تطفو على السطح نقاشات حول مستقبل التنقل مع السيارات ذاتية القيادة من وجهة نظر المسؤولية عن الإصابات الشخصية خاصة مسألة المسؤولية عن تحمل أي ضرر ينتج عن الحوادث سواء بسبب عيوب تقنية أو عرضية بسبب مفاجآت الطريق في ظل الانتشار المتزايد لهذه النوعية من المركبات.
يتوقع خبراء المستقبل أن تصبح السيارات ذاتية القيادة التي تقود نفسها دون إشراف أو تدخل بشري شائعة في نهاية المطاف، إذ أن التقدم التكنولوجي سيجعلها أكثر أمانا وكفاءة من المركبات التي يقودها الناس.
وثمة شق من الخبراء يرون أن زيادة المركبات ذاتية القيادة قد يؤدي إلى جعل الطرق أكثر أمانا وإحداث ثورة في صناعة التأمين من خلال القضاء على الخطأ البشري أو الحد منه بشكل كبير كسبب لحوادث السيارات.
ويمكن لهذه المركبات، المجهزة بميزات متطورة، مثل تقنية الليدار وأجهزة الاستشعار الأخرى، اكتشاف المخاطر المحتملة حول محيط السيارة.
كما تسمح هذه التكنولوجيا لجهاز كمبيوتر السيارة بالاستجابة بسرعة للمخاطر المحتملة واتخاذ خطوات لمنع وتجنب الحوادث.
ولكن السيارات ذاتية القيادة لن تكون مثالية أبدا، وبعض الحوادث لا مفر منها. ومع تزايد شعبيتها، قد تحتاج الشركات إلى مراجعة سياساتها إذا ما تعلقت بالتعويضات لتحسين حساب الأضرار الناجمة عنها.
وتغطي سياسات السيارات الشخصية اليوم عادة الإصابات الناجمة عن “ملكية وصيانة واستخدام وتحميل وتفريغ” السيارة، مع اعتبار “الاستخدام” تشغيل السيارة أو قيادتها.
ولكن إذا استخدم مالك السيارة ذاتية القيادة هاتفه لبرمجة السيارة لنقل صديقه إلى مباراة كرة قدم، مثلا، فهل يستخدم أي شخص السيارة؟
وبشكل عام، لا يتحمل الراكب المسؤولية عن حادث ناجم عن إهمال السائق، ولكن إذا شجع على القيادة غير الآمنة، فقد تقع المسؤولية عليه.
وعلى سبيل المثال، في 2015، قضت محكمة استئناف في كاليفورنيا في قضية بشأن الراكب “الذي يشجع السائق على السرعة على طريق يعرف الراكب أنه يمكن أن يجعل السيارة المسرعة تحلق في الهواء” يمكن أن يكون مسؤولا عن التسبب في الحادث الناتج.
ومن ناحية أخرى، قد تحدد المحاكم في بعض الولايات “الاستخدام” الملام لمركبة آلية على نطاق أوسع بكثير، فمثلا، في 1991، قضت المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن في قضية ضد شركة ستيت فارم للتأمين المتبادل للسيارات.
وحكمت بأن الصياد الذي أطلق النار من مؤخرة شاحنة صغيرة متوقفة، هو المتسبب في إصابة شخص بدلا من الغزال المستهدف، باعتباره كان يستخدم الشاحنة.
ويبدو هذا وكأنه يترك مجالًا للجدل حول من يمكن أن يكون مسؤولا عن الإصابات الناجمة عن أعطال المركبات ذاتية القيادة. وقد تساعد فرضية أو اثنتان في توضيح القضية.
وعلى افتراض أن شخصا يمتلك مركبة شبه ذاتية القيادة تسمح له بتشغيل وضع القيادة الآلية أثناء القيادة إلى وجهته، ومن أجل تشغيل هذا الوضع وإبقائه نشطًا، يتعين عليه الجلوس في مقعد السائق وإبقاء يديه على عجلة القيادة.
وإذا وقع حادث أثناء وجوده في السيارة ويداه على المقود، فقد يواجه الشخص المسؤولية وستغطي بوليصة التأمين استخدامه للسيارة. ومع ذلك، فإن مسألة الاستخدام تصبح أكثر غموضا إذا كانت السيارة ذاتية القيادة بالكامل في غياب السائق.
وكفرضية لذلك أن شخص ما يريد زيارة مدينة أخرى، قد يستأجر سيارة ذاتية القيادة بالكامل ولا يشتري تأمينا لها. ومن راحة هاتفه، يأمرها بالسير إلى وجهتها، وينام في المقعد الخلفي.
في هذه الأثناء تمر السيارة عبر علامة توقف تم حجبها بواسطة ملصق كبير وتصطدم بسيارة أخرى، فهل يستطيع مالكها مقاضاة الشخص المتسبب في الحادث حتى لو لم يكن مهملا.
وهذا الأمر يقود إلى أبعد من ذلك، ويتمثل في قدرة المتضرر على مقاضاة صانع المستشعر الذي فشل في ملاحظة علامة التوقف الغامضة، والشركة المصنعة التي اختارت وركبت المستشعر، أم المتسبب في حجب علامة التوقف.
وفي حين سيقول البعض إن السائق أو مالك السيارة يجب أن يظل مسؤولا، حتى لو لم يكن السائق يتحكم فيها، سيجادل آخرون بأن المسؤولية يجب أن تقع فقط على عاتق الشركة المصنعة أو شركة البرمجيات.
وكمثال أوسع لمثل هذه الفرضيات، فإنه مع كثرة العيوب التي تنطوي على أعطال الطيار الآلي في الطائرات، مثلا، كإرشادات لقضايا مستقبلية تتعلق بالمركبات ذاتية القيادة، قد تكون المشاكل من هذا النوع كثيرة.
ففي عام 1990، أصدرت محكمة اتحادية في ولاية أوهايو حكما في قضية تحطم طائرة اتهمت فيها الحكومة الأميركية وشركة بوينغ وشركة تصنيع الطيار الآلي لير سيغلر وشركة تعديل الطائرات ماكدونيل دوغلاس بتهمة انتهاك الضمان الصريح والإهمال.
ووجدت المحكمة أن القوات الجوية الأميركية التي تسير الطائرة المنكوبة كانت تتمتع بـ”السيطرة على نطاق وتصميم برامج الاختبار المرتبطة” ببرنامج الطيار الآلي بحيث لا يمكن تحميل بوينغ وماكدونيل دوغلاس ولير المسؤولية عن الحادث.
وهذا الوضع يحيل إلى مسألة تتمحور حول إمكانية أن تكون نزاعات المسؤولية المستقبلية عبارة عن معارك بين شركات البرمجيات وشركات الأجهزة مثل مصنعي الكاميرات أو أجهزة الاستشعار وشركات صناعة السيارات.
وعليه يمكن إثارة تساؤل بشأن فشل جهاز استشعار أو برنامج معين وتسبب في وقوع الحادث أم كان اختيار الشركة المصنعة للسيارة وتثبيتها للأجزاء المكونة هو السبب القانوني الوحيد للحادث.
ونظرا لحداثة هذه التكنولوجيا الناشئة، لم تصدر المحاكم أحكاما تقدم إرشادات جوهرية بشأن بعض قضايا المسؤولية والتغطية التأمينية التي من المرجح أن تنشأ عندما تصبح المركبات ذاتية القيادة بالكامل شائعة.
وربما بحلول الوقت الذي تشكل فيه السيارات ذاتية القيادة نسبة صحية من إجمالي المركبات على الطريق، ستوضح القوانين الجديدة هذه الأسئلة المتعلقة بالمسؤولية. وربما بحلول ذلك الوقت، ستشمل سياسات التأمين مؤيدات توضح تغطية الأضرار بالتفصيل.
وفي حين أن المركبات ذاتية القيادة بالكامل ليست متاحة على نطاق واسع للشراء العام الآن، فقد كانت الشركات التجارية تستكشف تكنولوجيا القيادة الذاتية بالكامل.
وأعلنت شركة أوبر، بالشراكة مع شركة السيارات ذاتية القيادة وايمو التابعة لغوغل في أكتوبر الماضي، أن المستخدمين الذين يطلبون سياراها في فينيكس بولاية أريزونا، سيكون لديهم خيار ركوب سيارة أوبر الخاصة بهم في مركبة ذاتية القيادة بالكامل.
وقد لا يكون المستقبل بعيدًا. فبعد عشرين عاما من الآن، قد تتجول السيارات ذاتية القيادة على الطرق وتعمل كأسطول ضخم من مركبات مشاركة الرحلات التي تكسب أصحابها المال في أي وقت من النهار أو الليل.
وبالنسبة لأولئك المهتمين بأن يكونوا من بين أوائل من يمتلكون وينشرون سيارة ذاتية القيادة، كن على دراية بأن بحقوق المستخدمين ومسؤولياتهم وتغطية التأمين الخاصة بهم قد لا تكون محددة جيدًا بموجب القوانين الحالية والسياسات على السيارات النموذجية اليوم.
وسيرغب مالكو السيارات ذاتية القيادة الأوائل في التحدث إلى وكلاء التأمين لديهم للتأكد من أن شرائهم لهذه النوعية من المركبات لا ينتج عنه تعرضًا للمسؤولية غير المؤمنة.
وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف تتطور هذه القضايا مع انتشار السيارات ذاتية القيادة بالكامل على الطرق بشكل متكرر.