موازنة الضمان لعام 2025: اختلال التوازن المالي بفائض وهمي

منذ مطلع 2025، يعكف مجلس إدارة الضمان على دراسة مشروع الموازنة العامة والموازنة الإدارية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وبحسب تقرير إدارة الضمان، قدّرت الواردات لعام 2025 بـ604 ملايين دولار، مقابل نفقات بقيمة 565 مليون دولار.

محاسبياً، هي موازنة برّاقة تحقّق فائضاً في فروع الضمان الثلاثة بقيمة إجمالية مقدرة بنحو 39 مليون دولار، إنما بحسب رأي عدد من أعضاء مجلس إدارة الضمان من بينهم أمين السر الأول غسان غصن، وممثل الدولة في المجلس عادل عليق، ورفيق سلامة وفضل الله شريف، فإن موازنة الضمان «فاقدة للتوازن المالي»، مشيرين إلى «ديون الضمان المخفية» تجعل «المركز المالي للصندوق مختلّاً».

لا بل يلمحون إلى أن إدارة الضمان تعمّدت إخفاء النفقات مقابل تضخيم الواردات، لأنها لا تذكر ديون المضمونين، ولا تفسّر سبب انقلاب الفائض إلى عجز في موازنة فرع المرض والأمومة، وتُسقط ذكر قيمة فواتير الهاتف والكهرباء المترتبة على مراكز الضمان. في رأيهم، إن موازنة الضمان للسنة الجارية «تفتقر إلى الشمولية والعمق والمنهجية العلميّة الدقيقة في تقدير الإيرادات والنفقات»، ويطالبون بالتخلي «عن الاعتماد المفرط على التدفقات النقديّة كأداة في إعداد الموازنة لأنّها تفتح المجال للتلاعب بالنتائج»، إذ تؤخر الإدارة المدفوعات لتقليل الإنفاق، ما يحقق «فائضاً ظاهرياً».

بمعنى آخر، الإدارة تتلاعب بالأرقام وتخفي الحقيقة. تقدر إدارة الضمان أن تبلغ قيمة تقديمات فرع ضمان المرض والأمومة في 2025 نحو 346 مليون دولار منها 123 مليوناً في حالة المرض و223 مليون دولار للاستشفاء و7 ملايين نفقات إدارية. وفي المقابل، فإن إيرادات الفرع تبلغ 202 مليون من الاشتراكات و39 مليون دولار مساهمة من الدولة، أي بعجز 104 ملايين دولار بعد حسم الأكلاف التشغيلية وإيرادات الفوائد. وتم تمويل هذا العجز من مال الاحتياط.

وفي فرع التعويضات العائلية، بلغت قيمة النفقات المقدرة بنحو 23 مليون دولار واشتراكات بقيمة 23 مليون دولار، أي بفائض بعد اقتطاع الكلفة التشغيلية يبلغ 4 ملايين دولار.كما إن نفقات فرع تعويض نهاية الخدمة قدرت بنحو 171 مليون دولار مقابل اشتراكات بقيمة 212 مليون دولار بالإضافة إلى تسويات نهاية الخدمة بقيمة 81 مليون دولار، أي بفائض بعد اقتطاع الأكلاف التشغيلية وإيرادات الفوائد وسواها، يقدّر بنحو 129 مليون دولار.

إزاء هذه التقديرات، يسجّل عدد من أعضاء مجلس إدارة الصندوق ملاحظات مرتبطة ببنية هذه الموازنة المطروحة على المجلس لدراستها. يقول أمين السرّ الأول غسان غصن، إن الموازنة أحيلت إلى المجلس من دون «قطع حساب السنة السابقة»، كما إنها لم تتبنَّ «منهجاً علمياً لتقدير الإيرادات»، لذا يمكن اعتبارها «حشو أوراق».

ويشير إلى أنه خلال إعداد الموازنة، ضربت الإدارة قانون الضمان بعرض الحائط، واستخدمت «مال الاحتياط» لتغطية عجز فرع المرض والأمومة، واعتمدت على احتساب الفرق بين المقبوضات والمدفوعات لتحديد كتلة الاحتياط، بدلاً من احتساب الفرق بين الإيرادات والنفقات الفعلية لا التقديريّة.

باختصار، الإدارة عمدت إلى «نفخ الواردات، والاحتياط». فهي لم تذكر المتوجبات المستحقة على الصندوق ومنها فواتير الكهرباء والهاتف المترتبة على مراكز الضمان. «ورغم ملاحظات اللجنة الفنيّة على طريقة تقدير موازنة عام 2024، كرّرت الإدارة الأخطاء نفسها في موازنة 2025 معتمدة على نتائج تحصيلات الفصل الثالث من عام 2024 مضروبة بـ4. لذا، يمكن تشبيه مشروع موازنة الضمان لعام 2025 بـ«مسلسل مملّ» على حدّ توصيف غصن.

فهو مشروع بلا رؤية أو أهداف واضحة ومحدّدة، ولا يمكن البناء عليه بسبب الفجوة الكبيرة بين التقديرات والتحصيلات الفعلية، ولم يأخذ بـ27 توصية للجنة الفنية من أصل 39 أرسلتها للإدارة على مدى عامين كاملين.

فمن أبرز التوصيات التي كانت ستؤثّر بشكل جذري على أرقام الموازنة، إعادة النظر في لائحة المستلزمات الطبية لاعتماد السعر الأدنى بدلاً من التسعير على أساس العلامة التجارية، «ولم تقدّم الإدارة دراسة مالية لوضع فرع المرض والأمومة، وفرع التقديمات العائلية، وفرع نهاية الخدمة، وأسقطت تعديل الحد الأقصى للكسب الخاضع للحسومات لفرع التقديمات العائلية، وتركت الضمان من دون دراسات توضح واقع الاستخدام والترك في السنوات الخمس الأخيرة».

يلاحظ أعضاء آخرون في المجلس إن تسويات نهاية الخدمة شكّلت نصف قيمة التعويضات المقدرة في فرع نهاية الخدمة رغم أن الفصول الثلاثة الأولى من عام 2024، أظهرت أنّ قيمة التسويات تقارب قيمة تعويضات نهاية الخدمة بشكل كامل. فعلى أي أساس اعتمدت إدارة الضمان في تقديراتها؟

يعتقد هؤلاء أن العشوائية حكمت إعداد الموازنة، وهذا يظهر في التفاوت الكبير الذي وقع فيه فرع المرض والأمومة، إذ توقعت الإدارة في 2024 تحقيق هذا الفرع فائضاً نقدياً قيمته 2.6 مليون دولار بينما حقق الفرع فائضاً نقدياً قيمته 107 ملايين دولار من دون مساهمة الدولة (الدولة تدفع 25% من قيمة الفواتير الطبية). لكن عند التدقيق في أرقام الإنفاق، تظهر المسألة بشكل أوضح؛ فقد بلغ مجموع التقديمات الطبية 13 مليون دولار فقط عام 2024، علماً بأنّ الضمان يغطي ثلث الشعب اللبناني. لذا، يمكن الاستنتاج أنّ الضمان لا يسدّد ديونه.

26 ضعفاً
هو حجم ارتفاع النفقات الطبية في موازنة عام 2025 من 13 مليون دولار عام 2024 إلى 347 مليون دولار

57.4 في المئة
هي نسبة النفقات الطبية داخل المستشفيات وخارجها من مجموع واردات الضمان البالغة 604 ملايين دولار

25.3 مليون دولار
هي مساهمة فروع الضمان الأربعة في النفقات الإدارية في موازنة عام 2025

مصدرجريدة الأخبار - فؤاد بزي
المادة السابقةدبوسي عرض مع رونال العلاقات الثنائية بين غرفتيّ طرابلس ومرسيليا
المقالة القادمةفياض: لمواكبة التحوّل الطاقوي بإصلاح مالي