في منتصف عام 2019 ارتفعت أصول البنوك اللبنانية 83 في المئة لتصل إلى 253 مليار دولار، وبما يعادل خمسة أضعاف الناتج الاقتصادي للبلاد.
كانت بنوك لبنان تتمير بالواجهات الزجاجية الفخمة، والموظفين الملتزمين بزي أنيق لاستقبال المودعين ورجال الأعمال المميزين بسياراتهم الفارهة. فيما كبار مدراء البنوك يعيشون حياة هادئة.
وبعد أقل من عام أصبحت واجهات الفروع مغطاة بألواح معدنية تحميها من القنابل الحارقة التي يلقيها المتظاهرون عليها كل فترة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها البلاد.
حتى أن كبار موظفي البنوك باتوا يتجنبون الظهور في الأماكن العامة، بعد الغضب الشعبي على ما وصلت إليه أحوال البلاد.
الشهر الماضي شهدت العديد من فروع البنك وحتى فرع البنك المركزي في طرابلس اندلاع حرائق في الخارج، حيث تسارعت الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان منذ آذار بتعثر الحكومة في دفع 90 مليار دولار من الديون، وارتفع التضخم الشهري بنسبة 56 في المئة في أيار، وهي ما جعلت العديد من اللبنانيين ينزلقون إلى هاوية الفقر والجوع.
العديد من اللبنانيين يعتقدون أن المصرفيين بالشراكة مع السياسيين هم من يتحملون المسؤولية على سوء الأوضاع التي وصلوا إليها، وفق تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز ترصد فيه أحوال البنوك اللبنانية في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد.
البنوك شركاء في الأزمة الاقتصادية
الاقتصادي اللبناني جاد شعبان، قال للصحيفة إن البنوك كسبت الكثير من الأموال خلال الفترة الماضية وهم شركاء بالكامل في الأزمة الحاصلة بالبلاد.
وأضاف أن ما فعلته البنوك لا يختلف عن الفساد الذي يمارسه السياسيون أو الأحزاب أو أولئك الذين سرقوا أموال الشعب.
ولبنان الذي ينزف اقتصاديا حاليا، اعتمد خلال السنوات الماضية على جذب العديد من العملات الأجنبية للمودعين المغتربين، بحيث كان يقدم أسعار فائدة عالية تصل إلى 10 في المئة على الودائع بالدولار، وبهذا كان البنك المركزي يمول عجز الميزان التجاري من المقرضين التجاريين.
وساعد النظام المصرفي البنوك على تحقيق هوامش أرباح مذهلة، لكن ثقة المستثمرين الهشة في الصيف الماضي تراجعت، وودائع الدولار بدأت بالجفاف، والتي تبعها احتجاجات جماعية بسبب الإحباط من عدم المساواة.
وأغلقت البنوك أبوابها خلال التظاهرات خوفا من غضب المحتجين، ووضعت قيودا على عمليات السحب أو التحويل، ولكن مع هذا فقد غادر النظام المصرفي في البلاد أكثر من 25 مليار دولار، أي ما يعني 10 في المئة من الأصول المجمعة للقطاع إلى الخارج، وفق مجلة أكسفورد أيكونميكس للأبحاث.
بعد تعثر الدولة في آذار الماضي أصبح من الواضح أن وضع المصارف أكثر خطرا من أي وقت مضى، خاصة وأنه من أكبر المقرضين للحكومة من خلال شراء السندات الحكومية، والتي تقدر بـ 25 مليار دولار ما يعني 12 في المئة من أصول القطاع، فيما تقدر الحكومة خسائر القطاع بـ 69 مليار دولار.
المصارف تلقي باللوم على الحكومة
رئيس بنك بيمو، رياض أوبيجي قال لفايننشال تايمز إنه إذا أردنا متابعة المعايير الدولية، فكلها معسرة بالمجمل، “وإذا لم يدفع لنا البنك المركزي بالتأكيد سنفلس”.
المصرفيون في البلاد يلقون باللوم أيضا على الحكومات المتعاقبة في إصلاح المالية العامة للدولة، رغم أنهم استفادوا في شراء أذونات الخزينة بعوائد مرتفعة، واستفادوا من جهود محافظ البنك المركزي رياض سلامة الداعم لهم منذ 2016.
البنوك اللبنانية ربحت 2.6 مليار دولار في 2017، فيما كان البنك المركزي يحتفظ بأكثر من نصف أصول القطاع المصرفي.
حاليا تسعى حكومة رئيس الوزراء حسن دياب إلى دفع الإصلاحات من أجل استقرار الاقتصاد وتأمين تمويل طارئ من صندوق النقد الدولي، والذي لن يتم من دون برنامج إصلاح اقتصادي ومالي.
أصول الدولة
تيار من المصرفيين يحاولون الترويج إلى استخدام الأصول الوطنية مثل شركتي الاتصالات المملوكتين من الدولة لتسديد 25 مليار دولار من الدين المحلي والأجنبي للمقرضين التجاريين، وهو ما يراه البعض أمرا غير عادل.
استقالات على وقع تحذيرات
وتشهد البلاد تقلبات كبيرة حتى على صعيد المسؤولين الحكوميين، حيث أعلن المدير العام لوزارة المال اللبنانية آلان بيفاني، العضو في فريق التفاوض مع صندوق النقد الدولي، استقالته من منصبه نهاية الشهر الماضي، محذرا من توجه السلطات لإيجاد مخارج للانهيار الاقتصادي على حساب المواطنين، عوضاً عن المضي بإصلاحات حقيقية وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس.
وبيفاني، الذي يتولى منصبه منذ عقدين، هو ثاني شخصية في فريق التفاوض مع صندوق النقد تقدم استقالتها خلال الشهر الماضي اعتراضا على أداء السلطات في خضم أزمة اقتصادية تعد الأسوأ منذ عقود ودفعت نصف اللبنانيين تقريبا تحت خط الفقر.
وأوضح بيفاني، وهو من المساهمين الرئيسيين في إعداد خطة الحكومة الإنقاذية التي تقدمت على أساسها بطلب مساعدة صندوق النقد، “كان هناك محاولة إصلاحية جدية.. ومع الأسف التركيبة السياسية والمالية نجحت بأن تفرملها وربما تؤدي الى تعثرها”.
وحذر المسؤولين من “تحويل دولارات المودعين إلى الليرات ومن تجميد ودائع الناس بشكل يفقدها نسبة مرتفعة من قيمتها”، بعدما توقفت المصارف منذ أشهر عن تزويد المودعين أموالهم من حساباتهم بالدولار في حين يمكنهم سحبها بالليرة فقط.
واتهم بيفاني “من جنى الأرباح الطائلة على مدى سنوات طويلة من جيوب اللبنانيين” بأنه “ما زال يرفض أن يساهم ولو بجزء من تغطية الخسائر” بينما “يريدون أن يدفع الشعب” ثمنها، منبها بقوله: “نحن مشرفون على مرحلة جديدة من الاستيلاء على أصول اللبنانيين بالمواربة”.
وبناء على خطة إنقاذية، اقترحت إصلاحات على مستويات عدة بينها إعادة هيكلة الديون والمصارف، تعقد السلطات منذ أسابيع اجتماعات متلاحقة مع صندوق النقد، أملاً بالحصول على دعم بأكثر من 20 مليار دولار.
وعلقت جمعية المصارف في لبنان على استقالة المدير العام لوزارة المال، واسفت في بيان بـ”شدة لما ورد في حديث آلان بيفاني من تهجم عدائي على القطاعات الاقتصادية عموما والقطاع المصرفي خصوصا، لا سيما أن هذه القطاعات هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد اللبناني”.
واعتبرت أن “القطاع الخاص في لبنان هو الأحرص على مستقبل لبنان وأجياله الطالعة وهو الذي تميز طوال عقود بأدائه وإنتاجيته وريادته وميز لبنان في محيطه الإقليمي بانفتاحه المثمر على العالم”.
المصدر: لبنان24