عندما أحيلت موازنة 2025 من وزارة المالية إلى مجلس الوزراء كان مقدراً لها أن تواجه معارضة الموظفين والمتقاعدين، الذين لمسوا مدى استخفاف الحكومة ممثلة بوزارة المال بحقوقهم وحقوق عائلاتهم. فنوايا عدم تصحيح الرواتب والأجور وفق الأصول ظهرت جلية في مشروع موازنة 2025 إذ أشارت الأخيرة بشكل واضح أيضاً إلى ترسيخ مبدأ التمييز بين العاملين بالقطاع العام ومتقاعديه من خلال فتح سقوف التقديمات الإجتماعية والزيادات المتنوعة الأشكال من خارج الراتب الأساس.
تجاهل الحكومة
لم تستمع الحكومة لمطالب الموظفين والمتقاعدين ولم تتعامل مع ملف الرواتب والأجور بجدّية، إذ عمدت أكثر من مرة إلى “ترقيع” الأزمة بإقرار زيادات على شكل مساعدات إجتماعية وبدلات إنتاجية وبدل مثابرة وأشكال أخرى بتسميات مختلفة، ولم تُدخل أي منها في صلب الراتب كما لم تضع مخطط واضح لتعديل سلسلة الرتب والرواتب للعاملين بالقطاع العام والمتقاعدين.
وبعد عدة مطالبات من قبل موظفي القطاع العام والمتقاعدين لاسيما منهم المتقاعدين العسكريين تجاهلت الحكومة مطالبهم ودعا رئيسها إلى جلستين حكوميتين إحداها لبحث عدد من البنود التي يغيب عنها بند الرواتب والأجور والثانية للشروع في بحث مشروع موازنة 2025.
تجاهل الحكومة للمطالب المعيشية استنفر المتقاعدين الذين نجحوا بتعطيل جلسة اليوم بعد إغلاقهم كل الطرق المؤدية إلى السراي الحكومي ومنع وصول الوزراء للمشاركة بالجلسة. وقد أحرق المعتصمون الإطارات تعبيراً عن رفضهم لانعقاد جلسة مجلس الوزراء التي ستناقش موازنة العام 2025، قبل تحقيق مطالبهم، ملوّحين بالتصعيد في حال لم تتم الاستجابة لها.
ماذا بعد تعطيل الجلسة؟
وبحسب مصدر حكومي فإن الحكومة لم تُدرج بنداً لتصحيح الرواتب والأجور لكنها كانت تعتزم اليوم إقرار “راتبين إضافيين للموظفين والمتقاعدين بدءاً من شهر تشرين الأول المقبل إلى حين إقرار موازنة 2025 وربما كان سيتم استتباع ذلك بإقرار راتبين إضافيين بدءاً من مطلع العام 2025″، ويلمح المصدر إلى إن تعطيل جلسة اليوم لا يصب في صالح الموظفين والمتقاعدين ومن شأنه تأخير إقرار هذه الزيادات المتمثلة بأربعة رواتب”.
من جهتهم، يرفض العسكريون المتقاعدون إفساح المجال للحكومة لعقد جلسة يغيب عن جدول أعمالها بند واضح يتناول الرواتب والأجور. هذا المطلب يعكس انعدام الثقة بوعود الحكومة كنتيجة طبيعية لممارساتها على مدى السنوات القليلة الماضية، إذ اعتادت إقرار زيادات بـ”المفرق” وتجاهل مطالب المتقاعدين والموظفين على السواء. وأعرب مصدر من بين العسكريين المتقاعدين عن عدم ثقته بما سرّبت الحكومة عن نيّتها زيادة 4 رواتب بتوقيتات مختلفة وقال إن التسريب يهدف إلى إيقاع خلاف بين المتظاهرين و”هذا لن يثنينا عن الإستمرار بالتحركات إلى حين تنفيذ المطالب”.
وبحسب تجمّع العسكريين المتقاعدين فالتحركات أمام السراي الحكومي مستمرة إلى حين تعديل جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء وإدراج بند تصحيح الأجور وذلك عقب تعميم خطة تصحيح الأجور قبل تاريخ انعقاد الجلسة المقبلة. ومن المقرر تنفيذ تحركات جديدة في مواعيد انعقاد جلسة لمجلس الوزراء ومحاولة تعطيلها ما لم يُدرج بند الرواتب والأجور والتوافق عليه مسبقاً.
وأورد التجمع في مطالبه المرفوعة إلى الحكومة التعهّد “بتوفير مصادر للتمويل من خلال مكافحة الهدر والفساد وفرض الرسوم على الأملاك البحرية وغيرها من الرسوم كما يرفض المتقاعدون فرض المزيد من الضرائب على الفقراء بحجة تمويل الموازنة”. هذا المطلب ينسفه مشروع موازنة 2025 ومن قبله قانون موازنة 2024 إذ خلا المشروع والقانون من كل ما ذكر أعلاه واقتصرت إيرادات الموازنة بسوادها الأعظم على الضرائب غير المباشرة.
من علل موازنة 2025
ولا تقتصر عيوب مشروع موازنة 2025 على تغييب مطالب وحقوق الموظفين والمتقاعدين لا بل طالت أيضاً سلة الضرائب التي ارتفعت بمعظمها عما كانت في موازنة 2024 وقاربت نسبة الإرتفاع الإجمالية نحو 33 في المئة عما كانت عليه في وقت لم ترتفع رواتب وأجور العمال والموظفين والمتقاعدين، وهو ما دفع بهم اليوم إلى مواجهة الحكومة بالشارع.
وفي حين غاب عن مشروع موازنة 2025 أي بند يصب في خانة تصحيح الرواتب والأجور ورد فيها ما هو أسوأ. فقد كرّست الموازنة سياسة توزيع المساعدات والتعويضات المتفرّقة لمختلف فئات الموظفين بشكل غير متساو، وقد نصّت المادة 48 من مشروع موازنة 2025 على تعديل المادة 115 من موازنة عام 2022، وتعليق أحكام المادة 81 من موازنة عام 2019، لتصبح الزيادات من دون سقف. بمعنى آخر أسقطت إلزامية تحديد المساعدات بنسبة 75 في المئة من مجموع الرواتب الأساسية كما لم تتضمن أي إشارة إلى زيادات على اساس الراتب، وهذا أمر قد يستنفر الموظفين الفعليين أيضاً في المرحلة المقبلة وليس فقط المتقاعدين.