مصرف لبنان: قفزة كبيرة في احتياطات الذهب والعملات الأجنبيّة

نشر مصرف لبنان هذا الأسبوع بيان الوضع المالي الخاص به، للفترة المنتهية في منتصف الشهر الحالي. أرقام الميزانيّة، أظهرت قفزة كبيرة في قيمة احتياطات الذهب الموجودة لدى المصرف، بفعل عودة الارتفاع في أسعار الذهب العالميّة خلال الفترة نفسها. ومن جهة أخرى، بيّنت الأرقام أن المصرف تمكّن من زيادة احتياطات العملة الأجنبيّة الموجودة لديها، عبر عمليّات شراء الدولار من السوق. كما واظبت ودائع القطاع العام لدى المصرف المركزي على تسجيل ارتفاعات معتبرة، ما يشير إلى حجم الفوائض التي يتم تحقيقها في الميزانيّة العامّة للدولة، أو في مؤسّساتها الرسميّة.

زيادة احتياطات الذهب والعملات الأجنبيّة

بحسب الأرقام التي نشرها المصرف، ارتفعت احتياطات الذهب الموجودة في مصرف لبنان من 36.94 مليار دولار أميركي في نهاية شهر تشرين الأوّل الماضي إلى قرابة الـ38.47 مليار دولار أميركي في منتصف الشهر الحالي. وبذلك، تكون احتياطات الذهب قد حقّقت ارتفاعاً في قيمتها بقيمة 1.52 مليار دولار أميركي، خلال فترة بلغت 15 يوماً، وتحديداً في النصف الأوّل من شهر تشرين الثاني. مع الإشارة إلى أنّ قيمة هذه الزيادة المُحقّقة توازي ارتفاعاً بحدود الـ 4.1%، فيما بات إجمالي حجم هذه الاحتياطات يمثّل وحده 39% من موجودات المصرف المركزي المُصرّح عنها، بما فيها تلك التي تعبّر عن خسائر متراكمة وغير ملحوظة، كخسارة حتّى تاريخه.

على أيّ حال، تقتضي الإشارة إلى أنّ قيمة هذه الاحتياطات كانت تقارب الـ 24.1 مليار دولار أميركي في بداية العام الراهن، أي قبل موجة الارتفاعات الأخيرة في أسعار الذهب العالميّة. وبذلك، يكون مصرف لبنان قد سجّل خلال السنة الحاليّة مكاسب بقيمة 14.37 مليار دولار أميركي، جرّاء ارتفاعات أسعار الذهب، وانعكاس ذلك على قيمة احتياطات الذهب الموجودة لديه. وبهذا الشكل، تكون قيمة هذه الاحتياطات قد سجّلت ارتفاعاً بنسبة 60%، منذ بداية العام الحالي.

ومن المعلوم أنّ مصرف لبنان يعيد تقييم احتياطات الذهب الموجودة لديه، كل نصف شهر، وفقاً لأسعار الذهب العالميّة الرائجة، ما يؤدّي إلى تسجيل مكاسب أو خسائر في الميزانيّة بحسب تحوّلات الأسعار. وجاءت كل هذه المكاسب التي حققها المصرف المركزي هذا العام بعدما ارتفع سعر الأونصة في الأسواق العالميّة، من 2,623.96 دولار أميركي في مطلع السنة، إلى نحو 4,077.13 اليوم، ما يعكس زيادة بنسبة 55% منذ بداية العام. وهذه الأرقام، هي ما يفسّر قيمة ونسبة الأرباح التي حقّقها مصرف لبنان خلال الفترة نفسها، في بند احتياطات الذهب.

وخلال النصف الأوّل من شهر تشرين الثاني أيضاً، عكست ميزانيّة مصرف لبنان زيادة في قيمة احتياطات العملات الأجنبيّة، بقيمة ناهزت 109.48 مليون دولار أميركي. وبفعل هذه الزيادة، ارتفعت قيمة هذه الاحتياطات من 11.87 مليار دولار أميركي في أواخر شهر تشرين الأوّل الماضي، إلى نحو 11.98 مليار دولار أميركي في منتصف الشهر الحالي. وبخلاف حالة الذهب، لم تنتج هذه الزيادة من إعادة تقييم الاحتياطات الموجودة أصلاً، بل من زيادة الاحتياطات نفسها، عبر شراء الدولارات من السوق الموازية.

في هذا الإطار، من المهم التنويه هنا إلى أنّ مصرف لبنان أعلن عام 2023، بعد مغادرة الحاكم السابق رياض سلامة لمنصبه، أن حجم احتياطات العملات الأجنبيّة كان يوازي وقتها قرابة الـ8.57 مليار دولار أميركي، ما يعني أنّ المصرف تمكّن -منذ تلك الفترة- من زيادة احتياطاته بقيمة 3.41 مليار دولار أميركي. وجاءت هذه الزيادة، كما هو واضح، من عمليّات مصرف لبنان التي استهدفت شراء فائض الدولار من السوق الموازية. وفي الوقت الحالي، ستراهن مقاربات قانون الفجوة الماليّة -الذي يجري العمل عليه- على هذه الاحتياطات بالتحديد، لضمان تسديد الودائع التي تقل قيمتها عن 100 ألف دولار أميركي.

مطلوبات المصرف المركزي

من جهة الالتزامات، كان لافتًا الارتفاع الذي سجّله بند ودائع القطاع العام لدى المصرف المركزي. إذ تضخّم حجم هذا البند من 8.47 مليار دولار أميركي في نهاية الشهر الماضي، إلى نحو 8.61 مليار دولار أميركي في منتصف هذا الشهر. وهذا النمط المُعتمد على مستوى السياسة الماليّة، القائم على مراكمة الإيرادات العامّة في مصرف لبنان، يتكامل مع سياسة المصرف المركزي النقديّة. إذ من الواضح أنّ هذه السياسة الماليّة تسمح بامتصاص الليرات من السوق، لإيداعها في مصرف لبنان، ما يترك حيّزاً للمصرف المركزي لشراء الدولار من السوق من دون زيادة حجم الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة اللبنانيّة.

ولهذا السبب بالذات، ظلّ حجم الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة مستقراً خلال النصف الأوّل من الشهر الحالي، رغم عمليّات شراء الدولار التي قام بها مصرف لبنان في السوق. فبين بداية الشهر الحالي ومنتصفه، ظلّ حجم الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة يتراوح ما بين 72.88 تريليون ليرة و72.26 ترليون ليرة، وهو ما يمثّل قيمة ضئيلة قياساً بحجم الاحتياطات المتوفّرة للاستخدام بالعملات الأجنبيّة. ولهذا السبب، من غير المرتقب أنّ يواجه مصرف لبنان أي تحديات تُذكر، على مستوى ضبط سعر الصرف في السوق الموازية، إلا إذا طرأت تغيّرات معيّنة على مستوى علاقة المصرف بالسوق الموازية بفعل الضغوط الأميركيّة.

أخيراً، تبقى الإشكاليّة الأهم في الميزانيّة بند التزامات المصرف المركزي للمصارف التجاريّة، الذي يقارب حجمه اليوم حدود الـ83.84 مليار دولار أميركي، في مقابل حجم السيولة الجاهزة المحدود الذي يمكن استخدامه لتسديد الودائع. الفارق بين قيمة هذا البند من جهة، والملاءة المتوفّرة في المصرف المركزي من جهة أخرى، بما في ذلك احتياطات الذهب، يمثّل الفجوة التي يفترض أن يتعامل معها قانون الفجوة الماليّة قريباً.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةقانون الفجوة الماليّة: مفاوضات المصارف والماليّة والمركزي
المقالة القادمةهل يتم تعليق الرسوم والضرائب الجديدة في موازنة 2026؟