تتعرض موازنة ٢٠٢٤ التي أعدتها الحكومة اللبنانية و أحالتها إلى مجلس النواب ضمن المهل الدستورية لأول مرة إلى الكثير من الانتقادات، إلى درجة وصفها المعنيون في القطاع الخاص والاقتصاديون بالموازنة التدميرية والكارثية لما تتضمنه من ضرائب ورسوم كبيرة جداً، لا يستطيع أحد أن يتحملها في بلد منهار اقتصادياً و شعبه يعاني من تردي أوضاعه المعيشية و تراجع قدرته الشرائية والقطاع الخاص يلفظ أنفاسه الأخيرة، سيما بعد الأحداث على الساحة الجنوبية و تزايد احتمالات الوقوع في الحرب .
لجنة المال والموازنة تقوم بدراسة هذه الموازنة والذي قال رئيسها ما نقوم به ليس مجرد إبداء رأي وتحليل أو تنظير “من برا” إنما مناقشة وتفنيد لبنودها لتعديلها بنيوياً او حتى اسقاطها إذا أقتضى الأمر في الهيئة العامة”.
وأشار كنعان الى أن “استحداث رسوم جديدة وضرائب جديدة لا يجوز دستورياً في الموازنة، وبشكل عشوائي من خلال زج مواد بهذه الطريقة. فنحن واقعيون وقانونيون بالتعاطي، ونطالب الحكومة بواجباتها، فطرح ضرائب جديدة يكون من ضمن رؤية متكاملة ليعرف المواطن ما هي الخدمات التي سيحصل عليها في مقابل هذه الضرائب”.
في السياق يعترض الباحث الاقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديثه مع الديار على عدة بنود في هذه الموازنة التي لا تراعي الأصول المالية المنطقية من جهة فرض الضرائب، فهي تحاول أن تُكبر الضرائب أفقياً مشيراً إلى أن الحكومة تزيد من الضرائب من أجل الحصول على الإيرادات، بينما كان يمكنها أن تُعد نظاما ضريبيا طبيعيا مبنيا على الضرائب الحقيقية وعلى الأرباح وعلى أصحاب رأس المال وعلى الأموال التي تدخل إلى البلد، وكذلك رفع ضريبة ال tva او بالحد الأدنى تحصيلها بشكل جيد لافتاً إلى أن هناك تهربا ضريبيا في ال tva يُقدر بحوالى ٦٥% والتي يمكن عند تحصيلها أن نحقق مبالغ كافية للموازنة.
واذ أكد جباعي أنه إذا تم تحصيل ضريبة ال tva بشكل صحيح ومنع التهرب الجمركي و التهرب الضريبي يُصبح لدينا وفرة في الموازنة تحدث عما يمكن أن تحققه الأملاك البحرية من إيرادات مؤكداً على أنه لا يجوز أن نستمر في تأجيرها بأقل من ١% من قيمتها، “وإن كنا مع الاستثمار في الأملاك البحرية ومع المستثمرين لكن على أن يدفعوا القيمة الحقيقية لهذه الأملاك، فمن غير المنطقي أن يستأجر أحد المستثمرين أرضا بحرية ثمنها مليون دولار و يدفع ١٠ الاف دولار سنوياً أي بنسبة ١%” لافتاً إلى أنه يجب أن يدفع على الأقل ١٠٠ ألف دولار أي بين ٥ و ١٠% من قيمتها التأجيرية سنوياً .
وانتقد جباعي الشطور الضريبية التي تتراوح بين ٢ و ٢٥ % على رواتب القطاع الخاص، معتبراً أن هذا الرقم خيالي في بلد لا يقدم أي شيء مقابل هذه الضرائب كباقي الدول التي تؤمن الطبابة والمدارس والكهرباء والعديد من الخدمات الأجتماعية غير الموجودة في لبنان، مشدداً على ضرورة إعادة النظر في الشطور الضريبية وهذا ما تعمل عليه لجنة المال و الموازنة التي لن تقبل هذا الأمر وفق معلومات جباعي.
ووفقاً لجباعي يجب الانتباه إلى موضوع رواتب موظفي القطاع العام إذ إنه لا يجوز فرض كل هذه الضرائب على هؤلاء الموظفين وفي المقابل ليس هناك تحسين لرواتبهم من أجل زيادة إنتاجيتهم، مشيراً إلى أن الموازنة بحاجة الى إعادة دراسة وإعادة هيكلة وبحاجة إلى اتفاق، ويجب أن يطلع عليها مجلس النواب بشكل دقيق وإذا بقيت كما هي دون تعديل فستكون موازنة كارثية على أصحاب الطبقة الوسطى والفقيرة، ولن يكون فيها أي ضمانات أو تقديمات اجتماعية للمواطن.
و في موضوع إمكانية إصدار الموازنة بمرسوم من الحكومة قال جباعي: الحكومة قدمت الموازنة ضمن المهلة الدستورية لأول مرة وهذا الأمر يُحتم على مجلس النواب أن يقرها قبل نهاية السنة الحالية وإلا يمكن للحكومة أن تقرها بمرسوم، لكن يستطرد جباعي هذا الأمر كان من الممكن أن يكون صحيحاً إذا كان هناك قطع حساب، مشيراً أنه يجب أن يوافق مجلس النواب على إقرار الموازنة من دون قطع حساب وبالتالي يمكن للحكومة أن تنشر الموازنة لكن لا يمكن أن تنفذها، لأن تنفيذها من دون قطع حساب بحاجة الى تشريع من مجلس النواب.
و ختم جباعي بالقول نحن كإقتصاديين وكماليين نفضل أن يناقش مجلس النواب الموازنة بكل بنودها ويقرها بعد إجراء التعديلات اللازمة عليها لأنها تحتوي على بنود تفجيرية وضرائب غير واقعية مؤكداً أنه ليس ضد أن يكون هناك موازنة، ونحن نثّمن تقديم الموازنة في وقتها الدستوري لكن بشرط أن يكون هناك قطع حساب لموازنة ٢٠٢٢ كي تستطيع الحكومة أن تنفذها وإذا لم يكن هناك قطع حساب يجب أن يصدر مجلس النواب قانوناً يشرع للحكومة تنفيذ الموازنة من دون قطع حساب.