شهد لبنان في السنتين الأخيرتين ارتفاعاً في عدد الشركات العقاريّة والسماسرة الذين ملأت إعلاناتهم الطرقات. فمن منّا لم تقع عينه على إعلان لشراء عقار أو الاستثمار في مجمّع قيد الإنشاء أو شراء شقّة بسعر مغرٍ؟
وفي الوقت الذي يؤكّد فيه جميع الخبراء الاقتصاديّين والمطوّرين العقاريّين أنّ القطاع العقاري في لبنان يعاني من ركود اقتصاديّ حادّ، متأثرًا بتداعيات الأزمة الاقتصاديّة والارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة، وإنخفاض القدرة الشرائيّة للمواطن اللبناني، تسأل “المدن” كيف يعمل هؤلاء السماسرة وما واقع الشركات العقاريّة في الوقت الحالي؟
كلّ سنة هي أسوأ من التي سبقتها
في الجواب على هذا السؤال يقول مدير شركة Dream Homes International داني حاتم في حديثه لـ”المدن” إنّ “القطاع العقاري في لبنان يعاني من حالة ركود وجمود وتراجع. فكلّ سنة هي أسوأ من التي سبقتها”، مشيراً إلى أنّ “الوضع بدأ بالتدهور منذ بدء الأزمة في سوريا في عام 2011. فيما شهد القطاع حركة انتعاش مؤقتة لحوالى السنة فقط بعد ثورة 17 تشرين وأزمة المصارف، حيث وجد البعض في العقارات حجّة لإخراج أموالهم من المصارف. فكان الزبون يشتري الأرض بأكثر من سعرها بـ30% بشيك مصرفي. فيما البائع يتقاضى هذا الشيك ويصرّفه خارج لبنان ويأخذ بدل الشيك كاش. إلا أنه وبعد أن خسرت الشيكات 90% من قيمتها، أوقفنا التعامل بها”.
ولفت حاتم إلى أنّ “لا إحصاءت دقيقة تحدد نسبة تراجع الطلب على العقارات في لبنان. ولكن وحسب عملنا كوسطاء عقاريين، بإمكاننا أن نقدّر حجم التراجع. أصبحنا نبيع شقّة أو عقاراً مرّة كل 7 أشهر، فيما كنا نشهد سابقاً حركة بيع مرّة كلّ شهر تقريبا أو كلّ 3 أشهر كحدّ أقصى”.
انتقال من البيع إلى الإيجار
وأشار إلى أنّ “معظم الشركات انتقلت اليوم من البيع إلى الإيجار. خصوصاً بعد توقّف قروض الإسكان، ما أدّى إلى رفع الطلب على الإيجارات. إلاّ أنّ قيمة هذه الأخيرة تغيّرت أيضاً. فالطلب بمعظمه يكون على الشقق المفروشة. فيما الميزانيّة المطروحة من قبل معظم طالبي البيوت للإيجار تتراوح بين 200$ إلى 300$ كحد أقصى بعدما كنّا قبل الأزمة نؤمّن منازل للإيجار بـ1000$ في الشهر. واليوم يصعب تأمين زبائن لشقق إيجارها فوق الـ500$. فمعظم طالبي الإيجار إقامتهم مؤقتة في لبنان، وينتظرون فرصة عمل خارج البلاد أو يسعون إلى الهجرة، فيما القسم الآخر يريد منزلاً مؤقتاً يستأجره ريثما يتحسّن الوضع”.
العرض موجود والطلب بأسعار أقلّ من الكلفة
بدوره يشرح صاحب شركة Plus Properties جورج شهوان في حديثه لـ”المدن” أنّ “لا أحد من المطوّرين العقاريّين في لبنان بدأ بمشاريع جديدة، فجميعهم لا يزالون يبيعون المشاريع القديمة. وحتى هذه الأخيرة، بمعظمها تعاني من ركود بسبب وجود العرض فيما الطلب بأسعار أقلّ بكثير من سعر الكلفة. وهذا ما يمنع المطوّر من البيع لأنّ ثمن سعر الشقة المطلوب لن يسمح له بإعادة بناء واحدة أخرى. ومن باع في آخر سنتين فبهدف تسديد ديونه للمصارف بالشيكات”.
شركات نقلت عملها إلى قبرص واليونان
وكشف شهوان أنّه “نقل عمله من لبنان إلى قبرص واليونان، حيث الطلب على العقارات مرتفع جداً. ولما تحمله هذه الدول من إغراءات. ويجد البعض في هذه الدول بوابة عبور للاتحاد الأوروبي. فكلّ من يتملّك بـ300 ألف يورو يحصل على إقامة مدى الحياة. ومن يتملّك بـ250 ألف يورو يحصل على إقامة لـ5 سنوات. ومعظم من يشتري في هذه الدول هم اللبنانيون في دول الخليج وأفريقيا، كما الذين يخشون الوضع في لبنان ويسعون إلى الحصول على إقامة أوروبيّة والاستثمار في مجال آمن. وبالتالي، وجدوا في هذه الدول فرصة للتملّك أو الاستثمار أو حتى الاصطياف. لقد قام هؤلاء بشراء منازل وتأجيرها، ويؤمنون أرباحاً شهرية وسنوية بين الـ7 إلى 10% بسبب ارتفاع الطلب، ما يرفع الأسعار. خصوصاً أن معظم الأوكران والروس هاجروا إلى هذه الدول، هاربين من الحرب وباحثين عن منازل للإيجار”.
وطريقة الدفع -حسب شهوان- “ميسّرة جدا، فكلّ ما يحتاجه الفرد هو دفع من 10 إلى 15 ألف يورو دفعة أولى لشراء المنزل. ليعود ويقسّط المبلغ الباقي على سنة ونصف أو سنتين”.
حركة الطلاب تنعش الإيجارات
من جهّته يؤكّد صاحب شركة Wise Net for Real Estate شربل الغريب في حديثه لـ”المدن” تراجع القطاع العقاري في لبنان، خصوصاً بعد اشتداد الأزمة الاقتصادية في عام 2020: “شهد القطاع نقلة نوعيّة في حركة الطلب التي انتقلت من شراء الشقق إلى استئجارها”.
وأكثر المناطق طلباً هي منطقة الأشرفيّة، حسب الغريب، مضيفاً أنّ “ميزانيّة طالبي المنازل للإيجار تتراوح بين الـ125$ إلى 250$. فيما الحركة الأكبر بالإيجارات يبقى مصدرها الطلاب الأجانب، الذي يأتون إلى لبنان للدراسة، وبمعظمهم يبحثون عن استيودهات لفترة 4 أشهر، وينضمّ إليهم بعض الطلاب اللبنانيين الذي يقطنون في مناطق جبليّة بعيدة عن جامعاتهم. كما تشهد المنطقة إقبالاً من السوّاح الذين يأتون لقضاء فترة مؤقتة في لبنان، ويفضّلون المكوث خلالها في منزل بدل البقاء في فندق”.
وعن حركة شراء المنازل والمبيع، لفت إلى أنّ “من يشتري المنازل اليوم يفضّل الدفع عبر مصارف خارج لبنان، ومن يبيع يطالب الدفع كاش، وليس عبر المصارف”.