في مثل هذه الفترة من العام الماضي، كانت المؤسسات السياحية تحاول، رغم الجمود الذي كان مخيماً على البلاد، أن تضيء شمعة بدل أن تلعن الظلام، فتعدّ العدة لفتح أبوابها آملة بموسم سياحي مقبول رغم المعوّقات السياسية، تعوّض من خلاله خسارة العام بأكمله. أما هذه السنة عام الإفلاس والـ”كورونا”، اختلفت بل ساءت المعادلة.
أصحاب غالبية المؤسسات السياحية، في صيفية 2020، غير حائرين ولا يفكرون في فتح أبوابهم، أما الجزء الآخر منهم، وهم قلّة، فهم في حالة انتظار ويتأمّلون حصول “أعجوبة” في موسم الذروة تموز وآب. عدد منهم حسم أمره منذ شهر وأقفل نهائياً مثل فندقي “بريستول” و”ألكسندر”، أما المطاعم فنَعت الموسم من خلال نقابة المطاعم والملاهي والباتيسري، وأعلنت مراسم التشييع، طالما أن الحكومة لا تستجيب لمطالبهم ولدعمهم.
وسجّل عدد المؤسسات في قطاع المطاعم والملاهي والباتيسري التي أقفلت أبوابها 785 مؤسسة، منذ بداية ايلول لغاية أول شباط.
فجائحة “كورونا” شكّلت الضربة القاضية للسياحة التي تعتبر ركيزة أساسية للقطاع الإقتصادي كون “اقتصادنا المرحوم” كان يعتمد على الخدمات والمصارف.
بالنسبة الى الفنادق التي تقع في مناطق الإصطياف والتي تشكّل مقصداً للدول الخليجية والعربية مثل بحمدون، عاليه، برمانا، ضهور الشوير وغيرها، تلك التي تقفل في موسم الشتاء وتفتح أبوابها موسمياً في موسم الإصطياف، غير مستعدة لغاية الساعة لفتح أبوابها وتحمّل عبء المزيد من الخسائر.
هي التي كانت تشرّع أبوابها في عيد الفطر لاستقبال، ليس زبائنها من الخليج والدول العربية فحسب، بل حتى من الداخل هرباً من الحرّ ولقضاء عطلة الفطر في الجبل. فالإستياء حالياً هو عنوانها العريض، وهي تائهة في دائرة الأمل من تغيّر الظروف ايجاباً أقله لشهري تموز وآب، وكيفية تحديد التسعيرة العادلة التي لا تلحق بها خسائر وفي الوقت نفسه تجلب فيها الزبائن، مثلها مثل سائر المؤسسات التي عاودت عملها بخجل مثل النوادي والمجمعات الرياضية… التي كانت تسعّر بالدولار. كما أنها “ثكلى” من السلبية المخيّمة وفي سيرها في اتجاه إقفال أبوابها.
تسعيرات المؤسسات
أي تسعيرة يا ترى يجب أن تعتمد؟ الرسمية طبعاً لا. تسعيرة الـ3000 ليرة (للمصارف) أو الـ 3200 ليرة (لمؤسسات التحويلات) أو 3500 ليرة (التي أعدتها الحكومة في خطة التعافي الإقتصادي) أو سعر السوق السوداء 4000 ليرة وما فوق؟
هذا التساؤل الذي يدور في فلك أصحاب المؤسسات حملناه الى رئيس إتحاد النقابات السياحية في لبنان ونقابة أصحاب الفنادق بيار الاشقر الذي قال لـ”نداء الوطن”: لا يزال هذا الموضوع غير محسوم من قبل المؤسسات السياحية. فالمطاعم خصوصاً حائرة، بين تسعيرة الـ3200 ليرة أو الـ4200 ليرة للدولار الواحد، علماً أن لائحة الأسعار لطلبات الدليفري لا تزال هي نفسها، طالما أن أصحاب المؤسسات لا يسددون في الوقت الراهن إيجار محالهم ولا الفواتير الضريبية ولا الرسوم… ووصف الأشقر “الوضع الحالي بالفوضوي، وكلّ واحد يبحث عن الوسيلة التي سيعتمدها، ليستمرّ ويكون موجوداً”.
الفنادق
وبالنسبة الى الفنادق التي أوضح الأشقر أن “نسبة 100% منها أقفلت جزئياً أبوابها خصوصاً بعد وصول “كوفيد-19 الى لبنان” وبدء التعبئة العامة، أما التي ستسلك إتجاه الإقفال الكلي، فلا يزال اصحابها حائرون، والرؤية “مغبّشة” لأن الأمور تتغير بين يوم وآخر، تارة يتمّ تخفيف التعبئة العامة فتفتح المؤسسات أبوابها، وطوراً تقفل نسبة الى تطور مجريات فيروس كورونا.
ويضيف الأشقر: “إن الفنادق تعتمد على السيّاح وفي ظلّ الجائحة، وعدم منح أصحاب المؤسسات الدعم المرصود لهم من خلال الإقتراض بفائدة صفر ولفترة 5 سنوات لتسديد الرواتب وتسديد المصاريف، كيف ستعاود الفنادق والمؤسسات السياحية عملها؟”. لافتاً الى أن “كل ذلك يأتي في ظلّ انعدام المؤتمرات والمعارض التي كانت تعتمد عليها أيضاً لتحريك عجلتها”. من هنا لا يستبشر الأشقر “خيراً على الصعيد السياحي بالنسبة الى العام الجاري”.
البطالة السياحية
أما في ما يتعلق بعدد الموظفين الذين تمّ صرفهم من العمل، والمنتمين الى القطاع السياحي الأكثر تضرراً، يوضح الأشقر أنه “لا توجد أرقام دقيقة حول عدد العمال المصروفين من المؤسسات السياحية، باعتبار أن البعض من اصحابها عمد الى الإقفال الموقت لمؤسسته مع جائحة كورونا والتعبئة العامة، وهناك من أقفل بشكل دائم لعدم قدرته على تحمّل الأعباء الإقتصادية والمالية التي يرزح تحتها قبل التعبئة العامة، بسبب الأوضاع المالية والإقتصادية”.
ويوضح، “بالنسبة الى المطاعم على سبيل المثال، فقد أقفل منذ بداية العام 2019 ولغاية اليوم نحو 1600 مطعم، 700 مؤسسة منها منذ بداية سنة 2020، وبذلك يبلغ مجموع الذين توقفوا عن العمل 32 ألف موظف”.
فرغم تلك السوداوية المخيّمة خلال فترة رمضان حيث كانت المطاعم تضجّ بروادها وبتحقيق الأرباح التي تكفي اصحابها لفترة عام، ها هي المطاعم والمقاهي التي فتحت أبوابها القليلة عند تخفيف التعبئة خلال شهر رمضان والبالغة نسبتها 7%، تستجدي الإفطارات والزبائن، و”تركّ” على الدليفري فقط في محاولة للبقاء” في زمن “الإبادة الجماعية” التي تتعرض لها، مثلها مثل سائر القطاعات جراء الإنهيار الإقتصادي والمالي في البلاد وجائحة “كورونا” المدمّرة، والتي تستشري وتطيح بكل بصيص أمل قد يلوح في الأفق!.