غابت عن مشروع موازنة 2025 أي مؤشرات إصلاحية أو بوادر لتصويب التخطيط للموازنة، اقتصرت الموازنة على تقدير حجم الإنفاق وليس تقدير الأهداف المرجوّة من المشروع. أما الإيرادات فجرى تقديرها بناء على تعديلات ضريبية عديدة تضمن للخزينة موارد أكبر من تلك التي حصّلتها من موازنة 2024 من دون استحداث أي موارد مالية أخرى.
الثقل الضريبي على “الفقراء”
قد لا تستحدث موازنة 2025 ضرائب جديدة لكنها أمعنت برفع الأثقال الضريبية على المكلّفين من خلال تعديلات مستجدة على عشرات الضرائب. تلك التعديلات لم تقض بانخفاض أي من تلك الضرائب والرسوم إنما قضت بارتفاعها عشرات المرات ومنها مئات المرات، وبلغ المعدل العام لارتفاعها 33 في المئة عما كانت عليه في موازنة 2024.
تعتبر مصادر وزارة المالية بأن مشروع الموازنة يراعي الفئات الإجتماعية الضعيفة لاسيما محدودي المداخيل والفقراء منهم، من خلال تعديل طرق احتساب الضرائب والرسوم وعدم استحداث ضرائب ورسوم جديدة. لكن أرقام الموازنة تطيح بذلك الإدعاء حين تفضح حجم الإيرادات من الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
وقبل الأرقام لا بد من توضيح ماهية الضرائب وأنواعها ومدى انعكاسها على الفقراء ومحدودي المداخيل. فالضرائب المباشرة تقع على الدخل والأملاك البحرية ورسم الإنتقال والرسوم العقارية، أما االضرائب غير المباشرة فتقع على الإستهلاك، كالضريبة على القيمة المضافة ورسم الإستهلاك الداخلي للسيارات والرسوم على المحروقات وعلى التبغ والتنباك والرسم الجمركي ورسم الطابع المالي. وتبرز أهمية الضرائب المباشرة انطلاقاً من كونها تتناول المقدرة المالية للأفراد فهي تتسم بالعدالة في التكليف بخلاف الضرائب غير المباشرة التي تغيب عنها العدالة وتشكّل ثقلاً كبيراً على كافة فئات المجتمع بمن فيهم الفقراء والمعدمين.
من هنا تتضح صورة الموازنة العامة من خلال حجم إيراداتها الناجمة عن الضرائب المباشرة أو غير المباشرة. فإيرادات الضرائب المباشرة الواردة في مشروع موازنة 2025 لا تزيد عن 17 في المئة أما الإيرادات الناجمة عن الضرائب غير المباشرة فتقارب 66 في المئة.
من هنا لا يمكن إسقاط صفة اللاعدالة عن مشروع الموازنة الحالي وعن السياسة المعتمدة عموماً من قبل السلطات الرسمية في البلد. فالضريبة التي يسدّدها الموظفون ومحدودو المداخيل والفقراء يقابلها استمرار التهرب الجمركي والتهرب الضريبي واستمرار “تصفير” الضرائب على الأملاك البحرية وإعفاءات لأصحاب الرساميل والمؤسسات تعويضاً عن الضغوطات التي واجهتهم خلال موسم الصيف بسبب الحرب الواقعة في جنوب لبنان.
تعديلات ضريبية
ارتفعت الايرادات المقدّرة في موازنة 2024، من 308 آلاف و435 مليار ليرة إلى 427 ألف و695 مليار ليرة في مشروع موازنة 2025. وبلغت قيمة الإرتفاع 119 ألف و260 مليار ليرة او ما يعادل 1.325 مليار دولار، غالبيتها الساحقة من الإيرادات الضريبية وتحديداً من الضرائب غير المباشرة.
ومن بين الضرائب والرسوم المعدّلة والمضاعفة في مشروع موازنة 2025، الرسم المالي الذي يُستوفى من لصق الطوابع؛ فقد تم رفعه بحسب المادة 19 من مشروع الموازنة من 500 ألف ليرة، إلى مليوني ليرة و3 ملايين ليرة.
وفي المادة 20 من مشروع الموازنة تم فرض رسم مالي على كل ايصال بقبض مبلغ من المال تعطيه الدولة اللبنانية والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات وسائر أشخاص القانون العام، على أن تكون الإيصالات الصادرة بالليرة 100 الف ليرة والصادرة بالدولار دولارين والصادرة باليورو 2 يورو، وكل فاتورة تصدرها وزارة الاتصالات للمشتركين بخدمات الهاتف والانترنت 100 الف ليرة.
وقد ألغت المادة 21 أحكام ماديتن من القانون رقم 24 عام 1975 الذي يفرض رسم سنوي على استثمار “الفليبرز والفيديو غايم وبيبي فوت والبلياردو والبينغ بونغ والبولينغ واكسترا بول والبوكر فيديو والبينغو”، ما يعني أن مشروع موازنة 2025 أسقط الرسوم المفروضة على استثمار الألعاب المذكورة. أما في المادة 16 من مشروع الموازنة فقد تمت زيادة الرسوم المستوفاة من المعاملات التي تتولى المديرية العامة للامن العام استيفاء رسومها.
وبموجب المادة 17 تفرض الموازنة على رب العمل أن يقتطع الضريبة على الرواتب والأجور التي يدفعها إلى الأجير وأن يؤدي المبالغ المقتطعة إلى الخزينة العامة كل 3 اشهر على أن يتم احتساب الضريبة على الرواتب والاجور المدفوعة جزئياً او كلياً بالعملات الأجنبية ويتم تحويل الرواتب والأجور إلى الليرة وفقاً لسعر الصرف المعتمد من مصرف لبنان في نهاية كل شهر ويتم اقتطاع الضريبة وتسديدها للخزينة بالليرة اللبنانية. ويستثنى من هذا النص احتساب تعويضات نهاية الخدمة عن المرحلة التي تسبق 13-12-2023 على أن تعالج في قانون خاص بعد إعادة تقييم لجميع تعويضات نهاية الخدمة المستحقة عن تلك الفترة.
وعليه تستمر عملية احتساب تعويضات نهاية الخدمة كما كانت تُحتسب قبل العام 2019، وبالتالي يتم صرفها منقوصة بما لا يقل عن 95 في المئة من قيمتها الحقيقية بفعل انهيار العملة الوطنية.