فقدت البنوك اللبنانية بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية إحدى الركيزتين اللتين يقوم عليهما العمل المصرفي. فمع بدء تدهور سعر الصرف عشية 17 تشرين الأول 2019 وتراجع الأعمال، انكفأ القطاع الخاص عن الاقتراض. وتوّجت الحكومة مسيرة التوقف عن الاستدانة تلقائياً، مع إعلانها الشهير بالتخلف عن سداد الديون مطلع آذار 2020.
شكّل تمويل المصارف لديون الدولة مصدر الربح الأوفر لها وللمودعين، طوال العقود الثلاثة الأخيرة. القصة التي أصبحت أشهر من “نار على علم”، جذبت الرساميل من آخر أصقاع الارض، طمعاً بفائدة غير مسبوقة على العملة الصعبة.
بلغ تمويل المصارف للقطاعين العام والخاص في نهاية العام 2018 حوالى 93 مليار دولار، موزعة بين 34 و59 ملياراً على التوالي. شكلت هذه القروض التي تبلغ ما يقارب ضعف الناتج المحلي الاجمالي، المقدر وقتذاك بـ 56 مليار دولار، مصدر ربح وفير لاصحاب الرساميل.
على الرغم من كل التحديات والمشاكل التي تواجه البنوك اللبنانية، فان استعادتها زمام المبادرة ما زال ممكناً بالنسبة للبعض منها ولو بالحد الأدنى. وعلى سبيل المثال تشكل مبادرة بنك بيمو “برنامج حماية ودائع جديدة”، التي أطلقها في 23 شباط 2021، خطوة باتجاه استعادة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني. حيث دفع تزايد حدّة الأزمة وتأثيرها على الزبائن والاقتصاد والمجتمع بالبنك إلى إطلاق برنامج حماية ودائع جديدة بالتعاون مع “BEMO Europe – Banque Privée”، وذلك لتأمين الحماية للودائع الجديدة بالعملات الأجنبية للأفراد والشركات، إلى حدّ 50,000 دولار أميركي.
ما يُنتظر من المصارف التي ستتقيد بأصول العمل المصرفي السليم هو “فتح الشمسية في أوقات الشتاء وليس إعطاؤها على طبق من ذهب يوم يكون الطقس مشمساً”، يقول رحمة. باشارة إلى ضرورة الإنتقال من التمويل السهل إلى التمويل الحقيقي للقطاعات الاقتصادية المنتجة، ولو كانت المخاطر فيها أعلى. وعلى هذا الأساس فان الانتهاء من خطوة رفع الرساميل وزيادة البعض نسبة سيولته في المصارف الخارجية، هي مجرد البداية لمسيرة يتوقع ان تكون مكللة بالأشواك والكثير من العقبات.