مهنة جديدة أفرزتها الحرب والتسعيرة “خيالية”

عاد تُجار الأزمات إلى الواجهة من جديد، هذه المرة ليس من بوابة بيع الطحين المدعوم ولا السكر المدعوم والمحروقات، بل من بوابة الحرب.

“نقل البضائع من القرى الجنوبية نحو القرى الآمنة”، مهنة جديدة أفرزتها الحرب والتسعيرة “خيالية”، فهؤلاء يستغلّون حاجة التجار لنقل بضائعهم ويضعون تسعيرات لا تصدق، وصلت في بعضها إلى الـ 1500 دولار.

لم يصدق الصيدلي نزار أن صاحب البيك آب الذي اختاره لنقل الأدوية من مستودعه في منطقة النبطية طلب مبلغ 1500 دولار، غير أنه رضخ للأمر، لأن أصحاب النقل عددهم قليل، ويتحكمون بالسعر، ويستغلّون حاجة الناس وفق تأكيد نزار نفسه الذي يقول “لم أجد خياراً آخر فوافقت، كل ما أردت هو أن أحافظ على الأدوية لدي، خشية أن تطول الحرب أكثر، وأفقدها بسبب الغارات المتواصلة على المنطقة”.

على ما يبدو أن ممتهني هذه “الوظيفة” الجديدة، باتوا يحققون أرباحاً طائلة، فسيارة النقل الصغيرة تتاقضى من النبطية حتى صيدا بين 150 و300 دولار، ويرتفع السعر حسب بعد المسافة، وفي خضمّ توسّع رقعة الحرب والغارات التي طالت كثيراً من المحال التجارية والصناعية، وجد هؤلاء التجار أنفسهم تحت رحمة أصحاب النقل.

يقول يوسف وهو واحد ممن بدأوا يعملون في هذه المهمة التي أفرزتها الحرب، أنه يتقاضى 300 دولار لنقل سيارة من منطقة النبطية، مبرراً السعر بأنه “يعرّض حياته للخطر، ليقوم بعمله” ويرى هذا السعر “قليلاً مقارنة بحجم الخطر المحدق في الطريق، إذ لا نعرف متى وأين تسقط الغارة وقد نكون ضحيتها”.

تشهد منطقة النبطية مؤخراً حركة نقل كبيرة للبضائع، فأصحاب محال الملبوسات والإلكترونيات وحتى قطع السيارات، خاصة ممن تعرضت محالهم للدمار، بدأوا بنقل بضاعتهم، نحو مناطق آمنة تمهيداً لفتح محال لهم فيها، يقول أبو علي يوسف وهو صاحب محل لبيع الأدوات الكهربائية في مدينة النبطية، هذه المدينة التي دمّرت سوقها التجارية بالكامل، إنه لم يجد خياراً أمامه سوى تحمّل وزر تسعيرة النقل المرتفعة والتي وصلت على كل بيك آب يحمّله إلى 600 دولار على “أن يقوم السارقون بسرقتها، خاصة وأن أبواب المحل كلها تضرّرت وتكسّر الزجاج، وبات السارقون يسرحون ويمرحون، لذا وجدت أن تسعيرة النقل رغم قساوتها أفضل من خسارة جنى العمر من قبل السارقين”.

مع كل أزمة يشهدها لبنان، تخرج للعلن مهن من رحمها، وقد تكون هذه المهنة الجديدة الأكثر ربحاً بحسب ما يقول عارفون في هذا المجال، وبالطبع، من الصعب ضبط الأسعار، لا سيّما أن أصحاب هذه المهنة المستحدثة يتسلّحون بذريعة الحرب.

عند مرج حاروف حيث المنطقة الصناعية الكبرى في منطقة النبطية، والتي دمرت بشكل كبير، وجد أصحاب المصالح من قطع السيارات والآليات والمولدات الكهربائية أنفسهم أمام جشع أصحاب النقل، الذين باتوا يعرضون خدماتهم وأسعارهم الخيالية عبر صفحات الفايسبوك والواتس آب، ويعرفون أنهم قلة، ولا خيار أمام التاجر سوى الرضوخ، واقع يؤكد عليه موسى وهو صاحب محل لبيع المولدات الكهربائية، دمّر محله في الغارات التي استهدفت مرج حاروف، يقول “يطلبون تسعيرات قاسية جداً، غير أننا لا نجد خيارات، فنرضخ، كلّفني نقل البضاعة أكثر من 2000 دولار، ولكن أفضل من أن تسرق وأخسر مرتين، ناهيك بأننا لا نعرف من سيعوّض علينا خسائرنا، فنفضّل نقلها وفتح مصالح خارج المنطقة، لأن الوضع الاقتصادي الصعب لا يسمح بالتأجيل.

بالمحصّلة، لا يمكن لوم التجار، على تحمّل أعباء النقل المرتفعة، فالخوف الأكبر ألا يكون هناك تعويض للخسائر الجسيمة التي تكبّدوها، فتجربة حرب تموز 2006 ما زالت ماثلة، والتعويضات تبخرت وحتى قبل بدء العدوان، كان تجار النبطية يطالبون بالتعويضات عن خسائر حرب تموز، فكيف مع حجم الخسائر الأكبر اليوم.

مصدرنداء الوطن - رمال جوني
المادة السابقة“الإنترنت” في زمنَيّ السلم والحرب… أسوأ السيناريوات لم يأتِ بعد
المقالة القادمةمنح جائزة «القدوة الأكاديمية وتمكين الشباب في ريادة الأعمال» للبروفسور فؤاد زمكحل من الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب في حفل حاشد بالقاهرة/ مصر