطاع مبالغ شهرية من حساب “اللولار” على أساس 15000 ليرة للدولار لسداد تكاليف حساب بالليرة اللبنانية من دون علم العميل. ويقول الموظف إن العميل لو علم بهذا الإجراء كان لربما أغلق حسابه بالليرة. فهو يراكم تكاليف وعمولات يتم اقتطاعها من حسابها باللولار من دون جدوى.
حالة أخرى أكثر إجحافاً من تلك، تتمثل باقتطاع المصرف من الحساب اللولار لسداد تكاليف حساب فريش لا تتم تغذيته. بمعنى آخر يقوم المصرف بتحويل مبالغ مالية شهرية من وديعة بالدولار المصرفي “لولار” على أساس 15000 ليرة للدولار إلى الليرة اللبنانية ثم من الليرة إلى الدولار على أساس 89500 ليرة، ويسدّد فيها تكاليف حساب فريش مكشوف للعميل نفسه ومن دون علمه. هذه الحالة -حسب المصدر- من شأنها أن تقتطع من العميل مبلغاً كبيراً شهرياً. فتغذية الحساب الفريش بـ10 دولارات على سبيل المثال سيتم اقتطاعها من الوديعة المحتجزة بالدولار المصرفي بقيمة 66 دولاراً. وهو ما يعرّض الوديعة للذوبان سريعاً.
ممارسات المصرف تأتي في وقت يعلّق فيه غالبية المصارف عمليات السحب من الودائع المحتجزة على أساس سعر صرف 15000 ليرة. بمعنى آخر، يفعل المصرف بالودائع ما يمنعه على المودعين.
ممارسات “مُجحفة”
ولا تقتصر الممارسات الجديدة والمخالفة على بنك ميد. فثمة حالة في بنك سوسيتيه جنرال لا تقل وقاحة عن سابقاتها، تمثّلت باقتطاع المصرف أكثر من 7000 دولار من وديعة أحد العملاء المحتجزة لديه، ومن دون علم العميل. وحين حاول الأخير التقدّم بطلب للاستفادة من التعميم 158 للتمكّن من سحب 300 دولار من الوديعة، فوجئ بأن وديعته تقلّصت كثيراً، ولم يتبق منها سوى بضعة آلاف من الدولارات. وحين سأل المصرفَ كان الجواب صادماً “المصرف استوفى فارق العملة التي سدّد فيها العميل قرض سيارته من المصرف نفسه”.
فالعميل كان قد سدّد قبل سنوات قرض سيارة في مصرف سوسيتيه جنرال على سعر 1500 ليرة للدولار، وذلك تماشياً مع تعميم مصرف لبنان رقم 568 الصادر في شهر آب 2020 وأجاز فيه للمقترضين سداد قروض التجزئة الممنوحة بالعملات الأجنبية على أساس سعر صرف يبلغ 1.507.5 ليرة لبنانية للدولار الواحد، مستثنياً كبار المقترضين وغير المقيمين.
قام المصرف باستيفاء ما يرى أنه حقه من حساب العميل من دون موافقته او علمه. علماً أن رصيد العميل لو لم يتواجد بالمصرف نفسه لما كان سيُقتطع منه أي مبالغ لقاء قرض السيارة. كما أن استيفاء قروض التجزئة تم بموجب تعاميم من مصرف لبنان. وأكثر من ذلك، هل يجرؤ المصرف المذكور أو مطلق مصرف آخر على الاقتطاع من رصيد كبار المقترضين الذي سددوا قروضاً على سعر الصرف الرسمي من دون وجه حق؟
..وحالات “غُبن”
ولا تقتصر معاناة المودعين على الممارسات المخالفة والمجحفة، فمنهم من يتعرّض للغُبن جراء عدم شمول وديعته بأي من التعاميم المصرفية، ومنهم أحد العملاء في البنك العربي الذي تلقى حوالات مالية من شركة يعمل لديها في لبنان بعد 17 تشرين الأول 2019، حاول سحب الرصيد أو جزء منه، فرفض المصرف. وكان الجواب أن السحوبات على أساس 15000 ليرة للدولار متوقف حالياً والاستفادة من التعميم 166 غير ممكنة أيضاً.
أما السبب فيعود لكون الحوالات المالية تمت بين 17 تشرين و30 منه في حين أن التعميم 166 الصادر عن مصرف لبنان شمل بتعديلاته الأخيرة الودائع المكوّنة بعد 31 تشرين الأول 2019 وقبل تاريخ 30 حزيران 2023. ما يعني أن الودائع المكوّنة بعد 17 تشرين وقبل 31 تشرين أي خلال الفترة التي أغلقت فيها المصارف أبوابها لا يشملها أي تعميم. إذاً، كيف يمكن أن يتعامل معها أصحابها؟ وكيف يمكن للمصرف أن يقبل تحويلات مالية لا يعترف بها لاحقاً؟ والأخطر كيف يمكن لمصرف لبنان أن يتجاوز هذه الفئة من المودعين، لاسيما منهم أصحاب الحسابات الصغيرة.